إقباليات (العدد العربي الرابع ) 2003 فصلية فكرية تبحث في دراسات إقبال والدين والثقافة والتاريخ والآداب تصدر عن أكادمية إقبال باكستان إشراف الأستاذ محمد سهيل عمر رئاسة التحرير الأستاذ الدكتور ظهور أحمد أظهر الأستاذ الدكتور خورشيد رضوي المحرر المساعد محمد سميع مفتي أكادمية إقبال باكستان لاهور مجلة إقباليات العدد العربي الرابع 2003 أكادمية إقبال باكستان تصدر مجلة البحوث العلمية هذه باللغة العربية سنويا، عن أكادمية إقبال باكستان وهي مختصة للمقالات التي تتعلق بأفكار إقبال. كما تطبع فيها مقالات تتعلق بالحضارة الإسلامية والعلوم الدينية والفلسفة والتاريخ والأدب والشعر بقلم الماهرين والمتخصين وندعو كل من يريد أن يكتب في الموضوعات المذكورة لمجلتنا هذه. العنوان البريدي Iqbal Academy Pakistan 6th Floor, Aiwan i Iqbal off Egerton Road, Lahore, Pakistan Tel: 92-42-6314510 Fax: 92-42-6314496 email: iqbalacd@lhr.comsats.net.pk Website: www.allamaiqbal.com ثمن النسخۃ: 80 روبیۃ - 4 دولار أمریکیۃ وظیفۃ للبیع: 116 - خیابان میکلود، لاہور، باکستان تلفون: 7357214 مجلة إقباليات العربية — العدد 4—2003 المحتويات 1. أبو الحسن علي الندوي العوامل التي كونت شخصية إقبال 2. آنماري شمل أسرار العشق المبدع في كتابات محمد إقبال 3. إحسان حقي العلامة محمد إقبال كما عرفته 4. مرزا محمد منور تأثير الأدب العربي في شعر إقبال 5. عبد الله مبشر الطرازي سيرة الشاعر الإسلامي 6. عزيز أحمد نظرية باكستان عند إقبال 7. ظفر إسحاق أنصاري نقد منهج جوزف شاخت 8. حسين أحمد براجه شعر إقبال وتأثير الأدب العربي فيه 9. الحافظ عبد القدير العروج السماوي 10. حازم محفوظ إقبال والقائد الأعظم وباكستان 11. محمد سهيل عمر التقرير التطبيقي لمشاريع سنة إقبال العوامل التي كونت شخصية محمد إقبال لفضيلة الشيخ أبي الحسن علي الحسني1 الندوي سادتي وإخواني! يسرني جدا أن أتحدث إليكم عن شاعر الإسلام العظيم وحكيم الشرق الدكتور محمد إقبال، ويزيدني سرورا واغتباطا أن يكون هذا الحديث في مركز تعليمي وأدبي كبير كدار العلوم. وبهذه المناسبة سيدور حديثي اليوم حول دراسة هذا الرجل العظيم والمدارس التي تخرج فيها والعوامل التي كونت شخصيته. المدرسة الأولى التي تخرج فيها محمد إقبال: لقد تخرج محمد إقبال في مدرستين، أما المدرسة الأولى فهي مدرسة الثقافة العصرية والدراسات الغربية، فلم يزل يتقلب في فصولها ودروسها ما بين الهند وإنجلترا وألمانيا، ويقرأ على أساتذتها البارعين، ويرتوي من مناهلها حتى أصبح من أفذاذ الشرق الإسلامي في ثقافته الغربية. أخذ من علوم الغرب وثقافته وحضارته، من فلسفة، واجتماع، وأخلاق، واقتصاد، وسياسة، ومدنية غاية ما يمكن لغربي متخصص، فضلا عن شرقي متطفل; وبلغ بدراسته إلى أحشاء الفلسفة القديمة والجديدة. هذا إلى توسع في الآداب الإنجليزية والألمانية والشعر الغربي في مختلف أدواره وعصوره. ودراسة الفكر الغربي في مختلف أطواره ومراحل حياته. المدرسة الثانية: ولكن لو وقف صاحبنا عند هذا الحد، واكتفي بثمار هذه المدرسة لما كان موضوع حديث اليوم، ولما اشتغل الأدب الإسلامي والتاريخ الإسلامي بالتغني بآثاره، ولما فسحا له محل الصدارة العلمية والزعامة الفكرية والعبقرية الإسلامية، ولكل منها شروط دقيقة ومستوى عال، لا يحتله الإنسان بمجرد الدراسة والتفنن في العلوم، وكثرة التأليف والإنتاج. أقول لو وقف صاحبنا عند هذه المدرسة واقتصر على ثقافتها ودراستها لما زاد على أن يكون أستاذا كبيرا في الفلسفة أو علم الاقتصاد أو في الأدب أو في التاريخ، أو مؤلفا كبيرا، أو محاضرا بارعا في العلوم العصرية، أو أديبا صاحب أسلوب، أو شاعرا مجيدا، أو محاميا ناجحا في مهنته، أو قاضيا في محكمة أو وزيرا في دولة. وصدقوني أيها الإخوان! أن لو كان ذلك لطواه الزمان في من طوى من كبار العلماء والأدباء والشعراء والمؤلفين والقضاة والوزراء. إن الفضل في عبقرية إقبال، وخلود آثاره، ونفوذه في العقول والقلوب يرجع إلى المدرسة الثانية التي تخرج فيها. إني لأراكم أيها الإخوان! تذهبون كل مذهب في تشخيص هذه المدرسة، والاهتداء إلى موقعها وإني لأراكم تتطلعون إلى معرفة أخبارها. فمن أنشأ هذه المدرسة التي أنجبت مثل هذا الشاعر العظيم؟ وما هي العلوم التي تدَّرس فيها؟ وما هي لغة التعليم في هذا المعهد؟ ومن المعلمون فيها؟ فلا شك أنهم من كبار المربين وأعظم الموجهين، فقد أنتجوا مثل هذا النابغة في العلوم، العملاق في العقل والتفكير؛ وما هي شروط هذه المدرسة وما تكاليفها؟ وأظن أن لو علمتم بوجودها ومحلها لأسرع كثير منكم إليها والتحق بها. إنها مدرسة ما خاب من تعلم فيها، وما ضاع من تخرج منها؛ إنها مدرسة لم تخرج إلا أئمة الفن المجتهدين، وواضعي العلوم المبتكرين، وقادة الفكر والإصلاح المجددين، الذين يشغلون المدارس ورجالها بتفهم ما قالوا، ودراسة ما كتبوا، وشرح ما خلّفوا، وتعليل ما ألفوا، وتأييد ما أثبتوا، وتفصيل ما أجملوا، فيتكّون من كلمتهم كُتاب، ومن كتابهم مكتبة. إنها مدرسة ما تعلِّم التاريخ بل تخلق التاريخ، وما تشرح الفكرة بل تضع الفكرة، وما تنتخب الآثار بل تنتج الآثار؛ إنها مدرسة توجد في كل مكان وزمان، وهي أقدم مدرسة على وجه الأرض. ولا أمتحن صبركم أيها الإخوان! طويلا إنها مدرسة داخلية تولد مع الإنسان، ويحملها الإنسان معه في كل مكان. هي مدرسة القلب والوجدان. هي مدرسة تشرف عليها التربية الإلهية وتمدها القوة الروحية. قد تخرج محمد إقبال في هذه المدرسة، كما تخرج كثير من الرجال الموهوبين، وحدث عنها كثيرا في شعره، ورد إليها الفضل في تكوين سيرته وعقليته وأخلاقه وشخصيته. وصرح مرارا بأنه يدين لهذه المدرسة ما لا يدين للمدرسة الخارجية، وأنه لولا هذه المدرسة وتربيتها لما ظهرت شخصيته، ولما اشتعلت مواهبه، ولا اتضحت رسالته، ولا تفتحت قريحته وقد حدَّث عن معلمي هذه المدرسة وأساتذتها كثيرا وذكر فضلهم عليه. العامل الأول: فممن يَرد الفضل إليه في هذه المدرسة "الإيمان" الذي لم يزل مربيا له ومرشدا، ولم يزل مصدر قوته ومنبع حكمته. وليس إيمان محمد إقبال هو الإيمان الجاف الخشيب، الذي هو مجرد عقيدة أو تصديق بسيط، بل هو مزيج اعتقاد وحب، يملك عليه القلب والمشاعر والعقل والتفكير والإرادة والتصرف والحب والبغض. وقد كان شديد الإيمان بالإسلام ورسالته، قوي العاطفة، شديد الإخلاص والإجلال لرسول الله —صلى الله عليه وسلم—، متفانيا في حبه؛ مقتنعا بأن الإسلام هو الدين الخالد الذي لا تسعد الإنسانية إلا به، وإن النبي – صلى الله عليه وسلم— هو خاتم الرسل، والبصير بالسبل، وإمام الكل. ويرجع محمد إقبال الفضل في تكوين شخصيته، وتماسكه أمام المادة ومغرياتها وتيار الحضارة الغربية الجارف إلى الاتصال الروحي بالنبي —صلى الله عليه وسلم— وحبه العميق له، ولا شك أن الحب هو خير حاجز للقلب، وخير حارس له. إذا احتل قلبا وشغله، منعه من أن يغزوه غيره، أو يكون كريشة في فلاة، أو يعبث به العابثون، يقول: "لم يستطع بريق العلوم الغربية أن يبهر لبّي، ويعشي بصري، وذلك لأني اكتحلت بإثمد المدنية المنورة". ويقول: "مكثت في أتون التعليم الغربي وخرجت كما خرج إبراهيم من نار نمرود". ويقول: "لم يزل ولا يزال فراعنة العصر يرصدونني، ويكمنون لي، ولكني لا أخافهم فإني أحمل اليد البيضاء! إن الرجل إذا رزق الحب الصادق عرف نفسه، واحتفظ بكرامته، واستغنى عن الملوك والسلاطين. لا تعجبوا إذا اقتنصت النجوم، وانقادت لي الصعاب، فإني من عبيد ذلك السيد العظيم الذي تشرفت بوطأته الحصباء، فصارت أعلى قدرا من النجوم، وجرى في إثره الغبار فصار أعبق من العبير"! وفي كتاب "أسرار خودي" ذكر الشاعر مقومات حياة الأمة الإسلامية، والدعائم التي تقوم عليها، فذكر منها اتصالها الدائم بنبيها —صلى الله عليه وسلم—، والتشبع بتعاليمه، والتفاني في حبه. ولما ذكر النبي —صلى الله عليه وسلم— اندفع الشاعر بمدحه وأرسل النفس على سجيتها فقال أبياتا لا تزال تعد من غرر المدائح النبوية، والشعر الوجداني. يقول: "إن قلب المسلم عامر بحب المصطفي —صلى الله عليه وسلم—، وهو أصل شرفنا، ومصدر فخرنا في هذا العالم". إن هذا السيد الذي داست أمته تاج كسرى، كان يرقد على الحصير! إن هذا السيد الذي نام عبيده على أسرّة الملوك كان يبيت ليالي لا يكتحل بنوم! لقد لبث في غار حراء ليالي ذوات العدد، فكان أن وُجدت أمة ووجد دستور، ووجدت دولة! إذا كان في الصلاة فعيناه تهملان دمعا، وإذا كان في الحرب فسيفه يقطر دما! لقد فتح باب الدنيا بمفتاح الدين! بأبي هو وأمي!لم تلد مثله أم ولم تنجب مثله الإنسانية! افتتح في العالم دورا جديدا، وأطلع فجرا جديدا. كان يساوي في نظرته الرفيع والوضيع، ويأكل مع مولاه على خوان واحد! جاءته بنت حاتم أسيرة مقيدة، سافرة الوجه، خجلة مطرقة رأسها، فاستحيي النبي —صلى الله عليه وسلم—، وألقى عليها رداءه! نحن أعرى من السيدة الطائية، نحن عراة أمام أمم العالم. لطفه وقهره كله رحمة، هذا بأعدائه، وذاك بأوليائه! ذلك الذي فتح على الأعداء باب الرحمة، وقال: "لا تثريب عليكم اليوم". نحن المسلمين من الحجاز والصين وإيران وأقطار مختلفة، نحن غيض من فيض واحد. نحن أزهار كثيرة العدد، واحدة الطيب والرائحة. لماذا لا أحبه ولا أحن إليه، وأنا إنسان، وقد بكى لفراقه الجذع، وحنت إليه سارية المسجد. إن تربة المدينة أحب إليّ من العالم كله، انعم بمدينة فيها الحبيب"! ولم يزل حب النبي —صلى الله عليه وسلم— يزيد ويقوى مع الأيام، حتى كان في آخر عمره إذا جرى ذكر النبي —صلى الله عليه وسلم— في مجلسه أو ذكرت المدينة —على منوِّرها ألف سلام— فاضت عينه، ولم يملك دمعه. وقد ألهمه هذا الحب العميق، معان شعرية عجيبة، منها قوله، وهو يخاطب الله سبحانه وتعالى: "أنت غني العالمين وأنا عبدك الفقير، فاقبل معذرتي يوم الحشر: وإن كان لابد من حسابي، فأرجوك يا رب أن تحاسبني بنجوة من المصطفي —صلى الله عليه وسلم—، فإني أستحيى أن أنتسب إليه وأكون في أمته، وأنا أقترف هذه الذنوب والمعاصي"! وكان محمد إقبال كثير الاعتداد بهذا الإيمان، شديد الاعتماد عليه. يعتقد أنه هو قوته وميزته، وذخره وثروته، وأن أعظم مقدار من العلم والعقل، وأكبر كمية من المعلومات والمحفوظات لا تساوي هذا الإيمان البسيط. يقول في بيت: "إن الفقير المتمرد على المجتمع —يشير إلى نفسه—لا يملك إلا كلمتين صغيرتين، قد تغلغلتا في أحشائه وملكتا عليه فكره وعقيدته، وهما: لا إله إلا الله، محمد رسول الله —صلى الله عليه وسلم—. وهنالك علماء وفقهاء الواحد منهم يملك ثروة ضخمة من كلمات اللغة الحجازية، ولكنه قارون لا ينتفع بكنوزه" ! هذا هو إيمان محمد إقبال وحبه أيها السادة! ومن تتبع التاريخ عرف أن الحب هو مصدر الشعر الرقيق، والعلم العميق، والحكمة الرائعة، والمعاني البديعة، والبطولة الفائقة، والشخصية الفذة، والعبقرية النادرة: وإليه يرجع الفضل في غالب عجائب الإنسانية، ومعظم الآثار الخالدة في التاريخ؛ وإذا تجرد منه شخص كان صورة من لحم ودم، وإذا تجردت منه أمة كانت قطيعا من غنم، وإذا تجرد منه شعر كان كلاما موزونا مقفى فحسب، وإذا تجرد منه كتاب كان مجموع أوراق وحبرا على ورق، وإذا تجردت منه عبادة كانت طقسا من الطقوس وهيكلا بلا روح، وإذا تجردت منه مدنية أصبحت تمثيلا لا حقيقة فيه، وإذا تجردت منه مدرسة أو نظام تعليم، أصبح تقليدا أو تكليفا لا متعة فيه، ولا حافز له، وإذا تجردت منه حياة كلست الطبائع، وجمدت القرائح، وأجدبت العقول، وانطفأت شعلة الحياة، واختنقت المواهب! هذا هو الحب الصادق، الذي يتجلى على الرجل، فيصدر منه من روائع الكلام، أو خوارق الشجاعة والقوة، والآثار الخالدة في العلم والأدب ما لم يكن ليصدر منه لولا هذا الحب الذي أشعل موهبته، وفتح قريحته، وملك عليه قلبه وفكره، وأنساه نفسه، ومتاعب الحياة، وإغراء الشهوات، وبريق المادة، فتمرد بذلك على المجتمع. هذا هو الحب الذي يدخل بين الطين والماء والحجارة والآجرِّ، فيجعل منها آثارا خالدة، وتحفة فنية كـ" مسجد قرطبة، وقصر الزهراء، والتاج محل" ؛ وما من أثر من الآثار الباقية في الأدب والفن و التأليف والبطولة، إلا ووراءه عاطفة قوية من الحب! لقد ضل من زعم أن العلماء يتفاضلون بقوة العلم، وكثرة المعلومات، وزيادة الذكاء، وأن الشعراء يتفاضلون بقوة الشاعرية، وحسن اختيار اللفظ، ودقة المعاني وأن المؤلفين يتفاضلون بسعة الدراسة والمطالعة، وكثرة التأليف والإنتاج وأن المعلمين يتفاضلون بحسن الإلقاء والمحاضرة، واستحضار المادة الدراسية، وكثرة المراجع؛ وأن المصلحين والزعماء يتفاضلون بالبراعة في الخطابة، وأساليب السياسة والحكمة، واللباقة إنما يتفاضل الجميع بقوة الحب، والإخلاص لغايتهم إذا فاق أحدهم الآخر فإنما يفوقه، لأن الغاية أو الموضوع حل في قرارة نفسه، وسرى منه مسرى الروح، وملك عليه قلبه وفكره، وقهر شهواته، واضمحلت فيه شخصية، فإذا تكلم تكلم عن لسانه وإذا كتب كتب بقلمه، وإذا فكر فكر بعقلة، وإذا أحب أو أبغض فبقلبه! لقد جنت المدنية الحديثة أيها السادة! على الإنسانية جناية عظيمة، إذ قضت على هذه العاطفة، التي كانت قوة كبرى، ومنبعا فياضا للحياة، وملأت فراغها بالنفعية والمادية، أو الحب الجنسي، والغرام المادي ولم تستطع بحكم ماديتها وضيق تفكيرها، أن تفهم أن هناك حبا للمعاني السامية، وجمالا معنويا، هو أقوى من هذا الحب، وأساءت المدرسة العصرية —وأعني بها نظام التعليم الحديث— إلى الجيل الجديد، إذ لم تحتفل بهذه العاطفة والوجدان احتفالا ما، ولم تحسن توجيه القلوب، وإشعالها بحرارة الإيمان وحياة الوجدان. فأصبح العالم العصري أشبه بجماد متحرك دائر لا حياة فيه ولا روح، ولا قلب له ولا شعور، ولا ألم عنده ولا أمل؛ إنما هو دوامة جامدة، تديرها يد قاهرة، أو إرادة قاسرة! فإذا رأيتم أيها السادة! أن شعر إقبال من نوع آخر، غير النوع الذي عرفناه وجربناه في شعرائنا المتقدمين والمتأخرين، وغير الشعر الذي ندرسه في مدارسنا؛ هذا شعر تهتز له المشاعر، وتتوتر له الأعصاب، ويجيش له القلب، وتثور له النفس، حتى تكاد تحطم السلاسل، وتفك الأغلال، وتتمرد على المجتمع الفاسد، وتصطدم بالأوضاع الجائرة، وتسخف بالقوة الهائلة؛ شعر إذا قرأه الإنسان في لغة الشاعر، أحس بأنه قد مر به تيار كهربائي فهزه هزا عنيفا؛ إذا وجدتم ذلك أيها السادة! فاعلموا أنه ليس إلا لأن الشاعر قوي الإيمان، قوي العاطفة، جيّاش الصدر، فياض الخاطر، ملتهب الروح؛ قد أحسنت المدرسة الثانية التي تحدثت عنها تربيته، وقد أحسن أساتذتها تثقيفه، وتغذيته بهذه العاطفة، وتنميتها وإشعالها فيه. العامل الثاني: أما الأستاذ الآخر الذي يرجع إليه الفضل في تكوين شخصيته وعقليته، فهو أستاذ كريم لا يخلو منه بيت من بيوت المسلمين؛ ولكن ليس الشأن في وجود الأستاذ وكونه بمتناول اليد من تلاميذه، إنما الشأن في معرفته، وتقديره، وإجلاله، والإفادة منه، وإلا لكان أبناء البيت، ورجال الأسرة، وأهل الحي أسعد بعالمهم، وأكثر انتفاعا من غيرهم. ولكن بالعكس من ذلك رأينا أن العالم الكبير، والحكيم الشهير، والمؤلف العظيم. ضائع في بيته، مهجور في داره، يزهد فيه أولاده ويستهين بقيمته أفراد أسرته، ويأتي رجل من أقصى العالم فيغترف من بحر علمه ويتضلع من حكمه. لا تذهب بكم الظنون ولا يبعد بكم القياس أيها الإخوان! فذلك الأستاذ العظيم هو القرآن الكريم، الذي أثر في عقلية إقبال وفي نفسه! لم يؤثر فيه كتاب ولا شخصية. ولكنه أقبل على قراءة هذا الكتاب إقبال رجل، حديث العهد بالإسلام، فيه من الاستطلاع والتشوق ما ليس عند المسلمين الذين ورثوا هذا الكتاب العجيب، فيما ورثوه من مال ومتاع ودار وعقار. وقد وصل هذا المهتدي إليه بشق النفس وعلى جسر الجهاد والتعب. كان سرور محمد إقبال باكتشاف هذا العالم الجديد من المعاني والحقائق أعظم من سرور "كلمبس" لما اكتشف العالم الجديد ونزل على شاطئه. أما الذين ولدوا ونشأوا في هذا العالم الجديد، فكانوا ينظرون إلى "كلمبس" وأصحابه باستغراب ودهشة، ولا يفهمون معنى لما كان يخامرهم من سرور وفرح، فإنهم لا يجدون في هذا العالم شيئا جديدا. لقد كانت قراءة محمد إقبال للقرآن قراءة تختلف عن قراءة الناس له ولهذه القراءة الخاصة فضل كبير في تذوقه للقرآن، واستطعامه إياه. وقد حكى قصته لقراءة القرآن. فقال: "قد كنت تعمدت أن أقرأ القرآن بعد صلاة الصبح كل يوم، وكان أبي يراني، فيسألني ماذا أصنع؟ فأجيبه بأني أقرأ القرآن وظل على ذلك ثلاث سنوات متتاليات يسألني سؤاله، فأجيبه جوابي. وذات يوم قلت له: ما بالك يا أبي! تسألني نفس السؤال وأجيبك جوابا واحدا، ثم لا يمنعك ذلك عن إعادة السؤال من غد؟" فقال: إنما أردت أن أقول لك: يا ولدي؛ اقرأ القرآن كأنما نزل عليك". ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست ومن درره ما نظمت. ولم يزل محمد إقبال إلى آخر عهده بالدنيا يغوص في بحر القرآن، ويطير في أجوائه، ويجوب في آفاقه؛ فيخرج بعلم جديد، وإيمان جديد، وإشراق جديد، وقوة جديدة. وكلما تقدمت دراسته، واتسعت آفاق فكره، ازداد إيمانا بأن القرآن هو الكتاب الخالد، والعلم الأبدي وأساس السعادة، ومفتاح الأقفال المعقدة، وجواب الأسئلة المحيرة، وإنه دستور الحياة، ونبراس الظلمات، ولم يزل يدعو المسلمين وغير المسلمين إلى التدبر في هذا الكتاب العجيب، وفهمه ودراسته والاهتداء به في مشاكل العصر، واستفتائه في أزمات المدنية، وتحكيمه في الحياة والحكم؛ ويعتب على المسلمين إعراضهم عن هذا الكتاب، الذي يرفع الله به أقواما، ويضع به آخرين. يقول في مقطوعة شعرية: "إنك أيها المسلم لا تزال أسيرا للمتزعمين للدين، والمحتكرين للعلم؛ ولا تستمد حياتك من حكمة القرآن رأسا! إن الكتاب الذي هو مصدر حياتك ومنبع قوتك، لا اتصال لك به إلا إذا حضرتك الوفاة، فتقرأ عليك سورة "يس" لتموت بسهولة. فوا عجبا! قد أصبح الكتاب الذي أنزل ليمنحك الحياة والقوة، يتلى الآن لتموت براحة وسهولة". وقد أصبح محمد إقبال بفضل هذه الدراسة العميقة والتدبر، لا يفضِّل على هذا الكتاب شيئا، ولا يعدل به تحفة وهدية لأغنى رجل في العالم، وأعظم الرجال علما وعقلا، ولذلك لما دعاه المرحوم نادر خان ملك أفغانستان إلى كابل، ونزل ضيفا عليه، أهدى محمد إقبال إلى الملك نسخة من القرآن، وقدمَّها إليه قائلا: "إن هذا الكتاب رأس مال أهل الحق، في ضميره الحياة، وفيه نهاية كل بداية، وبقوته كان عليّ فاتح خيبر". فبكى الملك وقال: لقد أتى على نادر خان زمان، وما له أنيس سوى القرآن، وهو الذي فتحت قوته كل باب". العامل الثالث: والركن الثالث أيها السادة! في نظام تربيته، وتكوين شخصيته هو معرفة النفس، والغوص في أعماقها، والإعداد بقيمتها، والاحتفاظ بكرامتها وقد عامل نفسه بما نصح به غيره في قصيدة، يقول فيها: "انزل في أعماق قلبك، وادخل في قرارة شخصيتك، حتى تكتشف سر الحياة! ما عليك إذا لم تنصفني وتعرفني، لكن انصف نفسك يا هذا! واعرفها، وكن لها وفيا! ما ظنك بعالم القلب، هو كله حرارة، وسكر، وحنان، وشوق، أما عالم الجسم فتجارة وزور واحتيال! إن ثروة القلب لا تفارق صاحبها، أما ثروة الجسم فظل زائل ونعيم راحل! إن عالم القلب لم أر فيه سلطة الإفرنج ولا اختلاف الطبقات، لقد كدت أذوب حياءا، وتندى جبيني عرقا إذ قال لي حكيم: إذا خضعت لغيرك، أصبحت لا تملك قلبك ولا جسمك" . وقد كان إقبال كثير الاعتداد بمعرفة النفس؛ يرى أن العبد يسمو بها إلى درجة الملوك، بل يعلوهم إذا كان جريئا مقداما، يقول في قصيدة: "إن الإنسان إذا عرف نفسه بفضل الحب الصادق وتمسك بآداب هذه المعرفة، انكشفت على هذا المملوك أسرار الملوك! إن ذلك الفقير الذي هو أسد من أسود الله، أفضل من أكبر ملوك العالم! إن الصراحة والجرأة من أخلاق الفتيان، وإن عباد الله الصادقين لا يعرفون أخلاق الثعالب." وقد جعلته هذه المعرفة النفسية والاعتداد لا يقبل رزقا إذا قيد حريته، يقول في نفس القصيدة: "يا صاح! إن الموت أفضل من رزق يقص من قوادمي، ويمنعني من حرية الطيران" . وكان إقبال يعرف قيمته ويعرف مكانته —في غير صلف وغرور— فيضن بحريته وكرامته، ويربأ بنفسه عن أن يكون عبدا لغيره، يقول في مقطوعة: "لك الحمد يا رب! إذ لست من سقط المتاع، ولست من عبيد الملوك والسلاطين! لقد رزقتني حكمة وفراسة! ولكني أحمدك على أني لم أبعهما لملك من الملوك ." يقول مفتخرا: "إني من غير شك فقير قاعد على قارعة الطريق، ولكني غني النفس أبيّ" . وكان عمله بما يخاطب به غيره في قصيدة، يقول فيها: "إذا لم تعرف رازقك، كنت فقيرا إلى الملوك، وإذا عرفته، افتقر إليك كبار الملوك. إن الاستغناء ملوكية، وعبادة البطن قتل للروح، وأنت مخير بينهما. إذا شئت اخترت القلب، وإذا شئت اخترت البطن ". ولا شك أن محمد إقبال اختار القلب. لذلك كان يثور إذا جرحت كرامته، وامتحنت عفته. قدّم إليه رئيس وزارة في دولة، في عيد ميلاد محمد إقبال، هدية محترمة من النقود، فرفضها، وقال: "إن كرامة الفقر تأبى علي أن أقبل صدقة الأغنياء" .وعرضت عليه الحكومة البريطانية وظيفة نائب الملك في إفريقيا الجنوبية، وكان من تقاليد هذه الوظيفة أن حرم نائب الملك تكون سافرة، تستقبل الضيوف في الولائم الرسمية، وتكون مع زوجها في الحفلات. فأشير عليه بذلك، فرفضها، وقال: "ما دام هذا شرطا لقبول الوظيفة فلا أقبله لأنه إهانة ديني ومساومة كرامتي." وقد كان بفضل معرفته بقيمة نفسه شديد الاحتفاظ بقوته ومواهبه؛ يعتقد أنه صاحب رسالة ومهمة في هذه الحياة، وليس له أن يضع نفسه محل الشاعر، الذي ليست له رسالة، أو النظامين الذين ينظمون في كل مناسبة! فإذا أريد منه غير ذلك ضاقت نفسه. يقول في أبيات وجهها إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم—: "إني لأشكو إليك يا سيد الأمم! إن أصدقائي يعتقدون أني شاعر نظّام، فيقترحون عليّ اقتراحات" ! ويقول في بيت آخر: "أنا حائر في أمري يا سيدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم—! إنك تأمرني أن أبلغ أمتك رسالة الحياة والقوة، وهؤلاء يقولون أرِّخ لموت فلان وفلان، فماذا أفعل ؟!." وقد كانت هذه المعرفة من كبار أنصار شخصيته ورسالته، ومما انتفع بـها الإسلام انتفاعا عظيما، وقد عصمت الشاعر من التيه الفكري والهيام الأدبي، اللذين يصاب بهما أدباؤنا وشعراؤنا وكتابنا وعلماؤنا، فينتجعون كل كلأ، ويهيمون في كل واد، ويكتبون في كل موضوع، وافق عقيدتهم أم لا؛ ويمدحون كل شخص، ويظلّون إلى آخر حياتهم لا يعرفون أنفسهم ولا يعلمون رسالتهم! أما الدكتور محمد إقبال، فكان من توفيق الله تعالى ومن حسن حظ الإسلام والمسلمين في الهند، أنه عرف نفسه في أول يوم، وقدَّر مواهبه تقديرا صحيحا، ثم ركز فكره وقوة شاعريته في بعث الحياة والروح في المسلمين، وإيجاد الثقة والاعتزاز بشخصيتهم، والإيمان برسالتهم، والطموح إلى القوة والحرية والسيادة. كان شاعرا مطبوعا، حتى لو أراد أو أريد أن لا يكون شاعرا لما استطاع، ولقهره الشعر وغلبه. كان سائل القريحة، فياض الخاطر، ملهم المعاني، مطاع اللفظ. وكان مبدعا يوم كان شاعرا؛ وكان شاعرا فنانا وصناعا ماهرا سلَّم له شعراء العصر بالإمامة والإعجاز، وتأثر بشعره الجو. فما من شاعر ولا أديب في عصره إلا وقد تأثر به في اللغة والتراكيب والمعاني والأفكار والأغراض. وهو من أفراد شعراء العالم في التفنن والإبداع، وابتكار المعاني، وجدة التشبيه، والاستعارات. وقد ساعده في ذلك اتصاله بالشعر الانجليزي والألماني، فضلا عن الفارسي الذي هو خاتم شعرائه (في شبه القارة). ولكن ليس هذا كل ما يمتاز به محمد إقبال فعصره لا يخلو من شعراء، ولا يخلو من شعراء مجيدين، ولكنه امتاز بأنه أخضع شاعريته القوية وقوته الأدبية، وعبقريته الفنية لرسالة الإسلام. فلم يكن شاعر ملك، ولا شاعر الوطنية، ولا شاعر الهوى والشباب، ولا شاعر الحكمة والفلسفة؛ بل كان صاحب رسالة إسلامية، استخدم لها الشعر كما تستخدم للرسائل أسلاك الكهرباء، فتكون أسرع وصولا! ولطيب الأزهار نفحات الهواء فيكون أكثر انتشارا! فكان الشعر حامل رسالته، ورائد حكمته، يسبقها ويوطئ لها أكنافا، ويذلّل لها صعابا، ويفتح أبوابا. وكان شعره من جنود الإسلام —ولله جنود السموات والأرض— ولا أعرف أحدا أرضى الله ورسوله بشعره، بعد حسان بن ثابت —رضي الله عنه— مثل ما أرضى هذا الشاعر المسلم. فأيقظ أمة، وأشعل قلوبها إيمانا وحماسة وطموحا إلى حياة الشرف والاستقلال والسيادة والحكم الإسلامي، حتى أصبحت هذه الأمة لا ترضى إلا بدولة تحكمها وتدير دفتها. أوجد بشعره القوي الهزاز القلق الفكري، والاضطراب النفسي، الذي عم هذا الشعب المسلم، وساور الشباب الإسلامي بصفة خاصة فأصبحوا لا يرتاحون، ولا يهدأ لهم خاطر في حياة العبودية والذلة وحكم الأجانب، حتى أصبحت في يوم من الأيام الدولة المسلمة الحرة حقيقة راهنة وواقعا ملموسا. ولا نعرف شاعرا أو أديبا يرجع إليه الفضل في تأسيس دولة وتهيئة النفوس لها مثل ما يرجع إلى هذا الشاعر الإسلامي. وتعلمون جميعا أن الدول تسبقها الثورات الفكرية والتذمر من الحاضر، والتطلع إلى المستقبل، والقلق النفسي، فإذا تم هذا كله ونضج، قامت دولة؛ فإن كان شعر قد أقام دولة، وأحدث ثورة فكرية، كانت سبب الانتقال من حياة إلى حياة ومن وضع إلى وضع، فهو من غير شك، شعر إقبال. وما ذاك أيها الإخوان! إلا بمعرفة الرجل نفسه، وتقديره الصحيح لمواهبه وقوته، ووضعها في محلها، والغيرة عليها، من أن تضيع في موضوعات تافهة، وألفاظ فارغة، وألوان زاهية، ومظاهر الجمل الفانية. وكم ضاع رجال من العبقريين وأهل المواهب الكبيرة لعدم معرفتهم أنفسهم، وقيمة ما يحسنون، وما يمتازون به عن أقرانهم، فباعوا أنفسهم وعلمهم بالمناداة أو باللغة المصرية "بالمزاد العلني" ، وقتلوا إنسانيتهم قبل أن يقتلها غيرهم ﴿وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يَظلِمون﴾. العامل الرابع: والمربي الرابع أيها السادة! الذي يرجع إليه الفضل في تكوين سيرته وشخصيته، وفي قوة شعره وتأثيره، وجدة المعاني، وتدفق الأفكار هو أنه لم يكن يقتصر على دراسة الكتب، والاشتغال بالمطالعة، بل كان يتصل بالطبيعة من غير حجاب، ويتعرض للنفحات السحرية، ويقوم في آخر الليل، فيناجي ربه، ويشكو بثه وحزنه إليه، ويتزود بنشاط روحي جديد، وإشراق قلبي جديد، وغذاء فكري جديد؛ فيطلع على أصدقائه وقرائه بشعر جديد، يلمس الإنسان فيه قوة جديدة، وحياة جديدة، ونورا جديدا؛ لأنه يتجدد كل يوم، فيتجدد شعره، وتتجدد معانيه. وكان عظيم التقدير لهذه الساعات اللطيفة التي يقضيها في السحر، ويعتقد أنها رأس ماله ورأس مال كل عالم، ومفكر، لا يستغني عنها أكبر عالم أو زاهد. يقول في بيت: "كن مثل الشيخ فريد الدين العطار في معرفته، وجلال الدين الرومي في حكمته، أو أبي حامد الغزالي في علمه وذكائه، وكن مع من شئت في العلم والحكمة، ولكنك لا ترجع بطائل، حتى تكون لك أنَّة في السحر" . وكان شديد المحافظة على ذلك، كثير الاهتمام به. يقول في مطلع قصيدة: "رغم أن شتاء إنجلترا كان قارسا جدا، وكان الهواء البارد يعمل في الجسم عمل السيف، ولكني لم أترك في لندن التبكير في القيام" . وكان لا يبغي به بدلا، ولا يعدل به شيئا. يقول في بيت: "خذ مني ما شئت يا رب! ولكن لا تسلبني اللذة بأنَّة السحر، ولا تحرمني نعيمها". بل كان يتمنى على الله أن تتعدى هذه الأنة السحرية والحرقة القلبية إلى شباب الأمة المتنعمين، فتحرِّك سواكن قلوبهم، وتنفخ الحياة في هياكلهم. يقول في قصيدة: "اللّهم! جرِّح أكباد الشباب بسهام الآلام الدينية، وأيقظ الآمال والأماني النائمة في صدورهم. بنجوم سماواتك التي لا تزال ساهرة، وبعبادك الذين يبيتون الليل سجدا وقياما، ولا يكتحلون بنوم، ارزق الشباب الإسلامي لوعة القلب، وارزقهم حبي وفراستي". ويقول في قصيدة: "اللّهم! ارزق الشباب أنتي في السحر، وانبت لصقور الإسلام القوادم والخوافي، التي تطير بها وتصطاد، وليست لي أمنية يا رب! إلا أن تنتشر فراستي، ويعم نور بصيرتي في المسلمين" . العامل الخامس: والعامل الأخير والمؤثر الكبير في تكوين عقليته وتوجيه رسالته أيها السادة! هو "المثنوي المعنوي" بالفارسية وقد كتبه مولانا جلال الدين الرومي في ثورة وجدانية ونفسية شديدة، ضد الموجة العقلية الإغريقية التي اجتاحت العالم الإسلامي في عصره، وقد انتصر فيه للإيمان والوجدان انتصارا قويا، وانتصف للقلب والروح والعاطفة والحب الصادق والمعاني الروحية من المباحث الكلامية الجافة، والقشور الفلسفية، التي كانت تشغل أذهان المسلمين والمدارس الدينية والأوساط العلمية في الشرق الإسلامي. والكتاب متدفق قوة وحياة، زاخر بالأدب العالي والمعاني الجديدة، والأمثال الحكيمة، والحكم الغالية، والنكت البديعة؛ وطابعه العاطفة القوية، والطبع الريان الذي يملي هذه المنظومة التي لا تزال فريدة في موضوعها في مكتبة الإسلام العامرة، ولا يزال له التأثير القوي في تحرير الفكر، من رق العقل، والتقديس الزائد للقيم العقلية، والخضوع للمادية الرعناء؛ ويبعث التمرد على عالم المادية الضيق والتطلع إلى أجواء الروح الفسيحة. وكان العالم في عصر محمد إقبال يواجه التيار العقلي الأوروبي، الذي جرف جميع القيم الروحية والخلقية، وقد زادت الآلات الميكانيكية هذه الحضارة بُعدا عن المعاني الروحية، والمبادئ الخلقية، وما بعد الطبيعة. فأصبحت حضارة عقلية ميكانيكية. وقد قضى محمد إقبال فترة من الزمن ينازعه عاملان: عامل العقل، وعامل القلب؛ وقام صراع بين عقله المتمرد وعلمه المتجدد، وقلبه الحار الفائض بالإيمان. وفي هذا الاصطراع الفكري والاضطراب النفسي، ساعده المثنوي مساعدة غالية، ودافع عن عاطفته وقلبه دفاعا مجيدا، وحل به كثيرا من ألغاز الحياة. ولم يزل محمد إقبال يعرف له الجميل، ويحفظ له هذا الفضل، ويذكره في كثير من أبياته، ويعزو إليه كثيرا من الحقائق والحكم. يقول في بيت يخاطب فيه أحد المأخوذين بسحر الغرب: "قد سحر عقلك سحرُ الإفرنج، فليس لك دواء إلا لوعة قلب الرومي، وحرارة إيمانه. لقد استنار بصري بنوره، ووسع صدري بحرا من العلوم" . ويقول في بيت: "لقد أفدت من صحبة شيخ الروم أن كليما واحدا —يشير إلى سيدنا موسى— هامته على راحته، يغلب ألف حكيم قد أحنوا رؤوسهم للتفكير". وكان محمد إقبال يرجو أن يجدد علمه ورسالته في القرن العشرين ويخلفه في مهمته العلمية والروحية؛ وكان يشعر أن الشيخ لا يزال يفوقه في الجانب الروحي، وقد أشار إلى ذلك إشارة لطيفة. يقول في قصيدة: "لم ينهض رومي آخر من ربوع العجم، مع أن أرض إيران لا تزال على طبيعتها، ولا تزال تبريز كما كانت، إلا أن إقبال ليس قانطا من تربته، فإذا سقيت بالدموع أنبتت نباتا حسنا، وأتت بحاصل كبير" . هذه هي العوامل البارزة التي كونت شخصية محمد إقبال، وهذه هي آثار تربية المدرسة الثانية التي تخرج فيها؛ ولا شك أنها أقوى من آثار المدرسة الأولى. فإذا كانت المدرسة الأولى منحته مفردات اللغات المتعددة، وكميات من المعلومات وافرة، فقد علمته المدرسة الثانية كيف يستعمل هذه المعلومات، وكيف يخدم بها نفسه، وأمته وقد منحته المدرسة الثانية العقيدة الراسخة، والإيمان القوي، والخلق المستقيم، والتفكير السليم، والرسالة الفاضلة. أسرار العشق المبدع في كتابات محمد إقبال لآنماري شيمل أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة، أيها الأصدقاء. إنها لمناسبة رائعة أن نتحدث اليوم عن إقبال، خاصة في ذكرى يوم مولده وقد مر منذ يومين. ولد إقبال في التاسع من نوفمبر سنة 1877م في سيالكوت في البنجاب، وتوفي في لاهور سنة 1938م، وقد كتب عنه الكثير، كتب وأسفار باللغة الإنجليزية والفارسية والأردية، وبلغات متعددة، كتابات تنقده وكتابات تصفه بالرجعية، وأخرى تسميه تقدميا، ولا نكاد نجد اثنين من دارسي إقبال أو عشاقه يتفقان تماما في الرأي فيما يخصه، لأن كتاباته تحمل مزيجا فريدا وهاما للفكر الشرقي والغربي معا، وفي رأيي أن خير وصف لطريقه ومؤلفاته ومثله التي يصبو إليها جملة وردت في خطابه في اجتماع حزب الرابطة الإسلامية في الهند في اله آباد سنة 1930م، قال عن نفسه: إنه رجل "يؤمن بأن للدين أهمية عليا في حياة الأفراد وكذلك في حياة الدول، وأنه يؤمن أن الإسلام في حد ذاته قدر، بيد أنه قدر لا يتغير". دعوني أحدثكم قليلا عن إقبال الشاعر والفيلسوف، حتى يجد كلامي موقعه الصحيح في أذهانكم، ولد إقبال في سيالكوت وتلقى تعليمه في لاهور، ثم في جامعة كمبريدج حيث درس الحقوق والفلسفة وفلسفة هيجل، وبعد فترة قصيرة قضاها في ألمانيا عاد إلى لاهور وعمل أولا بالمحاماة، لكنه كان أساسا شاعرا ومفكرا، ودعي إلى حضور مؤتمرات ومناسبات هامة تشمل مؤتمرات المائدة المستديرة في لندن في عامي 1931م و 1932م، وكان قد بلور موقفه منذ 1930م. عندما أعلن أمنيته الكبرى: "أن يرى البنجاب ومناطق الحدود الشمالية الغربية (بما في ذلك بداهة كشمير)، والسند وبلوتشتان متحدة معا في دولة واحدة، ويعنى ذلك مولد الدولة التي نعرفها اليوم باسم باكستان. كان يحلم بدولة قوية تكون حصنا لشبه القارة الهندية، تدفع عنها جحافل الغزو المدمر التي كانت تغير عليها من الشمال الغربي. كانت ذاكرته تعود إلى الماضي، إلى غزوات جنكيز خان وتيمور وغيرهما. وكان إقبال يعي جيدا دور البنجاب وحدود الهند الشمالية الغربية في تاريخ القارة، وكانت فكرته تقوم على تأسيس دولة تصد تلك الأخطار عن المناطق الوسطى من شبه الجزيرة، وكذلك إتاحة الفرصة للمسلمين للمشاركة في وضع النظم التعليمية والتشريعات القانونية التي يحلمون بها. وكان ذلك هو المغزى لخطابه الشهير باسم "خطاب باكستان" الذي ألقاه في 1930م. لم يكن إقبال رجل سياسة فحسب، كان فيلسوفا وكان شاعرا، قد ألف قصائد شتى باللغة الأردية منذ شبابه، ونشر أول ديوان له باللغة الأردية سنة 1924م بعنوان "صلصلة الجرس" بعد عام من نشر ديوانه السابق بالفارسية رسالة المشرق، وكان لقصائده الأوليات اللواتي صاغها بالفارسية وقع خاص كما سنرى — عما قليل — وكان شعره بالأردية ينتمي إلى الأسلوب التقليدي، ولكنه في سنة 1912م أعلن الشكوى من القدر في شعره الأول مرة، فبعد أن شاهد الأحوال في أوروبا أدرك أن واجبه أن يساند المسلمين في الهند، فرأيناه في قصيدته الرائعة: شكوى (1912) ينطق المسلمين بالشكوى: إن كل ما في الحياة أضحى صعبا، ها هي حضارتهم القديمة فقدت دورها، ويبدو لهم أن الله قد نسيهم حقا، إلا أنه في رائعته التالية "جواب الشكوى" يلقنهم الله درسا، ويذكرهم بما اقترفوا، وبما فرض عليهم من أعمال لم يؤدوها، وينذرهم ألا يهملوا فروض دينهم ولا ينسوا حب الله والرسول، وكانت هذه القصيدة مدخلا إلى مرحلة جديدة في حياته. يروى عنه أنه قال إن الشاعر الصوفي العظيم مولانا جلال الدين الرومي زاره في رؤيا، وطلب منه أن يقرض قصيدة مثنوية بالفارسية، أي مستوحاة من رائعة الرومي المثنوي. وانصاع إقبال للرؤيا، وألف بالفارسية لا الأردية، ديوان "أسرار الذات" ، تبعه بديوان "رموز نفي الذات" ، وحلقت شهرة شعره في الآفاق. لكنه تعرض كذلك لكثير من النقد والهجوم، كان ناقدوه ينعون عليه الخروج على التقاليد الموروثة للشعر في الفارسية والأردية، إذ تجسد أحلام الشاعر في هذه التقاليد كيف تذوب الذات وتتبخر كشذى الوردة، ولا ينبغي لإقبال أن يكتب شعرا توضع فيه قطرة الندى الضعيفة هذه، موضع المقارنة بالماسة الصلبة، فتضعف القطرة وتتلاشى. ويبتلعها الطير، لكن الماسة تبقى ثابتة، تشع بالنور مهما كان مصيرها، أي أن القوة في نظره هي التي تمكن كل ما في الوجود من البقاء.. كانت مثل هذه الآراء غريبة في نظر قرائه من الهنود، وهي تكشف عن اتجاه جديد في معالجة الحياة في كتابات إقبال، كان في الماضي من أتباع الأستاذ مكتاجارت صاحب المدرسة الهيجلية الجديدة في كمبريدج، لكنه اتجه إلى رؤي برجسون وفكرة الدافع الحيوي elan vital فلسفة القوة التي حاول أن يوجد لها سبيلا في التراث الإسلامي. ولم يكن ذلك سهلا ولكنه بالتأكيد كان على حق، وكما أسلفت نشر ديوانه العظيم "رسالة المشرق" بالفارسية سنة 1923م، وهو كتاب عزيز علينا نحن الألمان لأنه يمثل الاستجابة الأولى والوحيدة من مفكر مسلم لكتاب جوته الشهير الديوان الغربي للمؤلف الشرقي، أول عمل بالألمانية تأثر بالشعر الإسلامي، خاصة الفارسي، ثم أتبعه بمجموعة من القصائد بعنوان "زبور العجم" ، وفي سنة 1932م نشر ديوانه "جاويد نامه" أو "كتاب الخلود" ، وهو في نظري أهم ما كتب إقبال: تصور الإنسان يعرج من فلك إلى فلك بإرشاد مولانا جلال الدين الرومي. يرتفع الإنسان من الأرض ويرقى في نهاية المطاف إلى السعادة الأبدية، بعد الحديث مع سكان الأجرام السماوية السبعة في شئون الحياة السياسية والشعر والتصوف والدين وغير ذلك، يضم هذا الكتاب ثروة من الأفكار، وعندما ترجمته إلى الألمانية وكذلك إلى التركية، قلت —وما زال هذا رأيي— إنه كتاب ينبغي للجميع قراءته وقد يحتاج إلى شرح أو تعليق.. تلا ذلك دواوينه الأردية "جناح جبريل" ، ومجموعة تتميز بالنقد السياسي اللاذع باسم "ضرب الكليم" ، أي ضربة موسى، يعبر فيها عن نقده للعالم الغربي ومقلديه في المشرق. بعد وفاته في 21 إبريل 1938م، جمعت قصائده التي لم تنشر في حياته ونشرت باسم "هدية الحجاز" ، ويظهر منها أن قلبه كان يهفو إلى زيارة الحجاز والأماكن الإسلامية المقدسة، خاصة روضة الرسول.. بدأ إقبال قرض الشعر على نمط الشعر التقليدي في الفارسية والأردية، لكن حدث في فترة كتابته لأسرار الذات سنة 1915م أن اكتشف الروح العربية، وفاجأ معاصريه بنقده لحافظ الشيرازي وأفلاطون، وحذر مواطنيه من مغبة السعي في حدائق إيران الجميلة، وحثهم على العودة إلى رمال جزيرة العرب، ليعبوا من ماء زمزم القراح، بدلا من ارتشاف خمر فارس المسكرة التي لن تغنيهم فتيلا في مواجهة مصاعب الحياة، وفي مقدورنا تصور صدمة أصحاب ثقافة اعتادت هذا اللون من الشعر الذي يتغنى بالزهر والبلابل والخمر وكل جميل ناعم في الدنيا، لدى سماع هذه الدعوى الجديدة، إلا أن إقبالا ذكر قراءه بأن الغزال النافر إذا غادر الحرم في مكة وقع فريسة للصيادين، وكذلك المسلمون إذا أغفلوا مركز دينهم وجوهره وقعوا في شراك الأوروبيين وأصبحوا صيدا سهلا.. لا يكاد من كتبوا عن إقبال يذكرون أن احتفاءه بالوجه العربي للإسلام يتخلل حياته كلها، وليس من قبيل المصادفة أنه عاد إلى هذه النقطة في أخريات حياته، فقد ورد في ختام آخر رسالة خطها، قبل وفاته بستة أسابيع، بيت للشاعر الفارسي الكبير خاقاني (1199م) يقول: "لا تضع خيط سير الفلسفة الإغريقية على مذيلة جواد "الإسلام" الذي ينتمي إلى أصل عربي" .. الدين في نظره ولد في الجزيرة العربية، وكانت مثله هي الهادية للمسلمين الأوائل والمتصوفة الذين جاهدوا لحفظ الإسلام ضد المغالاة في تطبيق الأفكار اليونانية في تفسير الإسلام. كانت كلمة إقبال الأخيرة تحذيرا من أسر الفكر اليوناني، ومن تفسير رسالة القرآن من خلال مصطلحات الفلسفة اليونانية، وهذا بكل تأكيد جانب مهم، فقد سيطرت عليه هذه الفكرة طوال حياته. ومن الطبيعي أن يحدد إقبال مركز عقيدته بل حياته كلها من خلال القرآن، وفي كتاب الخلود (جاويد نامه) الذي يصور رؤياه العظيمة للرحلة بين الأفلاك، يخصص فصلا باسم، عالم القرآن، يبين فيه أن القرآن يحمل كلمة الله الأزلية، فهو أزلي وأبدي مثل الله، وهو بالضرورة متعدد الجوانب والصفات مثله مثل الله، وفي كل لحظة يكشف لنا عن حكمة جديدة، وكان إقبال يدين بالمبدأ الصوفي التقليدي: أنه إذا لم يوح لك القرآن شخصيا كما أوحى للرسول —صلى الله عليه وسلم)، فلن تفيدك شروح الرازي ولا كشاف الزمخشري شيئا.. في 1917م كتب إقبال في مقال له، "إن القرآن يفيض بفرحة الحياة وبالنور، وليس فيه مكان لتصوف متشائم أو أمور مظلمة مقبضة". وهذه الجملة ملفتة للانتباه حقا في ضوء فلسفته المتأخرة، ففرحة الحياة، والحماس الخالص لألفاظ القرآن، كما أوحى بها للنبي، من أبرز ما يميز رواه، وهذا بطبيعة الحال يؤدى بنا إلى دور رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أعمال إقبال. كان إقبال عاشقا للرسول حقا لم يكتب مدائح تقليدية في وصف النبي، إلا أن في مؤلفاته المتأخرة قصيدة من وحي قصيدة البردة للبوصيري، إذ ألم به مرض فرأى في منامه السيد أحمد خان، المصلح الإسلامي في الهند (1897م) يذكره أن يتجه إلى الرسول ويطلب منه المدد، بالضبط كما وقع للبوصيرى في القرن الثالث عشر الميلادي من شفاء معجز، فكتب البردة الرائعة في مدح الرسول. على أن إقبال لم يقتصر على ذلك، فالرسول عنده أهم آية وتجل لروح الإسلام، وردت لشاعرنا عبارة جريئة في جاويد نامه: يمكن أن تنكر الله لكنك لا تستطيع أن تنكر الرسول، فالرسول هو الذي قدم الإسلام وفسر ما تلقاه من وحي، ويذهب إقبال مرارا وتكرارا إلى أن الرسول كان الإنسان المثالي، وليس الإنسان الكامل كما في عرف المتصوفة، وصفته أنه: "عبده" كما ورد في القرآن، في سورة الإسراء آية:1 وسورة النجم آية:10 وغيرهما، وهو حسب رأي إقبال الشخصية المثالية (وهو كذلك عند المتصوفين التقليديين)، ومن المهم أن ندرك أن حبه للرسول يشيع في كل إنتاجه، لذا ينبغي أن نظهر ذلك قبل أي جانب آخر من جوانب أعماله، وبطبيعة الحال ذكر إقبال شخصيات الأنبياء السابقين على محمد كما ورد ذكرهم في القرآن، وأثنى على إبراهيم أول الموحدين الصادقين لإيمانه بأن بقاء الأمة الإسلامية رهن بالتوحيد الأخلاقي الذي يمثله إبراهيم عليه السلام، وكان موسى كليم الله أعز لديه حتى من إبراهيم، ولا يدهشنا أنه سمى آخر ديوانه له باللغة الأردية ضربة الكليم، فكما شق موسى الجبل ليخرج الماء من الصخر، وكما ضرب بعصا البحر الأحمر ليعبر شعبه، كان الشاعر يذهب إلى أننا بضربة قوية يمكننا بالتأكيد إنقاذ المؤمنين، أو على الأقل نقترب من إنقاذ المسلمين في أيامنا هذه. وفي نظره، كان موسى ذو اليد البيضاء أنموذجا للنبي صانع المعجزات، ويظهر هو وإبراهيم كسلف لنبي الإسلام، وهذا صحيح، ولا يلعب عيسى دورا هاما في كتابات إقبال، مع أنه كان من المعجبين به كما يتضح من جاويد نامه، إلا أن المسيحية كانت في القرنين التاسع عشر والعشرين ترتبط في أذهان المسلمين في الهند بالاستعمار والإمبريالية، ولذلك لا يلعب المسيح دورا هاما في مؤلفات إقبال وغيره من مفكري وشعراء تلك الفترة، كما كان الحال في الشعر الفارسي الكلاسيكي. أما شخصية الرسول فهي محورية في فكر إقبال في مجموعه. كتب في عام 1912م، في جواب الشكوى: "أضيئ العالم الذي طال إظلامه باسم محمد المنير" ، على أننا نجد أروع وصف لدور الرسول في منظومته الثانية أسرار نفي الذات، وهو أكثر دواوينه اهتماما بالسياسة وأكثرها توجها نحو القرآن، حيث يقول: "حب الرسول يجري كالدم في عروق الأمة". وهناك بيت آخر يأسرني دائما بجماله إذ يشبه الأمة بوردة لها مائة بتلة تنضح شذا واحدا هو روح الرسول، ولا أذكر أنني عثرت على وصف لدور النبي يفوق هذا البيت جمالا. كان إقبال يشعر أن روحه موصولة بالنبي، وكان على يقين أن الرسول هو المثال الأعلى للإنسان، بصفته "عبده" ، فإن عبد الله، حر ومقيد إلى الله في نفس الوقت، وإذا نظرت في لغة الشعر عند إقبال تجده يشير إلى دور النبي في موضعين ظاهرين، ومن السهل فهم إحدى الإشارتين أما الثانية وهى الأهم فلا تظهر لنا بسهولة. إن عنوان ديوانه الأول باللغة الأردية، (بانج — درا)، يعنى صلصلة جرس القافلة، وهنا يجد الشاعر نفسه يقوم بدور الجرس الصغير المربوط إلى خف ناقة الرسول، ليدل برنينه على الطريق إلى قلب مكة، وهذه صورة يمكن للجميع فهم معناها بسهولة، وترد الإشارة الثانية في جاويد نامة، حيث تسأل بعض الأرواح المقيمة بالأفلاك جلال الدين الرومي عن رفيقه ذلك في السفر (أي إقبال)، ما اسمه؟ فيرد عليهم بأن اسمه "زنده رود" ، ويعنى "النهر الحي" وهو اسم شاعري جميل على أي حال علي أننا بالرجوع إلى جوته، أستاذ إقبال العظيم، نجده في قصيدة من قصائده المبكرة يصف محمدا بالنهر، فهو نهر ذو قوة وجلال، ويفصل الشاعر الألماني هذه الصورة في أنشودة محمد: كما يبدأ النهر من ينبوع صغير، ويكبر ويتسع حتى ينتهي إلى المحيط العريض العظيم الذي يشمل الكل، يمكننا تصور بداية النبي نبعا صغيرا يتسع ويتسع ليشمل برسالته مزيدا من الناس والأقطار ليئوبوا جميعا إلى الله. كان إقبال قد ترجم قصيدة جوته هذه ونشرها في ترجمة حرة في رسالة المشرق، لأنه أعجب بتعبيرها، ولم يدرك جوته ولا إقبال أن متكلما شيعيا من القرن العاشر وهو الكليني قد استخدم هذه الصورة بالضبط لوصف النبي برمز بارع. هكذا يحس إقبال أنه" يحاكي" النبي في كتاباته فهو ليس نبيا بطبيعة الحال، بل هو إنسان يسير في إثره بخطى لصيقة، وهذه الفكرة إذا حفظناها في ذاكرتنا تساعدنا على مزيد من الفهم لفكره. وفي قصيدة من قصائده الأخيرة يعبر عن اشتياقه لزيارة الروضة في المدينة حيث قبر الرسول، والواقع أنه لم يؤد فريضة الحج ولم يزر قبر الرسول في المدينة، لكنه كتب في مقطوعة من أشعاره الأخيرة: أنا الشيخ أهفو للرحيل إلى المديـنـة لأنشد هناك أغنية تزخر بالحـــب كــالطائر في ليل الصحــــراء ينشر جناحيه بينما يفكر في عشــه كان ذلك مركز تفكيره، إلا أن هناك ما يمكن إضافته بالنسبة لحبه للرسول، ففي الفصل الخامس من كتابه الشهير: "محاضرات في تجديد الفكر الديني في الإسلام" ، يبدأ بحكاية عن متصوف هندي من منتصف القرن السادس عشر الميلادي، قال: "محمد النبي العربي عرج إلى أعلى مدارج السماوات، ثم عاد، وقسما بالله لو أنني وصلت إلى ذلك المكان ما كنت لأعود أبدا" .. ويضيف إقبال: إن هذا موقف متصوف كبير فهو يود البقاء في نعيم أبدي، في حضور الله، وألا يعود إلى العالم، أما النبي فيعود ليحدث الناس عن تجربته في الجوار القريب من الله، وليعلم الإنسانية ما تلقى من وحي الله، وهذا بطبيعة الحال تطبيق مثير للاهتمام لمقولة في تاريخ الأديان تفرق بين الاتجاه الصوفي والاتجاه النبوي في الدين، ومن المؤكد أن إقبال يمثل ما يسمى بالاتجاه النبوي، كان سعيه أن يبشر الناس بمشاعره وتجربته.. هذا الأنموذج أوضح ما يكون في حياة الرسول ولا أعرف إن كان إقبال قد فكر في الموضوع على هذا النحو، لكن ما حدث أن محمدا بعد تجربته في غار حراء حيث تلقى الوحي لأول مرة، خرج إلى الناس ليبشرهم بما ألقي إليه، وفي حالة ثانية بعد أن عمل لنشر دعوته في مكة غادر موطنه، وخرج إلى العالم لينشئ دولة تشكل قاعدة الحياة الجماعية السياسية، وهذا التناوب (التبادل) بين ما سماه إقبال الجلودة والخلوة يبدو واضحا في جوانب أخرى من فكره، وبالذات التأكيد على أن للحياة وجهين أو جانبين، فكما نعلم جميعا أن الحياة لا تقوم إلا بين قطبين: ضربات القلب، تردد النفس، كل شئ يقوم على الثنائية وكما يقول جوته: في تردد الأنفاس نعمتــان مرة في الشهيق ومرة في الزفير تتنشق النفس ثم تخرجه، وكذلك ضربات القلب: لا يحيى شئ إلا بهذا النشاط الثنائي، ويمكن تطبيق هذا على تجليات الله وآياته. أذكر عندما عملت أستاذة في جامعة أنقرة، حاولت أن أعلم تلاميذي المسلمين كيف وصف فيلسوفنا الألمانى رودلف أوتو الإله عز وجل بمفهوم السر الجليل أو العظيم، mysterium tremendum، والسر الخلاب mysterium fascinans، فقام أحد الطلبة وقال: إننا نحن المسلمين نعرف هذا منذ ألف سنة، ونتحدث عن جلال الله وجماله، كوجهين للإله كشفهما لنا، وهي نفس الفكرة التي يعالجها إقبال، وإن سلمنا بأن جانب الجلال في مفهومه عما هو إلهي يبدو أقوى من جانب الجمال. فكيف إذن يرى الله من خلال هذا الوصف؟ الله عنده هو الذات الأعظم أو الأنا الأعظم "خودي" ، وقد لقيت فلسفته عن الذات نقدا من الباحثين الغربيين والمشارقة لأن لفظ خودي بالفارسية يعني في الغالب الأنانية والاستنثار الخ ….، إلا أننا إذا عدنا للقرن الثالث عشر وقرأنا مولانا جلال الدين الرومي نجده في كتابه النثري فيه ما فيه، يستخدم كلمة "خودي" بنفس المعنى الذي يرد عند إقبال: "أعمق أعماق الوجود" عند الشخص أو الشيء، فهي الجوهر بلا منازع، فعند إقبال كل شيء في العالم مكون من أنوات صغيرة وأنوات أكبر، ذوات في أشكال مختلفة، والله أعظم وأشمل ذات لا يقدر على وصفه إنسان، نعرف جميعا أنه من المستحيل الوصول إلى الإله الباطن (الذي لا يراه أحد) Deus absconditus، لا يمكن الوصول إليه بالعقل ولا بالحب ولا بشيء آخر، لكننا على الأقل نقترب منه عندما يتجلى لنا في كلماته، يقول إقبال في محاضراته: إنه ما نعرفه أنه الله وصف نفسه كفرد، ووصف نفسه بـ "أنا" عندما سمى نفسه في القرآن باسم الله، وهذا يدل على أنه ذات نتجه إليها ونلوذ بها.. ويذكرنا هذا بفلاسفة الدين المحدثين في أوروبا مثل فيلسوف اللاهوت البروتستانتي العظيم باول تيليك القائل: من الواجب تمثيل الصفة الإلهية بـ "أنت" ، فلا سبيل إلى لقاء حب بكيان بعيد أو محايد" ، فالله هو الأنا العظمى التي تسع كل شيء، وكما ورد في القرآن هو يشجع الإنسان أن يدعوه ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم﴾ وهذا في نظر إقبال دليل ذاتية الله العظمى، أما في شعره فيبرز من صفات الله "الكبرياء" وهو تعبير اتخذه بلا شك من شعر جلال الدين الرومي، حيث تحيط به عز وجل صفة الكبرياء (العظمة)، ولعل كثيرا منكم يتذكر الحديث القدسي البديع "الكبرياء ردائي" مما يفيد أن ذاك وجه يمكن أن نأمل ولو قليلا في لمسه. في رأى إقبال يجب أن يقترن الدين بالقوة، والقوة خطيرة وشيطانية إذا انفصلت عن الدين، فلا بد أن يعمل الاثنان معا، لبناء مجتمع جديد أفضل من القديم، في فكر إقبال أن الله هو الحي القيوم، وهو مفتون بقول القرآن "كل يوم هو في شأن" ، ويفسر هذه الآية بطريقة فلسفية في محاضراته بقوله: "ما لا يزال في طور التكوين، يعني أنه الإدراك الثابت لاحتمالات الخلق اللامتناهية للوجود الإلهي الخالق" ، هي التي تحفظ كماله ووحدته طوال العملية جميعها، أي أن الله يخلق دوما، ويعمل دوما، لكنه لا يتغير أبدا في أعمق أعماق وجوده.. يجدر بنا كذلك أن نتأمل تفسير إقبال لألفاظ الشهادة، إذ يركز على العلاقة بين "لا" و "إلا" كما فسرها المتصوفة في العصور الوسطى، فبدون "لا" أي دون النفي لا يمكن تأكيد الإيجاب، فمن "لا" يندرج الصعود إلى "إلا" ، كما يقول شعراء الفرس "من إله لا إلى الأعلى" ، وبالإضافة إلى ذلك يشكل اللعب على "لا" و "إلا" أحد الجوانب الهامة لشعره وفلسفته، ومنه نتطرق إلى تفسير ذي أهمية للحياة. يذهب البعض إلى أن إقبال تأثر كثيرا بالفيلسوف الألماني نتشه، وقد أقامه منزلا فيما بعد الأفلاك في "جاويد نامة" ، يظهر نتشه وقد توقف عند "لا" ، يعنى في النفي إذ أنكر الله وقصر عن الإثبات (اليقين) والتوكيد، ولو أنه خطا خطوة واحدة في اتجاه الإله، أي "إلا الله" على حد قول إقبال، لوجد الدين الحق، لوجد الإله الذي ظن أنه "مات" .. وهنا نقف عند تفسير إقبال للإنسان، ويقال إن نتشه هو مصدر تصور إقبال للمثل الأعلى في الإنسان على أنه المحارب العظيم أي نوع من السوبرمان، وكانت مثل هذه الأفكار شائعة في الفلسفة الأوروبية في مطلع هذا القرن، إلا أن صورة إقبال للإنسان المؤمن لا تمت بصلة إلى السوبرمان، لأن هذا الأخير لا يظهر إلا بعد "موت الإله" ، وهي فكرة لا تطرأ بطبيعة الحال على ذهن مفكر تقي مثل إقبال، ولا يحمل الإنسان المثالي عند إقبال شيئا من ملامح "الإنسان الكامل". كما صورته الفلسفة الصوفية، والأرجح أن المؤمن المثالي عند إقبال يعمل مع الله فيكمل كثيرا مما خرج ناقصا في هذه الدنيا، ويحسن ما لم يكتمل على هذه الأرض.. من أشهر قصائده في ديوان "رسالة المشرق" قصيدة تصور مناظرة بين الله والإنسان، يتفاخر الإنسان موجها حديثه إلى الله. "خلقت الظلام فصغت السراج وطينا خلقت فصغت الكنـوسا خلقت جبالا وبيدا وروضــا خلقت حدائق سها والغروسـا أنا من أحجار صنعت مرايـا أنا من سـموم صنعت دوايا يمكن القول إن هذا طموح فائق للإنسان، ربما أورده مورد الخطر، واتهم بعض ناقدي إقبال —خاصة في العرب— اتهموه بتصوير إنسان معتد بنفسه لا ينطوي على توقير للإله، وليس هذا صحيحا على الإطلاق، وفي رأيي أن الإنسان المؤمن،كما صوره إقبال، على وعي في نفسه بالمفارقة بين الحرية والعبودية (عبوديته لله)، وهو بذلك الإنسان المثالي، كما تجلى لأول مرة النبي بصفته "عبده" ، ومعنى هذا التعبير "عبد الله" هو الإنسان الحر، أي عبد الله في حرية، وهذا حسب فهمي تعريف إقبال لدور الإنسان.. ومن المهم أن نذكر هنا أمرا يتعلق بموضوعنا عن العشق المبدع، وهو أن هذا الإنسان ليس كائنا ساكنا أو ثابتا، بل تشمله حركة نمو مطرد، فالكون كله في نظر إقبال في نمو كل دقيقة وكل ثانية، حتى أصغر "أنا" في الوجود يريد أن يبرز ويرقي إلى مكانة أعلى، وهذا السلم الصاعد للأنوات شائع في كل المخلوقات، وفي هذا التجلي لخير ما في الإنسان من صفات، نجد عاملا مهما وهو الصراع ضد إبليس، ضد الشيطان، وقد يبدو غريبا أن إقبال منح ذلك الدور المتعاظم لقوى الشيطان، وقد تصدمنا قراءة أوصافه، على أن شيطان إقبال يبدي جوانب في نفسه مأخوذة عن موروثات أدبية ودينية متنوعة، فهو من ناحية متكبر، قال "أنا خير من آدم. فحلت عليه اللعنة، ومن ناحية أخرى يضم طرفا من شخصية مفستوفل عند جوته، يرسله الله إلى الإنسان ليجربه، فيكون له عونا على التنامي، وهذا هو وجه الشيطان الذي يفضله إقبال، وقد وصف نشاطه هذا في قصيدة عظيمة تقع في خمسة أجزاء في ديوانه "رسالة المشرق" سماها "تسخير الفطرة". يصور فيها طرد آدم من الجنة، ثم حياته على الأرض في صراع ضد قوى الشر، فهذا الصراع هو الذي يضفي عليه شخصية إنسانية حقة، وهذه الحرب ضد قوى الشيطان، حرب في مواجهة عدو قوي، هي قدر الإنسان ودوره المنوط به، ولذا يفتخر الشيطان في قصيدة من قصائد إقبال قائلا "أنا الذي يعطي الحياة ألوانها وتنوعها" . ولعل أقوى وصف لهذا الوجه الشيطاني ورد في نهاية فلك المشترى في "جاويد نامة" ، يظهر فيها الشيطان كما وصفه نتشه: رجل مسن حزين يشكو من الإنسان. ولم؟ لأن الإنسان أغبى من أن يفهم غواياته. فلا يجد الشيطان العجوز متعة في مصارعة هذا المخلوق التافه، وما يريده الشيطان يطلبه من الله: "أعطني إنسانا يصطرع معي ويغلبني في النهاية" ، ويتبع ذلك حل إقبال العبقري: إن إبليس، وقد غلبه المؤمن الكامل، يسجد في النهاية أمام الإنسان، وهو الذي رفض السجود لآدم في بداية الزمن. من الطريف أن تقرأ شكوى إبليس المسكين وقد أصابه الملل منا "نحن الآدميين". ويعلم إقبال بطبيعة الحال أن إبليس المخلوق من نار، الذي رفض السجود لآدم، يشير بعض الاهتمام، مما قد يفيد في تطور الإنسان، إلا أن هناك أشكالا لإبليس مصنوعة من طين، شياطين آدمية أسوا من الشيطان الحقيقي. يستخدم إقبال عبارة "إبليس من طين" وهي عبارة قديمة استخدمها في القرن الحادي عشر الفيلسوف الإسماعيلي الكبير ناصر خسرو، ويدين له الشاعر بكثير من الإلهام، ويتكرر ظهور هذا النوع من الشيطان في كتابات إقبال المتأخرة. تضم قصيدة من قصائده المأسوية نقاشا بين الشيطان ومريديه في السياسة، وهي قصيدة تمتاز بقوة الرؤية المستقبلية، وتكشف كثيرا من التطورات التي شاهدناها في العقود الأخيرة. وأعود إلى القول بأهمية دور إبليس بوصفه مسئولا عن وصول الإنسان إلى مراتب أعلى في الحياة، لأن الرغبة قائمة دوما للتدرج إلى مستويات أعلى وأعلى، والصراع مع قوى الشر يقوى الذات وينميها. ومن أهم أفكار إقبال أنه كما زاد اصطراعنا (مع الشر) علت درجة وصولنا، ومن الأفكار الكلاسيكية التي يتبناها أن "في الأعمال العظيمة تتوحد ذات الإنسان في الله دون أن تفقد هويتها". هذه العبارة لا تعي تلاشي الصوفي في الإله الحق تعالى، بل نمو الذات بحيث تقترب وتزداد قربا من الله، وفي التوحد مع الله بدون فقدان الهوية تعبر حدود الزمان والمكان. قال إقبال في محاضراته بعد حديث جميل عن أهمية الصلاة وصلاة الجماعة بالذات: "العمل أعلى درجات المراقبة". وألفت نظركم إلى لفظ "الزمان" في الحديث عن الذات وكيف تعبر حدود الزمان والمكان، فتصور إقبال للزمان ذو أهمية قصوى لفهم فكره كله، فهو ينظر إلى الزمان على مستويين: "آفاقي" و "أنفسي" ، زمن الآفاق وزمن الذات، الأول يتعلق بالعالم الخارجي، والثاني نحمله بأنفسنا في قلوبنا. في جاويد نامة يظهر لنا "زروان" إله الزمن الإيراني القديم، يعلم الإنسان أن يمزق "زنار" الزمان (والزنار كان شعارا للكافرين). أما الزمان فإنه أول ما يخلق في الوجود، فإنه هنا، ونراه من لحظة لأخرى، ومن سنة لسنة أخرى، ثم يقفز إلى حزام طويل، حزام مثل الحزام الذي كان من عادة الكفار أن يرتدوه حسب تقاليدهم. والمؤمن الحق من يمزق هذا الزنار، هذا القيد أو الحزام ليجد نفسه ولو للحظة في "زمن الله" الذي لا قبل له ولا بعد، فيمكنه أن يقول مع الرسول —صلى الله عليه وسلم— "لي مع الله وقت" ، إنها تجربة الحب العظمى إذ نمسك بما لا نهاية له في لحظة واحدة. أدرك إقبال أن حياتنا لا تتطور بمحض الصدفة: "إن أفعالنا، وخاصة أفكارنا وأحلامنا، هي التي تلون نمونا" ، أن أفكارنا الكامنة في اللاوعي، والتي تطفو بطيئة في الوعي هي التي تشكل حياتنا. وقد عبر جوته عن هذه الفكرة في عبارة بديعة: إن الإنسان الذي يتخيل شيئا ويحلم هو القادر في النهاية على تحقيقه أو على الأقل الاقتراب من أهدافه. وفي رأي إقبال يصدق هذا القول على علاقتنا بالله وبالحياة، وقبل كل شئ بالموت، كانت له مفكرة صغيرة دون فيها تأملات متناثرة، سجل فيها في سنة 1910م هذه الفكرة: "الخلود للشخص ليس حالة، إنه عملية متصلة" ، ويزيد على ذلك أنه يعتقد أن الخلود الشخصي ليس متاحا للجميع، بل يمنح فقط للأقوياء، فالشخص الذي يقهر صدمة الموت الجسدي قادر في النهاية على مزيد من التطور (والتنامي) بعيدا بعيدا في الحضرة الإلهية. ومن الطبيعي أن كثيرين من معاصري إقبال التقليديين لم يتقبلوا هذا التفكير، وما زال موضع نقد من كثيرين ممن يعجبون به في أمور أخرى، على أنه من الضروري أن ننظر إلى الموت والأبدية من زاوية مختلفة تماما، فالموت هو خبرة الإنسان بما فعله في حياته، ولذا فالجحيم عند إقبال ليس إلا شكوى الأنا الإنسانية وعذابها وقد فشلت في تحقيق طموحها والوصول إلى أهدافها، أما عن الجنة فيقول: "إن نعيم الجنة هو فرحة الانتصار على قوى التحلل" ، هي ليست جنة ساكنة ثابتة، بل هي نمو، ازدياد بلا نقصان، وهو يصوغ تلك العبارة الجميلة: "ليست الجنة إجازة فسحة!" ما زلنا في حاجة إلى تطوير أنفسنا في الأبدية، لأنه إذا كانت الأبدية تعني الحياة أبدا، فلا بد أن تستمر الحياة والحركة خلال الأبدية. هناك مصادفة شيقة يثيرني التفكير فيها دائما: سجل الأسقف السويدي البروتستانتي تور اندراي نفس الأفكار بنفس الألفاظ تقريبا في كتاب منشور في السويد، في الوقت الذي كتب فيه إقبال محاضراته. كان الأسقف السويدي عالما بالإسلاميات، طور في كتابه فكرة أن الموت ليس نهاية حياتنا، بل هو مجرد بداية لمرحلة جديدة، وهذا ما نجده في التصوف القديم الكلاسيكي، عندما تنتهي الرحلة إلى الله، تبدأ الرحلة في الله، ومثل هذا التفسير للجنة والنار ينطوي على كثير من المحاذير في نظر كثير من المؤمنين التقليديين. على أنني شخصيا أرى أن هذا الموضوع في غاية الأهمية في تذوقنا وتقديرنا لآراء إقبال، وهنا نجد دور العشق المبدع. ما هو هذا العشق؟ العشق في كتابات إقبال يعادل ما يسمى عند الفيلسوف برجسون "الدافع الحيوي Elan vital وكان إقبال عظيم التقدير لبرجسون، إنه القوة التي تخلق القيم، ولا ترضى أبدا بما أبدعت، قوة تغير ما بالإنسان في كل لحظة، إنها رمز لتجربة الحدس ’حين يدرك الصوفي الحقيقة كاملة في لحظة واحدة تستعصي على الاكتناه‘. العشق هو هذه التجربة التي قد تسنح للمؤمن في منتصف الطريق أو في آخره. العشق هو الرعية في التمثل. إنه على حد قول إقبال ’أرقى صورة لإبداع القيم والمثل العليا، والجهد لتحقيقها" ، وعند الحديث عن الذات في ارتقائها سلم "الأنوية" من الصعب أن يتحقق لها ذلك بدون العشق الخلاق، فكل ما تحققه في كل حركة، في كل شيء، يتم من خلال الدافع الحيوي على حد قول برجسون. كان أستاذ إقبال في التصوف، جلال الدين الرومي، وتتشابه أفكارهما في الشئون الروحية، وأناشيد إقبال إلى العشق تكاد تطابق حتى في كلماتها أبياتا من المثنوي. وفي المقابل نجده لا يرتاح إلى فلسفة ابن عربي، حقا أثنى على ابن عربي في أطروحته المكتوبة سنة 1908م، لكنه بمرور الوقت وجد فكره متأثرا بالأفلاطونية الجديدة، أما جلال الدين الرومي فكان أستاذه العظيم، علمه أسرار الذات، ولم يقتصر عليها بل علمه أسرار العشق، "العشق أن تصبح حياتك سيرا على الجمر" ، هو القوة التي تدفع الناس إلى الدين الحق. في أواخر عمره كتب إقبال بيتا جريئا من الشعر يقول: "إن صيحة ’الله أكبر‘ واحدة، تفور بالنار والقلق، لا مكان لها في الصلوات الخمسة" ، أي أنها تفوق صلوات الفرض لما تنطوي عليه من قوة، فهي أقوى من أي شيء وأبعد أثرا. كان إقبال شديد الاهتمام بالفقه الإسلامي، وكانت له محاولات لتفسير الإسلام من وجهات نظر حديثة تختلف عن آراء "الشيوخ". كان شديد المعارضة لسطوة "المولويين ومشايخ الطرق الصوفية" ، وكان يرى في سلطان هؤلاء المشايخ خطرا يتهدد العشق الحقيقي والحياة الحقة، والواقع أن سيطرة المرشد الصوفي على عقول أتباعه —وهم في كثير من الأحيان أميون— لا يمكن أن تساعد على تقبل الأفكار الجديدة التي ينادى بها إقبال، وكان دور المولويين في نظره بنفس الخطورة، فهم ينتجون طبقات فوق طبقات من التفسير والحواشي أو التعليقات لكتب الفقه وللقرآن، ولا يعرفون شيئا عن قوة العشق المشتعلة، يعقد إقبال مقارنة بارعة بين الملالي وقارون "الذي دفن تحت أثقال الثروة التي جمعها". فيسميه "قارون القواميس العربية" ، فهو لا يملك إلا مئات القواميس والمراجع حيث يبحث عن معاني القرآن والحديث فيبقى مقيدا في التراب، ولا يتوهج أبدا بنار العشق. يعرف إقبال جيدا أن ذلك العشق المشتعل يتجلى في دعاء الإنسان، لكن الصلاة والدعاء لا يقامان من أجل الفرد. فالفرد قد يدعو الله كما يشاء وليس له أن يشكو إذا لم يستجب الله لدعائه، فالأهم من ذلك أن الإنسان في اتصاله بما هو إلهي في مناجاته، في تقربه من الإله الحي لابد أن يتغير، فالصلاة تحقق الفائدة عندما يمنح الله الإنسان الفرصة ليعمل مع الله، ويتقبل إرادة الله فتصبح هي إرادته، وعندئذ فقط يمكنه أن يغير العالم بدعائه وصلواته، وفي رأيي أن هذا الجانب من فكر إقبال جدير بمزيد من البحث من جانبنا. الطبيعي أن هذا الحب أو العشق —كما يسميه إقبال— كثيرا ما يقابله بالعلم وكذلك بالعقل، وهو يستخدم لفظ "العلم" بمعنى العلم الطبيعي: العشق تركيب أما العلم: فتحليل، ولا بد أن يعمل الاثنان معا. في إحدى قصائده الكبرى في ديوان "رسالة المشرق" يبين إقبال أنه بدون العشق وقدرته على التوليف والتركيب يصبح العلم من مظاهر الشيطان، ولكن بالتعاون بين العشق والعلم يمكن بلوغ الفردوس على الأرض، وهذه القصيدة تعبر خير تعبير عن إيمانه بالتفكير التوليفي بدلا من الاتجاه إلى التحليل الجاف، في شعره شبه الإنسان الذي يقصر اعتماده على العلم بدودة الكتب التي تعيش بين صفحات الفلاسفة الكبار مثل الرازي والفارابي بكل ما تحويه من جمال، لكنها لا تعرف شيئا عن الحياة في الحقيقة، ويقابل بين هذه الدودة والفراشة التي تلقى بنفسها في اللهب لتذوق لحظة واحدة من الوجد. العشق عند إقبال يشبه بالنبي المصطفى —صلى الله عليه وسلم—، والعقل الجاف هو أبو لهب، وفي قصيدة يجمع فيها بين جوته وأستاذه الشرقي مولانا جلال الدين، يقتبس بيتا للرومي يتفق عليه الاثنان "العقل الماكر من الشيطان، أما الحب، العشق فمن آدم". وله بيت أجمل يحسن قراؤه من المسلمين فهمه: "العلم ابن الكتاب أما العشق فهو أم الكتاب" —التي أنجبته— وتعني عبارة "العشق أم الكتاب" أن العشق أساس كل شيء، هو الدافع وراء كل وحي أو كشف. يقول: "العقل هو السؤال المكشوف، والعشق هو الجواب المخفي" ، ولم يكف إقبال يوما عن وصف هذا العشق في صور بديعة، وباذخة أحيانا، وفي الأبيات التالية —من فترة متأخرة في كتاباته— خير تعبير عن سر هذا العشق الجرئ: "العشق يقفز في نار النمرود بلا تردد والعقل ما زال ينظر من أعلى السقف" ، فالعقل يتأنى، ولا يجرؤ على إفناء نفسه في لهب الحب، لكن العشق لا يبالي، لأنه يعلم أن الطريق الصحيح هو الفناء في نار الإله الحق تعالى. وفي أبيات أخرى يستخدم مجازا شهيرا من الشعر الفارسي الكلاسيكي، صورة الملك الفاتح محمود الغزنوي، الذي فتح معبد الأوثان في صومنات بالهند، ويقول: "العالم أجمع يسجد للعشق العشق هو محمود الذي فتح صومنات العقل" فالعقل مثل المعبد الوثني يجب أن يغزوه العشق الذي وسع كل المخلوقات، ومثل هذه الأفكار تتردد في كتابات مولانا جلال الدين ولكنها هنا ترد في سياق أحدث، يعنينا جميعا، ولنذكر دائما أن إقبال يعرف أن هذا العشق لا يحق إشباعه أبدا، يقول "باول تيليك" عالم اللاهوت الألماني الذي ذكرته سابقا "إشباع العشق سعادة فائقة، وهو في نفس الوقت نهاية السعادة، لأن النشاط لا يتحقق إلا بالفراق". يقول إقبال: "يبدأ الناي في الغناء عندما يُجتث من حقل القصب لا نشاط ولاخصوبةبغير انفصال الناي من الحقل" هذا الجانب الهام في كتابات إقبال يسميه "الجهد الذي لا ينتهي بالتمام" ، وهو في هذا قريب من جوته، فالشعر الذي يكتبه عن اللقاء مع الحور العين في الجنة تشيع فيه حرقة الحب الذي لا يرتوي، فالإنسان لا ينشط ولا يبدع القيمة إلا وهو في انتظار بلوغ الهدف، وبقدر قوة الشوق عنده تكون قوة القيمة التي يخلقها وعظمتها. هذا الجهد الذي لا ينتهي إلى تمام، هذا الشوق والاشتياق الدائم إلى مزيد من القرب والتقريب إلى القيم العليا يلون فكر إقبال، ولم يقتصر في تعبيره عن هذه الأفكار على النشر الفلسفي في محاضراته الستة (1928)، بل أكثر منها في شعره. وجد كثيرون —خاصة نقاد الغرب— تناقضا في نثر إقبال الفلسفي، وهذا ممكن، فربما وجد بعض القراء غرابة في دمجه الفلسفة الأوروبية بالفكر الإسلامي الكلاسيكي، على أنني شخصيا أوصي دائما بقراءة شعره كله، الفارسي والأردي، مع قراءة أفكاره (كتبه) الفلسفية، لندرك قدر عظمته ورحابة فلسفته. والغريب أنه ادعى بأنه لم يكتب الشعر إلا لأغراض عملية، فالشعر في رأيه فن تنحصر قيمته في حفز الناس إلى الإبداع: "أسمى الفنون ما يوقظ قوة الإرادة النائمة، ويحفزنا إلى مواجهة محن الحياة برجولة وشجاعة" كانت هذه فكرته، ولهذا السبب انتقد أجمل أشعار حافظ الشيرازي الجميلة العذبة، أما شعره هو فيزعم أنه كتب لأغراض عملية، فالناس في شبه القارة الهندية لم يعتادوا قراءة الكلام الفلسفي أو الإنصات إلى المواعظ المطولة، لكنهم يحبون الشعر ويطلبونه، فيمكن أن تخاطبهم بالشعر، وشعر إقبال كما يعرف قراؤه قوي التأثير. قوي الإيقاع، ويمكن حفظه توا عند سماعه، ومن خلاله شاعت أفكار إقبال وانتشرت. وقد حور في شعره كثيرا من الرموز القديمة بدون أن يستغني عنها، فالناس اعتادوا سماع البلابل وقصصها الشهيرة في حب الورود، حقا تغير في شعره معنى هذه الرموز التقليدية وحلت رموز أخرى محلها في بعض الأحيان، فطائر الحب عنده، طائر الروح، ليس البلبل الشاكي بل الصقر، ذلك الطائر القوي الذي يحمل قلب الإنسان بعيدا كما يخطف فريسته ويحملها بعيدا، لا نهاية للبحث عند الصقر، وهو ليس حنونا أو ضعيفا وتفتح أمامه آفاق جديدة في كل لحظة، آفاق تترامى من النجوم إلى الشمس والقمر وما بعد الأفلاك إلى الأبدية. كثير من أهل باكستان في أيامنا رسموا هذا الصقر أمام خلفية من السماء الزرقاء، وكتبوا عليها عبارة إقبال: "مازال أمامك مزيد من الآفاق الجديدة" . وما دام الصقر هو طائر الروح على حد قوله —وبالمناسبة كان كذلك في شعر الرومي— فزهرته المحبوبة هي زهرة التوليب (ويشبه التوليب الذي في الشرق بشقائق النعمان الحمر) وقد سمى أحد مجموعاته الأولى من الشعر الفارسي في رسالة المشرق "زهر توليب سيناء" لأن الزهرة تشبه الشعلة، وقد رأى موسى شعلة الله في الشجرة، تغطى أزهارها الصغيرة الحمراء الصحراء الواسعة، وسفوح التلال في الربيع، مما يذكر الشاعر بتجليات كبرياء الله، وبعظمة الله في العالم. وكثيرا ما شبه المؤمن الصادق بهذه الزهرة، زهرة وحيدة، تتفتح أوراقها بقوة الإرادة، لتلمع وتضوي في الظلام، ويقول أن أزهار التوليب ستنمو علي قبره لتكشف أن قلبا مشتعلا مدفون فيه. وسلك إقبال المنحى نفسه حيال الرموز التقليدية، ولنأخذ مثالا واحدا من صورة الحلاج الشهيد الصوفي الذي قتل في بغداد سنة 922، وقد شاع أمره في التاريخ الإسلامي لقوله "أنا الحق" يظهر الحلاج فيه بصفته أستاذ العشق الخلاق، وهو يحدث الشاعر في فلك المشترى بأنه سابق عليه، فهو الذي حاول أن يضرم البعث في أمة ميتة العقل والروح، وهذا هو هدف إقبال في شعره، فالحلاج يمثل صورة سابقة لمحاولته بعث يقظة الروح في قوم بدوا في موات، وهذا في رأيي يظهر عمق مشاعره نحو الماضي ونحو المستقبل كذلك. جدير بالذكر أن الفيلسوف الألماني "رودولف بانقيتز" ، وهو من مدرسة نيتشه، كان معجبا بإقبال، وكثيرا ما ناقشنا كتاباته في السنوات السابقة على وفاته، كتب فصلا في أحد كتبه بعنوان قصيدة الزمن، وهذه ليست ترجمة دقيقة للمعنى الألماني: "إنها قصيدة تعنى أكثر من الشعر، إنها رسالة سياسية روحية". وكما يصفها بانقيتز هي قصيدة تثير في قلوب المعاصرين عملية إنتاج خلاقة أقوى من أي زمن حاضر، قادرة على انتزاع المستقبل من رحم الحاضر" . وفي رأيي أن هذا ينطبق تماما على شعر إقبال، لأنه كان شاعرا يهدف إلى خلق قيم جديدة، وأن يبين لقومه طريقا جديدا، وهذا هو الشعر الذي ذكره في جاويد نامة. "إذا كان هدف الشعر خلق رجال حقيقيين وتشكيلهم، فالشعر وريث النبوة." كلمة جريئة قالها في سياق تأمل دوره في العالم، ولا شك أن إقبال كان واحدا من الشعراء الذين حمل شعرهم إرث النبوة. كتب هرمان هيسه، الكاتب الألماني العظيم، مقدمة بديعة لترجمتي الألمانية لـ" جاويد نامه" قال فيها عن إقبال: "إنه يحلم باتحاد الجنس البشرى باسم الله وفي خدمته" ، وهذا وصف ممتاز لشاعرنا الفيلسوف. قال إقبال نفسه في محاضراته: "حياة العالم تدرك بالحدس حاجاتها، وفي اللحظات الفاصلة تحدد اتجاهها، وهذا ما نسميه الإلهام (الوحي) النبوي" ، وهو لا يعني بهذا أن هناك نبيا بعد محمد، إن إنهاء النبوة هو مولد التفكير الذاتي، لكنه يعرف أن هناك قوى في العالم —روح العالم أو العقل الأول إذا كان لنا أن نسميها— تعرف ما يحتاجه العالم. ولعل عبارة إقبال هذه هي التي أوحت لـ" لأسقف كنيث كراج" قوله عن إقبال: "إنه المتحدث بصوت أشياء هامة في أغوار الروح المعاصرة، وحتما أحس عصرنا بالاحتياج إليه". مما يثبت صدق مقولة إقبال عن الشاعر المثالي "إن الشاعر قلب في صدر الأمة" ، فالشاعر الذي يلقننا هذه الغوامض في سر العشق الخلاق، يصدق عليه القول: إنه قلب في صدر أمته، بل في صدر الناس جميعا. دعوني أختم بترنيمته إلى العشق الخلاق في قصيدة من أشهر قصائده: "مسجد قرطبة" ، كتبها باللغة الأردية وهو في زيارة لأسبانيا، يرى في هذا المسجد قوة العشق المبدع التي شكلت حضارة المسلمين في أسبانيا، بل حضارة الإسلام عموما، يقول: العشق قلب الوحي، بل نفس قوي في صدر محمد العشق مبعوث من الرحمن جل جلاله، والعشق كلمته تعالى شأنه انظر في تلك المخلوقات من الطين تتوهج إذ تلمسها نشوة الحب العشق خمر في القلوب — معتق والعشق كأس للملوك به ارتووا والعشق فقيه مكة و العشق أمير الجيوش العشق هو ابن الطريق و له الأماكن بالآلاف والعشق هو الريشة التي تعزف الأنغام على أوتار الحياة المشدودة العشق نور الحياة الساطع العشق شعلة الحياة العلامة محمد إقبال كما عرفته للدكتور إحسان حقي لعلي من الأفراد القلائل الذين يتمتعون اليوم بالحياة من الذين عرفوا العلامة المغفور له محمد إقبال عن كثب وعاشروه، وكانت لهم به صلة صداقة ومحبة. لا شك أنه يوجد في باكستان وربما في غير باكستان أناس يكبرونني سنا وعاشوا في الزمن الذي كان فيه فقيد الإسلام حياً، بل ربما كانوا من أهل بلده أيضا، ولكن لم يسعدهم الحظ بمعرفته إلا بالاسم إما لأنهم بعيدون عن شخصية إقبال ومحيطه العلمي والأدبي،أو لأنهم لم يكونوا يطمعون بالقرب منه بالنظر إلى منزلته الرفيعة. أما أنا فقد رفعت من أمامي الحواجز والحجب، وكانت لي بالمغفور له صداقة أعتز بها، لاسيما وأني كنت أرى من المغفور له من العطف واللطف أكثر مما كنت أتوقع، على الرغم مما بيننا من فرق شاسع في العمر والمنزلة. كنت على صغر سني —آنذاك— إذ ترجع صلتي بالمغفور له إلى أواخر العشرينات، كنت ألقى منه معاملة الصديق لصديقه أو الند لنده، وقد رفعت الحجب بيني وبينه، فكنت أزوره متى شئت، وأكتب إليه في بعض ما يعرض لي فيجيبني بخط يده. ولما أنشأ دائرة المعارف الإسلامية أو المجمع العلمي الإسلامي سنة 1933م انتخبني عضواً فيه على الرغم من وجود كثير من الأساتذة والعلماء الذين دعوا إلى الجلسة الافتتاحية بصفة مندوبين ومستمعين فقط، وكان المغفور له يود أن يجعل من هذا المجمع نواة لمجمع علمي للدراسات الإسلامية على أسس علمية واسعة النطاق، لكنه لم يبلغ أربه لأن الأمراض عاجلته وتوفي في 21 أبريل 1938م، وبموته ماتت الفكرة إذ لم يقم بعده من يتولاها. قلت إنني من القلائل الذين ما زالوا على قيد الحياة من الذين لهم صلة بالمغفور له، وتكاد تكون هذه الصلة وساماً لي، إذ حينما أكون في باكستان ويريد أحدهم أن يعرفني بآخر يقول له: أقدم إليك الدكتور حقي صديق العلامة إقبال، فترتفع منزلتي عنده لهذه الصفة، وإذا ذهبت إلى السوق مع صديق باكستاني ورأى أن التاجر يغالي بسلعته يقول له: يجب أن تراعيه لأنه صديق العلامة إقبال، وكان التاجر يراعيني فعلا. وكلامي عن العلامة إقبال يختلف عن كلام غيري من الناس، لأني عرفته عن كثب وعاشرته بينما يتكلم أكثر المتكلمين عنه بما يقرؤونه من شعره وأدبه، والفرق بين الحالتين كبير. العلامة محمد إقبال هو ابن نور محمد بن محمد رفيق الذي هاجر من موطنه كشمير، وأتى وسكن سيالكوت، ولذا فهو بنجابي المولد، وعاش في البنجاب إلى آخر أيام حياته، وعلى هذا الاعتبار فقد كان منذ طفولته يتكلم اللغتين البنجابية والأردية، ثم لما درس تعلم العربية والفارسية والإنكليزية وكان له إلمام باللغة الألمانية، وقد قال الشعر باللغتين الأردية والفارسية، وأكبر دليل على أنه شاعر ملهم وعبقري فذ، أنه لم يذهب قط إلى إيران ولا عاشر إيرانيا وعده الإيرانيون من أكبر شعراء الفارسية، ولقد قرض شعره وأدبه أدباء وشعراء إيران ورفعوا منزلته الشعرية فوق كثير من فطاحل شعرائهم، لأن شعره لم يكن ثرثرة وعواطف، بل كان شعر حكمة وفلسفة وعلم، ويزين كل هذا أنه كان يحوم دائما حول القضية الإسلامية التي كانت تشغل باله منذ صغره، ويود أن يرى العالم الإسلامي في أوج العظمة كما كان في السابق. فقد نشأ العلامة إقبال نشأة إسلامية إذ كان أبوه يسأله كل يوم وعلى فترة ثلاث سنوات ماذا تصنع يا إقبال بعد صلاة الصبح؟ ويقول إقبال كنت أقول لوالدي: لماذا تسألني عما أعمل وأنت تعلم ما أعمل. فيقول لي والدي: إني أعلم أنك تقرأ القرآن بعد الصلاة، ولكني أريد أن تقرأه وكأنه أنزل عليك. ولد العلامة إقبال في 3 ذي القعدة 1294هـ الموافق 9/11/1877م وتوفي في 22 صفر 1356هـ الموافق 21/4/1938م أي أنه بلغ إحدى وستين سنة من العمر فقط، قضاها كلها في خدمة العلم والإسلام والمسلمين، قلت إني كنت من عشراء المغفور له، فإني قد اطلعت على حياته الداخلية وربما يكون في ذكر طريقة حياته ما يدل على خلقه وعلمه. كان المغفور له يجلس كل يوم بعد العصر في صحن داره في الأيام التي لا يستطيع فيها المرء أن يجلس داخل الغرف بسبب الحر، وفي الشتاء كان يجلس داخل غرفة الاستقبال فيزوره الأصدقاء، ويجلسون إليه بلا تكلف ولم تكن داره لتخلو من الأصدقاء في كل يوم، ولكنهم لم يكونوا من عرض الطريق بل من النخبة العلمية، ولم يكن الدخول عليه يحتاج إلى إذن مسبق، إذ لا يقصده بعد العصر إلا الأصدقاء، وأما أصحاب المصالح فقد يأتون في الصباح، لأن المغفور له كان يتعاطى مهنة المحاماة وكانت جلسته جلسة هادئة، إذ كان يجلس في كرسي لا يختلف عن كراسي أضيافه، وكانت قصبة النرجيلة لا تفارق فمه، وكان وهو بين الحضور وكأنه يسبح فوق الغيوم، فهو يستمع إلى أحاديث جلسائه، ولا يتكلم إلا لكي يعلق على كلمة أو ليجيب على سؤال، وكان كلامه هادئا. أما شأنه معي فقد كان يختلف عن ذلك، إذ كان يسألني عن سورية أولا ثم عما أعرف من البلاد الإسلامية وحال المسلمين فيها ثانيا، وكانت القضية الإسلامية هي شغله الشاغل، وكان متألما جدا لضياع الخلافة، وكان يتكلم عن المسلمين بحسرة وألم، لكنه لم يكن يائسا بل كان موقنا بنهضة المسلمين. وكان رحمه الله فيلسوفا بالفعل لا بالقول، وكان زاهدا في الحياة، فلا يطمع منها بأكثر مما يسد رمقه ويقيم أوده، ولذلك فقد كان إذا أتاه مبلغ من المال من القضايا التي كان يرافع فيها، فإنه كان يدفع هذا المال إلى وكيل خرجه، ثم يقول له أخبرني قبل أن ينتهي هذا المال لكي أعمل للحصول على غيره. وأما مادام عنده ما يكفيه فإنه لم يكن يأخذ قضية يرافع فيها، ولذلك فإنه لم يخلف وراءه غير الدار التي كان يسكنها، ولكنه ترك للعالم كله وليس لأهله أو لباكستان فقط إرثا كبيرا من العلم والأدب والفلسفة. كان إقبال مشهورا كشاعر وفيلسوف في الهند، ولكن شهرته في أوربة كانت أعظم من شهرته في بلاده، لأن الأوربيين كانوا على منزلة رفيعة من العلم تفوق ما كان عليه الهنود، ولذا فإنهم كانوا يقدرون ما ينطوي عليه هذا العبقري من أفكار فلسفية وعلوم واسعة وآراء بعيدة المدى. كان الإنكليز منذ أن وطئت أقدامهم البلاد الهندية في القرن السابع عشر وقبل أن يهدموا صرح الإمبراطورية الإسلامية سنة 1857م يعتمدون على الهنادكة في تسيير سياستهم، لأنهم كانوا يعلمون بأن المسلمين لن يخلصوا لهم لأنهم سلبوهم ملكهم، ولكن الهنادكة كانوا مخلصين للإنكليز وكانت كل سياستهم تدور حول الاستيلاء على الهند مباشرة أو تحت حكم إنكليزي. وقد خدع كثير من المسلمين في بادئ الأمر بالمؤتمر الهندي وانضموا إليه لأنهم ظنوا بأن الهنادكة يعملون للوطن وليس للهندوكية، ولكن العلامة إقبال أدرك بعين بصيرته وبما له من معرفة بما تنطوي عليه الديانة الهندوكية من عداء للإنسانية، بأنه من المستحيل أن يعمل الفريقان معا لخدمة الهند ومصالح أهلها كلهم من غير تفريق بين دين وآخر، ولذا فإنه كان من دعاة خلق دولة إسلامية وأخرى هندوكية، وقد فهم بعض زعماء المسلمين ولو متأخرين هذه الحقيقة، وعملوا برأي العلامة إقبال، وطالبوا الإنكليز حين أجبروا على ترك البلاد الهندية بأن تقسم البلاد بين المسلمين والهنادكة، وفي مؤتمر إله آباد الذي عقد سنة 1930م وكان رئيسه العلامة إقبال، وقال في خطبته الافتتاحية بضرورة إقامة دولة إسلامية وأخرى هندوكية، وأصر على ذلك، لأن لكل من الفريقين آدابا وأخلاقا وعادات وعقائد تختلف عن الفريق الآخر، وأن الهنادكة على الرغم من أنهم كانوا يعيشون في ظل الإمبراطورية المغولية وغيرها من الممالك الإسلامية التي ظهرت في الهند عيشة سعيدة يلقون فيها كل احترام ومحبة وتكريم من قبل المسلمين، فإنهم كانوا حاقدين على المسلمين لأنهم انتزعوا منهم ملايين الهنادكة الذين اعتنقوا الإسلام طائعين مختارين، وقد تأثر كثير من الزعماء بأقوال العلامة إقبال، فأصبحوا يفكرون بدولة إسلامية وليس سواها. وهنا لا بد لي من أن أتطرق إلى البحث، عما لقيه المسلمون من غدر الهنادكة بعد تقسيم البلاد، إذ قضت المعاهدة التي وقعت بين الفريقين الهنادكة والمسلمين بتقسيم البلاد إلى دولتين، على أن تراعى في كل دولة الأكثرية الدينية، فكانت الدولة الإسلامية تضم جزأين من البلاد، أحدهما في الشمال الغربي وهو ما يسمى اليوم بباكستان، والثاني في الجنوب الشرقي وهو ما يسمى اليوم ببنغلادش. وكانت هذه الدولة أكبر دولة إسلامية ذات شأن بعد الدولة العثمانية، ولذا فإن الهنادكة أضمروا هدمها وأعلن زعماؤهم ذلك صراحة في مناسبات كثيرة، وظلوا يعملون حتى هدموا هذا الكيان الإسلامي، وشطروا هذه البلاد الإسلامية إلى شطرين باكستان وبنغلادش، وكانوا يظنون أن بمقدورهم السيطرة على بنغلادش، ولكن من حسن الحظ أن بنغلاديش ظلت بلدا إسلاميا، وظلت على صلات حسنة بباكستان، لأنها أدركت أن مجيب الرحمن زعيم فكرة الانفصال كان عميلا خائنا فقتلوه هو وعائلته. ومما ارتكبه الهنادكة ضد المسلمين، أن اتفاقية الاستقلال كانت تقضي بأن تضم الإمارات الوطنية التي كانت تعد نحو 650 إمارة بين صغير وكبير إلى البلاد التي هي فيها، فالإمارات الموجودة في هندوستان يجب أن تضم إلى هندوستان، والإمارات الموجودة في باكستان يجب أن تضم إلى باكستان، سواء أكانت إمارات هندوكية أو إسلامية، وأما الإمارات التي على الحدود بين البلدين يستفتى أصحابها في البلد الذي يريدون الانضمام إليه، على أن تبقى الأفضلية للدين، فالإمارة الحدودية المسلمة تنضم إلى باكستان، والإمارة الحدودية الهندوكية تنضم إلى هندوستان، غير أن الهنادكة لم يوفوا بهذا العقد بل ما كاد الإنكليز يخرجون من البلاد حتى انقضوا على كشمير، فاستولوا على أكثرها، مع أن تسعين في المائة من أهلها من المسلمين، وكذلك انقضوا على إمارة ’جونا كره‘ وكان لإمارة ’حيدر آباد‘ امتياز خاص إذ أن المعاهدة قضت بأن تظل هذه الإمارة الكبيرة مستقلة عن باكستان وهندوستان، إلا إذا شاءت هي الانضمام إلى أحد الطرفين، وكان من البدهي أن تبقى مستقلة أو أن تنضم إلى باكستان المسلمة، ولذلك فقد عاجلها الهنادكة واستولوا عليها بالحرب ظلما وعدوانا. هذه لمحة عن العلامة المغفور له محمد إقبال، أو: محمد إقبال في مباذله، وأترك الحديث عن أعماله العلمية إلى غيري من الأدباء الذين سيعالجون هذا الموضوع. وعلى كل حال فإن الكلام عن العلامة إقبال يحتاج إلى مجلدات، لأنه من الرجال القلائل الذين لا يجود بهم الزمن إلا على فترات متباعدة. قلت إن الأوربيين قدروا العلامة إقبال وفهموه أكثر من الشرقيين ومن أهل بلده أيضا، ولذلك فقد قررت لجنة نوبل إعطاءه جائزة نوبل، ولكنه رفض ذلك، لأنه كان يقدر نفسه حق قدرها، ولم يكن بحاجة إلى نوبل لكي ينبله ولما أراد الإنكليز سنة 1922م منحه لقب ’سر‘ اشترط عليهم لقبوله أن يمنح أستاذه مير حسن لقب ’شمس العلماء‘ وهذه أخلاق تدل على نبل وعلى اعتراف بالجميل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تأثير الأدب العربي في شعر إقبال للأستاذ ميرزا محمد منور تعريب: محمد سميع مفتي يذكر عزيز أحمد في نهاية مصنفه بالاسم "إقبال— التشكيل الجديد" بعدما يقرأ الأنسان إقبال، لا بد له من أن يقرأ كذلك كثيرا مما حول إقبال. فإن قرأت كلا من الرومي ونطشيه وبرجسان والجيلي والفلسفة اليونانية والفلسفة الهندية القديمة والفلسفة الأوروبية الجديدة والشعر الألماني والشعر الإيطالي والشعر الإنكليزي، والغزل الأردي، وبعد ذلك بدأت تقرأ إقبال، تجد نفسك تحتاج إلى علم مزيد وإلى قراءة كثيرة. وأرى أن ما يحتاج إليه الإنسان آنذاك معظمه الأدب العربي. لا يلزم أن يذكر ذلك الأثر الذي تأثر منه شعراء الفرس من شعراء العرب، وكل هذا الأثر انتقل من الفارسية إلى الأردية، وأكثر منه ما قاله المستشرق الأسباني غارسيا غومس أن الشعر الإسلامي كله تأثر من أفكار شعراء العرب ومواضيعهم. يقول هذا المستشرق إن معيشة العرب كلها كانت السفر؛ هم اليوم هنا وغدا هناك باحثين المراعي والينابيع الجديدة، فلذا كان معظم شعرهم في المساكن المتروكة المهجورة وفي الأحياء المغادرة الضالة وفي الحبيبات الماضية البعيدة المساكن وفي القوافل الهاجرة وفي المسافات البائدة. وتقدم ذلك إلى أن أصبح الكائن بأثره قافلة سائرة في شعر العرب وغيرهم من المسلمين. فكأن نهاية قصة الحياة كلمة "الله باقٍ". وحسب قول غارسيا غومس ——وإن كان فيه شيئ من المبالغة—— من الصعب أن ينكر من أن المواضيع المولعة عند شعراء العرب أثرت كل من يقول الشعر في لغات العالم الاسلامي، وحتى الشعراء غير المسلمين. وأن الشعراء غير العرب الذين يسكنون في مناطق خضراء ناضرة مخضرة لا علاقة لهم بالأسفار والقوافل، وبل ماتوا وهم ساكنين في ضيق أزقة المدن نجدهم عبر كلامهم سكان بادية العرب. فمثلا الشاعر ميرزا غالب الذي ولد في آجره بالهند وتوفي في مدينة دلهي يقول في شعره: إلى متى أبكي خلف خيمتها، يا لها من قيامة ويا رب أ ليس لي نصيب من جدار الحجر؟ وكذلك تجد من الشعراء العرب الاسبانيين يذكرون في شعرهم الأطلال، والخيام والقوافل، مع أن الأسبانية معظمها مخضر ناضر ويكثر فيها البساتين، فأني لهم من القوافل والإبل وأتلال الرمال العالية الواسعة التي يحبها البدو العرب. يقول ابن حزم الأندلسي في شعر له: تذكرت واد للحبيـب كأنـه لـخولة أطـلال ببرقـة ثهـمد وعهدي بعهد كان لي منه ثابت يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد فكلا المصراعين من كلا البيتين مأخوذة من صدر قصيدة لشاعر جاهلي معروف باسم طرفة بن العبد. والحق أن هناك بيئة عقلية مثل بيئة أرضية. فالأرض التي ينبع للإنسان منها منابع العلم والفكر تتمكن في ذهنه كموطنه الفكري والعلمي فتصبح بيئة ذلك الموطن بيئته الفكرية. وكان إقبال مولعا بالأدب العربي. تعلمه من شمس العلماء مولانا سيد مير حسن الذي كتب عنه سر عبد القادر في المقدمة لـ" صلصلة الجرس" "بأنه ينشئ التذوق الأدبي الحقيقي في من يتعلم على يده الفارسية أو العربية" تعلم إقبال اللغة العربية والفارسية كلتيهما تعلما عميقا، وأكمل دراسته للغة الأردية، ولكنه من الحقيقة أن العربية كانت داخلة في روحه. العربية تتعلق بالعرب والعرب كان له حبيبا لكونه بلاد الحبيب. فكأن تلك الأرض لكونه بلاد الأشواق أصبحت تسكن في روحه وخياله، فبذلك السبب صار هذا العنصر جزءا من بيئته الفكرية والتخيلية. ومن ينكر أن الحياة في العرب كانت حركة تسلسلية وجهدا مستمرا. كل قبيلة كانت مستيقظة دائما وجميع أفرادها كانوا نشيطين دائما وإلا سيسلب المرعى والعين، وتفتقد وسائل الحياة – فهكذا نشأ احترام الموطن وتقديسه أساسا لا بديا لنظام فكر إقبال وأصبحت كخلفية فكره، ومن هنا يتفرق إقبال عن تيكور ويسلك طريقه غير طريقه—كان اسلافهما يحملون عقيدة واحدة، كانا من نفس موطن بعضهما وكذلك لم يكن في تأريخهما فرق كفرقهم في الأفكار. أحدهم كان يحمل ميراث بوذا غوتما وثانيهما ميراث خليل الله، وفلسفة أحدهما سكونية هادئة وفلسفة ثانيهما حركية. فهذه الإرتقاء في فكر إقبال كانت تدريجيا. ولا نرى في الجزئين الأول والثاني من مجموعته "صلصلة الجرس" التأثر العربي والاسلامي إلا قليلا جدا. فإنه عندما رجع من أوروبا كانت فكرته قد تغيرت، فتنحى عن الفكرة القومية ورغب في فكرة الأمة. ’تعال إلى أمك حتى تعودك في مرضك‘ فبدأ بهذا الأسلوب في الجزء الثالث لـ "صلصلة الجرس" وفي "أسرار إثبات الذات" ، وبعد ذلك بدأ يظهر هذا الأسلوب في كلامه بشتى الألوان حتى أكمل كتابه "هدية الحجاز". إن ما تأثر به كلام إقبال من الأدب العربي ظهر بعدة طرق منها ما ظهر ظهورا واضحا ومنها ما أصبح علامة ومنها الصور الخيالية. وإنه يرى أن العرب هم أهل الحضارة وخالقوها وخالقوا دستور الحكم كذلك، وإنه يسمي العرب فاتحي العالم وحافظيه وحكامه ومزيني العالم. ونشأة العالم الجديد في رأيه مرهون دمهم. يقول في أبيات له: وعصرنا قد خلق بعهدكم وسكره من أحمر رحيقكم وأنتمو لشارحوا أسراره وأنتمو لبادؤو بنيانــه وكان يعتقد أن: ساكنو الصحراء حافظو الطبيعة! فلذا كان يتوقع أن يتنبه ويستيقظ ذلك الليث الصحراوي الذي عندما خرج من الصحراء لأول مرة قلب عرش الروم. وطبعا بيانه عنهم هذا في أوضح الكلمات أما ما يستلذ به الإنسان هو سريان الروح الأدبي العربي في شعره، حيث ينتقل تخيل القارئ إلى البيئة العربية باستخدامه تشبيههم واستعارتهم وتلاميحهم وصورهم الخيالية. وأريد أن أوضح هنا أن ما تأثر به كلام إقبال من القرآن والحديث النبوي الشريف لا أتعرض عنه هنا لأنه تقتضي كتابا كاملا في بيانه، ولكني أقتصر على بيان بعض النكات من الأدب العربي. وأريد أن أسترشد بالقصيدة التي نظمها في ديوانه "صلصلة الجرس" بعنوان "خضر الطريق". يسأل الشاعر الخضر: لماذا تسكن في الصحراء وتترك المعمورات وحياتك خالية من النهار والليل والأمس والبارحة؟! فيرد عليه الخضر بقوله: إِنْ تَجَوَّلْتُ أَرَاكَ تَتَعَجَّبْ إِنَّ تِجْوَالِيْ حَيَاةٌ تَتَلَهَّبْ لاَ تَرَى الصَّحْرَاءَ فِي الْبَيْتِ نَزِيْلْ مَا سَمِعْتَ الصَّوْتَ دَوَّى بِالرَّحِيْلْ فِيْ رِمَالٍ هَذَا سَيْرٌ للِْغَزَالْ دُوْنَ وَعْيٍ وَاكْتِرَاثٍ بِالمْآلِ ذَاكَ صُبْحٌ فِيْهِ نَجْمٌ قَدْ أَضَاء وَجْهُ جِبْرِيْلِ وِيَبْدُوْ مِنْ سَمَاءْ وَكَذَا لِلشَّمْسِ لِلصَّحْرا غُرُوْبْ عَيْنُ إِسْمَاعِيْلَ تُبْدُو مِنْ غُيُوْبْ وَعَلَى المْاَءِ ازْدِحَامٌ لِلْقَوَافِلْ شُرْبَ مِاءٍ كُلهُّمْ كَانَ يُحَاوِلْ عَاشِقٌ يُشْتَاقُ صَحْرَاءً جَدِيْدَةْ إِنَّ فِي الْعِمْرَانِ أَسْوَارًا مَدِيْدَةْ إِنَّ هَذَا الْعَيْشَ كَأْسَاتٍ تَدُوْرْ ذَاكَ سِرٌّ فَتَأَمَّلْ يَا غَرِيْرْ لا نلجأ في فهم هذا الأشعار إلى توضيح ما فإن صلصلة الرحيل في الجو الصحراوي، وتلال الرمال، ومشي الغزال، وحياة الحضر من غير وسائل الحياة، والسفر في طريق غير ذات المعالم، ونزول قوافل على ينابيع، كل هذه تجذب ذهن القارئ إلى شعراء القصائد العربية ويلفت نظره إليها. فالشعر الذي يذكر فيه إقبال ينابيع الماء والسلسبيل يبدو أنه مزيج من الشعر ذو الروح العربي والإسلامي. وكذلك نرى أن الشعر الذي يذكر فيه اقبال قيد الأرض والنخيل لم يأت إلا من الأرض الصحراوية، الأرض التي لا تقيد معها أحدا لقلة محصودها ولا يوجد هذا المحصود إلا في واحات صغيرة. ومن الواضح جدا أن إقبال لم ير هذه الأرض ولا هذه المناظر بعينه. وإن كان نزل في القاهرة وبيت المقدس ليوم أو يومين راجعا من مؤتمر الطاولة المستديرة الثالث. فكل هذه المناظر وتصويرها مناظر خيالية وصور خيالية التي أخذها من الشعراء القدماء للأدب العربي. ينتقل ذهن القارئ بكلمة النخيل وبيت المقدس إلى قصيدة مشهورة لإقبال المسماة باسم "الذوق والشوق". فيظهر من بدايتها إن القصيدة لا تظهر حسنها المعنوي إلا إذا روعي فيها الأدب العربي أو أن ترى في المرآة الأدب العربي. يقول: إن حياة القلب والنظر تدل علىمنظر الصبح في الصحراء وتندفع قنوات النور وأنهاره من ينبوع الشمس وسحاب الليل ترك غيوما حمراء وزرقاء وأعطى وكسا جبل إضم الملابس الملونة الهواء من الغبار نقية والنخيل فيها مغسولة ورمال نواحي كاظمة الحرير الناعمة فيذكر في هذه القصيدة جبل إضم ورمال ضواحي الكاظمة. فجبل إضم يذكرنا بالمدينة المنورة، فالمدينة المنورة تقع في وديان جبال إضم. وأما الكاظمة (فهي) قرية تقع قرب بصرة وذكرها أكثر من شاعر في شعره بعهد الجاهلية والاسلام كمسكن الحبيب. فيقول شاعر في بيت له: ألم يبلغك ما فعلت ظباه بكاظمة غداة لقيت عمرا فيذكر الإمام البوصيري مؤلف قصيدة البردة الشريفة كلمة كاظمة ويشير بها إلى المدينة المنورة. فيقول: أم هبت الريح من تلقاء كاظمة أو أومض البرق في الظلماء من أضم وشاعر آخر يذكر جبال إضم فيقول: بيت بانت سعاد وأمسي حبلها الصرما واحتلت الغور والأجراع من إضما أي: بعدت عني حبيبتي وانقطعت معها علاقة الحب، ونزلت في موقع الغور والأجراع في واد لجبال إضم. نعرف أن معظم أشعار قصيدة "الذوق والشوق" قالها إقبال في فلسطين ولكنه كان يزور في عالم خياله ضواحي مدينة حبيبه المدينة المنورة، كان يضطرب من ألم الهجر والفراق، وأمواج تمنيات زيارة بلد الأشواق تطلاطم في قلبه، الكرب الروحي والبعد المكاني——— لذة مضطربة واضطراب لذيذ، ولكن كان مطمح نظر الراكب سواد منزل الحبيب، لذا كان الجو يتنور بأشعة الشمس مثل أنهر النور ويتلون بالطيالسة الملونة، ويصبح ناعما بالرمال الناعمة كالديباج. ومن أحب موضوعات الشاعر العربي الأطناب المقطوعة والنار الخامدة المطفئة والقوافل المارة. وعندما يمعن الإنسان نظره أثناء دراسته لشعر إقبال يحس بأن الهيام الديني ازداد عنده مع تقدم عمره وكلما ازداد هذا الهيام ازداد عنده تدريجيا استخدام الكلمات الأدبية العربية، مثل القافلة، والزمام، والناقة، والمقام، والسبيل، والمنزل، والأطناب، والخيمة والنخل و النخيل وغيرها من الكلمات العربية. فمثلا يقول: أقم الخيمة حيث شئت ولكن دوما تذكر أن سؤالك للطناب حرام ويقول: وهل يقال لشيئ ما أكثر منه فسادا أن العبيد قطعوا طناب خيمة الولاة ولاحظ أبيات قصيدة "الشوق والذوق" التالية، فيقول: ولا نجد حسينا في قافلة الحجاز ويقول أيضا: وقد خرجت في البحث عنك قوافل اللون والرائحة ويقول أيضا: والعلم لم أكن أدري أنه نخيل لا رطب له فكلمة "النخيل الذي لا رطب له" أسلوب عربي أصيل، ومعلوم أن الرطب هو التمر الناضج. ويقال بالعربية "أرطب النخل" أي نضج التمر. فما دامت القصيدة تصور أجواء العربية فلا بد من تلوينها بكلمات عربية ناشئة في تلك البيئة. وكلمة نخيل رأيناها في أبيات قصيدة "خضر الطريق" المذكورة أعلاه وذكر نفس الكلمة يلفت أنظارنا إلى قصيدته المسماة باسم "مسجد قرطبة". وأبيات قصيدة "مسجد قرطبة" تشبه بأبيات الغزل مثل أبيات قصيدة "الذوق والشوق" وكذلك لا نجد فيها الرديف والقافية. فيخاطب إقبال مسجد قرطبة فيقول: بناؤك محكم وأعمدتك لا تعد إنها كثيرة كثرة أشجار النخيل في صحراء الشام فهذه القصيدة قالها إقبال في أسبانيا، ولكننا لا نجد فيها ذكر الجو الأسباني، إنما نجد فيها الجو العربي البدوي فأصبح لونها لونا عربيا وشبه فيها أعمدة المسجد الكثيرة بكثرة النخيل في بادية الشام وقد خص صحراء الشام لأن مؤسس المسجد الأمير عبد الرحمن الداخل كان قد انحدر من بلاد الشام ذلك الذي غرس أول شجرة من النخيل في أرض الأندلس ومن ثم كان يبكي على نخل الشام ويقول فيها الشعر، وتوجد ترجمته الحرة في "جناح جبريل" من دواوين إقبال الشعرية، ولقد خاطب إقبال المسجد على أسلوب العرب المغاربة الذين كانوا يخاطبون مسجد قرطبة هذا فيسمونه "حرم قرطبة" فمن ذلك ما قاله الشاعر الأندلسي ابن المثنى الذي كان قبل مئات السنين وسبق إقبال فقال: بنيت لله خير بيت تخرس عن وصفه الأنام حج إليه من كل آدب كأنه المسجد الحرام! كأن محرابه إذا ما حف به، الركن والمقام! إن جو المسجد المحزن المبكى قد جعل إقبال يتعمق في مبدأ الدهر من صروفه وعبره فيفكر في إقبال الأمم وإدبارها وصعودها وهبوطها فيرى أشعة من أمل المستقبل في هذا الجو المحزن اليائس. فيقول إقبال وهو يخاطب النهر الكبير ما معناه: "يا ماء النهر الكبير! أما ترى أحدا قد وقف علىساحلك وقد توغل في حلم بعيد من الأزمنة الأخرى!؟" وعلي خفة هذا النهر الكبير نفسه كان الشاعر الأندلسي ابن اللبانة الداني (المتوفى 507هـ) قد تذكر ملوك بني عباد! وتوجد قصيدة شعرية لإقبال في ديوانه "جناح جبريل" وعنوانها "صرخات معتمد بن عباد في سجنه" وهي ترجمة حرة لما قاله ابن عباد نفسه الذي كان يوسف بن تاشفين المرابطي قد قبض عليه وقيده وذهب به إلى سهل الجبل الأطلسي في سجن أغمات بمراكش المغرب وقد تحدث عن سخاء ابن عباد وحماسته ومروته وشفقته على الشعراء و الأدباء وعن عيشه الرغيد بعض شعراء الأندلس ممن عاصره أوجاء بعده وقد ورثوه وبكوا عليه بكاء محزنا أليما، وكان ابن اللبانة قد جلس يوما على ضفة النهر الكبير فقال ما معنا بأنه يرى بعيني خياله إلى سفن بني عباد وهي متجهة إلى البحر ثم يتذكر فجأة بني العباس وبغدادهم وعظمتها في عهدهم وأما إقبال فهو يتذكر ملوك الأندلس المسلمين بصفة عامة فيقول ما معناه: "إنه يسقي أرباب التذوق وهو فارس لميدان المعارك إن خمره رحيق وأما سيفه فهو سيف أصيل مهند!!" ولكن مدح ابن اللبانة بني عباد خاصة فقال: تبكي السماء بمزن رائح غادي على البهاليل من أبناء عبادي على الجبال التي هدت قواعدها وكانت الأرض منهم ذات أوتادي ويقول إقبال: وخمره رحيق وسيفه أصيل ولا يمكن أن يصدر شعر مثل هذا إلا من فم من تحلت لغته باللغة العربية تحلية. فأخذنا النخيل إلى قرطبة، والنخيل شجر التمر وهو عمة العرب فإن حكت قصة العرب فلا عجب فيها. فينطق في ديوانه جاويد نامة بلسان المهدي السوداني: ناقتي ثملة بالعشب، وأنا ثمل بالحبيب الناقة بين يديك وأنا بين يدي الحبيب جعلوا للماء سبيلا إلى الصحراء فها هي أوراق النخيل مغسولة (بالمطر) على الجبال أيها الحادي! أحبتنا في يثرب، ونحن في نجد احد، فإن حدائك سيجعل الناقة في حالة وجد فالمهدي السوداني يتجه إلى المدينة الطيبة، يريد الوصول بأسرع ما يمكن، ونزل غيث الرحمة، والناقة تقف وتتردد للعشب، وأقيم سبيل الماء، واغتسلت نخيل الجبال. فلا يمكن لأحد أن يأتي بهذه الكلمات على لسان المهدي السوداني إلا من له علم بالخلفية الدينية والعربية. وما أحسن ما عبر به إقبال في "رسالة الخلود" عن عهد العرب الجاهلي. ففي رسالة الخلود يبدأ طاسين محمد بـ" نواح روح أبي جهل في حرم الكعبة". فالعرب كانوا يفتخرون بنسبهم ويحقرون لغات غيرهم، فلخص كلها إقبال في بضعة أبيات. فما كان يشكو منه أبو جهل من رسول الله —صلى الله عليه وسلم— وهو ما معناه بالعربية: "إن دينه يقضي علي الوطنية والقبلية! إنه من قريش ولكنه ينكر فضل العرب! إنه لم يعرف ولم يقدر مكانة العرب الأحرار حيث تراه يسوى بينهم وبين العبيد من الأحباش! إن هذه المساواة والمواخاة التي يدعو إليها إنما هي فكرة أعجمية تعلمها من سلمان المزدكي الذي أعرفه جيدا فهو الذي خدع ابن عبد الله وأتى بكارثة على العرب! وأين العجمي من العدناني وهل بإمكان الأبكم أن يدرك سحبان وائل؟ إن خواص العرب قد عميت أبصارهم أفلا تهب من قبرك يا زهير؟! فيا هبل! التي تقبل توبة العباد لم لا تطهر بيتك من هؤلاء الملحدين! اجعلي شياههم مرتعا للذئاب! واجعلي تمور نخلهم مرة! يا مناة ويا لات! لا ترحلي من هذه الديار وإذا كان لا بد من مفادتها فلا ترحلي عن قلوبنا! وما دمت قد أزمعت الفراق فلا تستعجلي السفر!" سحبان وائل كان أخطب العرب في زمانه وزهير بن أبي سلمى كان واحدا من أكبر شعراء العرب. وكلمة "إن كنت أزمعت الفراق" تشير إلى قصيدة إمرئ القيس. وهذه الأبيات مرآة واضحة للأفكار العربية الجاهلية. وهذا بيان الجو في بعض الأبيات. ولكنك إذا أمعنت النظر في أسلوب البيان لمضمون "رسالة الخلود" أحسست أن هيكل الكتاب كله من أصل عربي. وأول كتاب في بيان مناظر الجنة وزيارة الأفلاك لأبي الحسن علي بن منصور المعروف بابن القارح، صور فيه الشعراء والخطباء غير المؤمنين والعاملين بالسوء مبتلين بعذاب جهنم. فكان أبو الحسن من أصحاب أبي العلاء المعري. فرد عليه أبو العلاء المعري وكتب "رسالة الغفران". فيتجول المعري في الأفلاك حتى يصل إلى الجنة ويرى فيها بعضا من الشعراء الكبار الذين كانوا قد ماتوا في الجاهلية ولم يروا عهد الإسلام قط، فيستغرب المعري ذلك ويستفسرهم: إنكم لم تشهدوا عهد الإسلام قط، فكيف تمكنتم بدخول الجنة؟ فيرد عليه كل شاعر عن نفسه ويخبره بالسبب. فزهير له موقف، وامرؤ القيس عنده رد، وعبيد ابن الأبرص يقدم أدلته كذلك. فالمعري كان متشككا وكان يكره أهل الدين كراهة بالغة لتشددهم. وكان له تصور خاص للرب فلم يكن يراه إلا أنه رحيم ودود. ويعتبر كتاب محي الدين ابن عربي المسمى بـ" الفتوحات المكية" حلقة وسيطة. ففيه أسلوب تمثيلي بجانب التجول في الأفلاك – فتأثر دانتي من "الفتوحات المكية" وأشار إليه إقبال في مؤلفاته أكثر من مرة. وكذلك اعترف لي بان كريو ني بام في كتابه Medieval Islam بأن دانتي كان قد تأثر من ابن عربي.—وهناك أربعة طواسين في رسالة الخلود؛ طاسين جوتم، طاسين زرتشت، طاسين مسيح، طاسين محمد. —والظاهر أن كتاب الحلاج هذا مما تأثر به من هؤلاء الطواسين. على كل يظهر في رسالة الخلود السماحة مثل سماحة "رسالة الغفران" رغم أن إقبال كان متدين الطبع ولم يكن متشككا مثل المعري، ولكنه لم ينتسب أحد من القوم أو قائديها إلى جهنم بأساس قلة السماحة الدينية. فإنه صور تصويرا لنهر فيها الدم بدلا من الماء بكوكب زحل وأرى أن مير جعفر ومير صادق يعذبون فيها، لم يذكر أحدا من غير ملته لا قائدهم ولا سيدهم ولا فيلسوف منهم بأن يتعذب معهما. جعفر وصادق كانا خائنين، وأبادا شعبهما ووطنهما شحا وطلبا للمنفعة الذاتية. وبهذا الشح أصبح ملايين من شعبهما في قعر مذلة العبودية والاحتلال. فذكره إقبال بقوله: لا بداية لهذه الدنيا ولا نهاية وأما الخائنين فلا مولى لهم فإن كان جعفرون في ذاك الزمان أو صادقون في هذا الزمان وكانوا من غير مولى وسيبقون من غيره. عندما يقرأ الإنسان شعر إقبال يجد فيه ذكرا لشعراء العرب مثل المتنبي، والمعري، وعمرو ابن كلثوم، والبوصيري، وكعب ابن زهير، وزهير ابن أبي سلمى، وامرئ القيس، والمعتمد وغيره من الشعراء العظام. فمثلا جاء ببيت من قصيدة عمرو بن كلثوم زوجا لشعره فقال: صبنت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا وإن كان هذا طريق الأحبا فيرمى بكأس وشربة بعرض جدار الحرم ونرى أن بعض أشعاره تلونت بلون الشعر العربي وأرى أنه إن درس كلام المتنبي وأبي التمام، وإمرئ القيس بالدقة فيمكن أن نجد الآثار الكثيرة، لأن التأثر من الشعر المدروس أمر طبيعي. وكما أكدت في بداية المقال أن الإنسان لا بد أن يتأثر من أي أدب أو كلام يدرسه ويبقى ذلك في ذهنه فمثال ذلك بيت إقبال: ظن المسلم وحسابه في الدنيا يقين حتما كقنديل الراهب بالصحراء في ظلمة الليل فانظروا الضوء المتلألئ في ظلمة الليل من أكواخ الرهبان التاركي الدنيا في العرب الجاهلي في شعر لإمرئ القيس. يقول: تضيئ الظلام بالعشي كأنها منارة ممسى راهب متبتل يذكر إمرؤ القيس فيها حبيبته بأنها تضيئ مصباحا بجمالها في ظلام الليل الحالك كأنها مصباح الراهب المشعلة في المساء. فبعد هذا أن تأثر بهذا المقطع جاء بشعر مثله فقال بالفارسية. ليلة الجبال والصحراء هذه تنوِّر الصدور لا يوجد فيها طائر أو موج ماء لا يمكن أن تتنور بقنديل الرهبان وتعلم أن تنويره يحتاج إلى الشمس وإنه يحث الأمة العربية على القيام ضد الاستعمار الافرنجي والأوروبي في قصيدته "والآن ماذا نصنع يا أمم الشرق" ويلقنهم بهذه الكلمات: وإنك إن أردت أن تقي نفسك شرهم فعن حوضك يجب أن تشرد بعيرهم ونفس الكلام قد ذكره زهير ابن أبي سلمى في معلقته، فقال بيت: وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ يُهَدَّمْ وَمَنْ لاَ يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ و في "أسرار إثبات الذات" بيت قيل بتأثر صاحبه من بوصيرى رحمه الله وأشار إلى ذلك إقبال رحمه الله: وبوجودنا حصل الزمان على رونقه إنك خاتم الرسل وإنا خاتم الأمم فإنك تراه قد أخذ المضمون من شعر البوصيري —رحمه الله— حيث قال: لما دعا الله داعينا لطاعته أكرم الرسل كنا أكرم الأمم أي أصبحنا أكرم الأمم بأن الله سبحانه وتعالى قال عن نبينا أكرم الرسل لطاعته إياه. وخاطب إقبال مسجد قرطبة فقال في شأنه: وإن جمالك وجلالك يدلان على عبد لله فإنه جليل وجميل كما أنت جليل وجميل فهذا الشعر يذكرنا بشعر عبد الرحمن الناصر مؤسس مسجد قرطبة حيث قال: إن البناء إذا تعاظم قدره أضحى يدل على عظيم الشأن أبو فراس الحمداني جاء بشعر لنفس المضمون فقال: صنائع فاق صانعها ففاقت وغرس طاب غارسها فطابا رثى إقبال أمه بعنوان "في ذكرى الوالدة المرحومة" فقال في آخر المرثية: ويندي السماء مرقدك دوما إنداء ويحفظ النبات والعشب هذا القبر فدعاء نزول الندى على القبر يعتبر من التمني في أي بلدما ولكن أرض الجزيرة العربية العطشة يعتبر الندى فيها من أكبر رحمة يتمناها الإنسان. فدعا أبو التمام الشاعر في مرثية لمحمد بن حميد الطائي الوالي في موصل بنفس الكلمات وقال: وكيف احتمالي للغيوث صنيعة بإسقائها قبرا وفي لحده البحر سيرة الشاعر الإسلامي محمد إقبال للدكتور عبد الله مبشر الطرازي أسرته وموطنه: يرجع نسب أسرة إقبال إلى براهمة كشمير، أسلم أحد أجداده قبل مائتي سنة فى عهد الدولة المغولية فى الهند، وهاجر محمد رفيق، جد إقبال، من قرية لوهر فى كشمير إلى مدينة سيالكوت من ولاية بنجاب، وسعى فى طلب الرزق يعينه ابنه نور محمد، وهو والد إقبال . كان والداه صالحين تقيين، فأبوه نور محمد كان رجلا صالحا وكادحا فى كسب رزقه يعمل لدينه ودنياه، وقد عاش زهاء مائة سنة، وكف بصره فى سن الثمانين حتى توفى سنة 1930م، وكذلك أمه كانت سيدة تقية ورعة، توفيت سنة 1914م وسنها ثمان و سبعون سنة ، وكانا يدعوان فى كل وقت لابنهما إقبال بالتوفيق لخدمة الإسلام. مولده ونشأته: فى هذا البيت المتواضع ولد وليد سمته أمه "محمد إقبال" ويروى أن والده رأى قبل مولده حمامة بيضاء ناصعة تطير فتقع فى حجره وتسكن إليه، وعبرت الرؤيا أنه سيرزق ابنا عظيم الجد والإقبال، وكانت ولادته فى سنة 1877م الموافق 24 من ذى الحجة سنة 1289هـ، ولم يأبه أحد بمولد هذا الطفل، إلا كما تأبه أسرة فقيرة لمولد ابن فيها، ولكن الله تعالى كان يعلم أنه قد ولد في هذا البيت الفقير من مدينة سيالكوت رجل يعلو فكره وقلبه على حدود الأوطان والأزمان. تعليمه وثقافته الإسلامية: بدأ إقبال التعليم في طفولته على أبيه، ثم أدخل مدرسة ليتعلم القرآن الكريم فحفظ كثيراً منه، وكان في كبره يعلم القرآن المجيد للطلاب، وإن كثرة اقتباسه من القرآن الكريم في شعره تدل على أن كتاب الله كان دائما على قلبه ولسانه ثم أدخل الصبي مدرسة البعثة الأسكوتية ويقال إن أباه أدخله هذه المدرسة ليكون في رعاية صديقه العالم الجليل مير حسن الذي كان أستاذا أديبا متضلعا في الأدب الفارسي وعارفا باللغة العربية، وقد امتاز إقبال بذكائه وجهده ففاق زملاءه ونال جوائز كثيرة، ورأى الأستاذ مير حسن من ذكائه بل من قوله وفعله ما زاده إعجابا به، فعني بتلقينه الدين والعربية والفارسية، وغرس فيه حب الآداب والثقافة الإسلامية، حتى أتم إقبال الدراسة الثانوية في الكلية الأسكوتية سنة 1895م وعمره نحو اثنتين وعشرين سنة، ولم ينس إقبال فضل أستاذه إلى آخر حياته . انتقل إقبال بعد ذلك إلى مدينة لاهور، وهي حاضرة ولاية بنجاب وإحدي المدن الكبرى التي بقيت في مقدمة مدن الهند حضارة وعلما وفنا، وكانت حين قصد إليها إقبال مدينة العلم والأدب تعمل مجامعها في نشر الأدب الأردي وإحلاله محل الأدب الفارسي، وتألفت فيها مجامع أدبية تدعو إلى محافل ينشد فيها الشعراء عيون أشعارهم، ويسمى هذا "مشاعرة" والمشاعرة عادة أدبية في باكستان والهند حتى اليوم . ودخل إقبال كلية لاهور الحكومية، وكان موضع الإعجاب في ذكائه وعلمه وأدبه، واستمر في الدراسة حتى حصل على درجة البكالوريوس، وبرز في العربية والإنجليزية ونال جوائز التفوق في سنة 1897م، ثم تابع الدراسة إلى الماجستير ونالها أيضاً ، وكان المستشرق المعروف توماس آرنولد صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام" أستاذه في الفلسفة الإسلامية، وكان يقدر مواهب إقبال . اشتغاله بالتدريس بعد التخرج: فرغ إقبال من تحصيل العلم في الكلية، فاختير لتدريس التاريخ والفلسفة في الكلية الشرقية في لاهور، ثم عين لتدريس الفلسفة واللغة الإنجليزية بالكلية الحكومية التي تخرج فيها، وقد نال إعجاب تلاميذه وزملائه وثقة وزارة المعارف بسعة علمه وحسن خلقه وسداد رأيه، واتجهت الأنظار إليه، وذاع ذكره حتى صار من أساتذة لاهور النابهين . سفره إلى بلاد أوربا: عزم إقبال على الرحيل إلى أوربا للتزود من العلم عملا بمشورة أستاذه السير توماس آرنولد وسنه يومئذ اثنتان وثلاثون سنة في عام 1905م، فقد ركب إقبال سفينة في بومباي قاصداً إنجلترا، والتحق بجامعة كمبردج لدراسة الفلسفة، وتتلمذ للأستاذ الدكتور ميكتاكرت، ونال من هذه الجامعة درجة في فلسفة الأخلاق، ثم سافر إقبال إلى ألمانيا فتعلم الألمانية في زمن قليل، والتحق بجامعة ميونيخ وكتب رسالته للدكتوراة في الفلسفة بعنوان "تطور ما وراء الطبيعة في فارس" ، وهو أول كتاب في الفلسفة عرف الناس به مقدرة إقبال على النظر والبحث وسعة الاطلاع في الفلسفة، وأهدى الكتاب إلى أستاذه توماس آرنولد ونشره في لندن . ثم عاد إقبال إلى لندن، فدرس القانون وحاز إجازة المحاماة، والتحق كذلك بمدرسة العلوم السياسية زمنا، وكان المستشرق توماس آرنولد حينئذ أستاذ العربية في جامعة لندن، واضطر إلى الانقطاع عن عمله ثلاثة أشهر، فاختار إقبال ليخلفه في عمله بالتدريس، ولبث إقبال في أوربا زهاء ثلاث سنوات ، ولم يأل إقبال جهدا وهو في أوربا في لقاء العلماء وتداول الرأي معهم في القضايا العلمية والفكرية، وكان كثير التحدث عن الإسلام وثقافته وحضارته، وألقي محاضرات في الإسلام نشرتها الصحف الكبيرة، وقد دلت آراؤه وشعره بعد ذلك على أنه لم يعجب بحضارة أوربا، بل رآها حضارة زائفة . عودته إلى أرض الوطن واشتغاله بالمحاماة: عاد إقبال إلى الوطن في سنة 1908م، ومن دواعي العجب أن كل هذا النجاح حصل لهذا النابغة وهو لم يتجاوز اثنين وثلاثين عاما من عمره، وأقام أصدقاؤه والمعجبون بعبقريته حفلة تكريم كبير للشاعر الفيلسوف والخبير الاقتصادي والسياسي الحاذق في عدة لغات . وبعد أن نال إقبال إجازة المحاماة في لندن قرر أن يعمل في لاهور محاميا لخدمة الحق والعدالة، وبلغ أعلى الدرجات في المحاماة بفضل ذكائه وعلمه وبيانه وخلقه، وأنه كان لا يقبل قضية حتى يعلم أن وكيله محق في القضية التي يوكله فيها، وأنه يستطيع أن يأخذ له حقه، وقد دام على المحاماة حتى سنة 1934م قبل وفاته بأربع سنوات إذ اضطره المرض إلى تركها . ولكن لم يكن هواه في المحاماة، فكان يقضي أكثر أوقاته وجل همه في تأليف الكتب وقرض الشعر، وكان يحضر حفلات جمعية "حماية الإسلام" السنوية وينشد فيها قصائده، ومنها "العتاب والشكوى" التي اشتكي فيها إلى الله على لسان المسلمين لما حل بهم، وذكر أعمال المسلمين الخالدة في سبيل نشر الإسلام وسبيل الجهاد والإصلاح، ثم نظم قصيدة وضح فيها تقصير المسلمين وإهمالهم للدين وعدم إتقانهم أمر الدنيا، تبريرا لما جوزوا به من الخزي والهوان، وسرعان ما تغنى بهذه القصيدة الأطفال والشبان وحفظها الرجال والنساء . اهتمامه بالتعليم والتربية: كان إقبال بعد عودته من أوربا يقوم أيضا بتدريس الفلسفة والأدب العربي واللغة الإنجليزية في "كلية لاهور الحكومية" في لاهور لمدة سنة ونصف، ثم استقال منها واكتفي بالمحاماة، ولكنه لم يقطع صلته بالجامعة، فكان يعمل في مجالسها ولجانها، وقد لبث سنين عميدا لكيلة الدراسات الشرقية ورئيسا لقسم الدراسات الفلسفية، وكان ذا صلة دائمة بالكلية الإسلامية في لاهور، وكذلك كان كثير الاهتمام بالجامعة الملية في دهلي، كما عمل في مؤتمر المائدة المستديرة للنظر في إصلاح التعليم في الهند . وكان إقبال دائم الاتصال بمعاهد العلم في لاهور وغيرها من المدن الهندية، وكانت الجامعات تدعوه إلى زيارتها وإلقاء المحاضرات فيها، فمنها ست محاضرات سميت "إصلاح الأفكار الدينية في الإسلام" . ومن محاضراته القيمة محاضرة ألقاها في الجامعة الإسلامية في دهلي موضوعها "السفر من لندن إلى قرطبة" فرأى السامعون كيف اجتمع عقل إقبال وقلبه وعلمه وأدبه على الإعجاب بآثار العرب في الأندلس والإشادة بها ، واحتفل به المسؤولون في الجامعة الإسلامية، وتكلم بعضهم في الإشادة بأدبه، وكان ممن تكلم مولانا أسلم جيراجبوري فقال: "قرأت الشعر بالعربية والفارسية والأردية، ولا حرج علي أن أقول إن إقبال أعظم شعراء المسلمين، إن كلامه ليفيض بالحقائق الإسلامية، ولقد هدى ناشئتنا سواء السبيل، إن اقبال حذق علوم الغرب، ثم أبلغ المسلمين الرسالة التي بصرتهم بحقيقة الإسلام وعظمته، وملأت قلوب الشباب الغافل بحب القرآن الكريم وحب الرسول صلى الله عليه وسلم" وقد منحت جامعة عليكرة وجامعة إله آباد إقبال لقب "دكتور" لإقبال تقديراً لمكانته واعترافا بفضله في خدمة العلم . مشاركته في السياسة: فلسفة إقبال في السياسة فلسفة أمل وعمل، وجهاد وإقدام، ودعوة وعزة، وكرامة وحرية، فهي عون للأمم المجاهدة لحريتها وكرامتها، تبعث فيها النور والنار. وقد وجه إقبال دعوته إلى البشرية عامة والمسلمين خاصة، وأخذ من التاريخ الإسلامي أمثلة لفلسفته وصوراً لشعره، فقد كان شعر إقبال ولا يزال أناشيد مسلمي الهند المجاهدين، أشعل في نفوسهم ثورة على سلطان الإنجليز، وقد شارك إقبال في سياسة بلاده بأقواله وأفعاله، ورأس مجامع سياسة، وكان عماداً قويا لحزب الرابطة الإسلامية . وألح عليه أصدقاؤه سنة 1926م أن يرشح نفسه في انتخاب الجمعية التشريعية في بنجاب، فأيده الناس وانتخب بغير عناء، ولا تزال خطبه في هذه الجمعية شاهدة بعمله فيها، ودعا الناس إلى الاتحاد لخلاص البلاد من الاستعمار والتأخر . دعوته إلى إنشاء دولة باكستان: كذلك عمل إقبال في حزب الرابطة الإسلامية الذي كان محمد علي جناح الملقب بالقائد الأعظم رئيسا له، وكتب إقبال إليه في سنة 1937م فقال له فيما قال: "إن خير وسيلة إلى السلام في الهند في هذه الأحوال أن تقسم البلاد على قواعد جنسية ودينية ولغوية، وأن المسلمين والهنادكة لا يمكن أن يسيروا في قافلة واحدة إذ لا يمكن أن يجتمع الكفر والإسلام" . وتحدث إقبال ذات مرة للعلامة أبي الحسن الندوي في سنة 1937م قبل إنشاء باكستان فقال: "إن أمة لا تملك أرضا تستند إليها لا دين لها ولا حضارة، فإنما الدين والحضارة بالحكومة والقوة، وإن إنشاء باكستان هو الحل الوحيد للمشاكل التي يواجهها المسلمون في هذه القارة الهندية، وهي الحل الوحيد للمشكلة الاقتصادية، وأشار إلى نظام الزكاة وبيت المال في الإسلام" . فكان إقبال أول من دعا إلى تقسيم الهند بأن يكون للمسلمين بها موطن يخصهم، وللهنادكة موطن يخصهم وقبل مشروع إقبال في سنة 1940م ونادى به محمد علي جناح وجاهد من أجله حتى قامت دولة باكستان الإسلامية في سنة 1947م . وكان إقبال مثل كل المفكرين، كثير التفكير، قليل الكلام، وكان سكوته وقوداً لما يعتلج في نفسه من أمور ينفثها شعرأ وحكما، وكان أمر المسلمين شغله الشاغل، ووضعهم يؤلمه ويعذبه، وقد أدرك بسداد رأيه الخطر الذي يهدد مسلمي الهند فأيقظ المسلمين وحذرهم . ورأى إقبال أن المسلمين في حاجة إلى دراسة دينهم دراسة علمية لكي يستطيعوا الوقوف أمام الدعايات المعادية ولذلك أسس "المجمع العلمي الإسلامي للأبحاث" وضم إليه فريقا كبيرا من الزعماء والعلماء المرموقين، وكان يرمي من وراء ذلك إلى إيجاد حركة إسلامية علمية تقوم على طريقة البحث العلمي الحديث لمقاومة التيارات المعادية التي تكالبت على الإسلام والمسلمين، وهذه ناحية من نواحي إشعاع إقبال في العالم الإسلامي . وهكذا خدم إقبال بلاده عن طريق الشعر والعلم وعن طريق المحاماة والسياسة، بل نجح في تأثيره في الرأي العام حتى أصبحت للمسلمين في شبه القارة الهندية دولة مستقلة ذات سيادة كباكستان الإسلامية. دعوته إلى اتحاد العالم الإسلامي العلامة إقبال الذي طالب بتقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين: دولة للمسلمين باسم "دولة باكستان" ودولة للهنود باسم "دولة الهند" ، وذلك لاختلاف الدين بين المجوعتين وأسباب أخرى، هو نفس إقبال الذي كان يدعو دائما في شعره وخطبه وكتاباته إلى اتحاد العالم الإسلامي، إيمانا منه بقوله تعالى: ﴿واعتصوا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ . وكان إقبال حريصا على نشر هذه الدعوة، ولذلك فإنه عندما سمع بوجود أحد كبار علماء الإسلام سماحة الشيخ مبشر الطرازي الحسيني في مدينة دهلي للعلاج من مرض ألم به لدى أحد مشاهير الأطباء المسلمين في الهند الدكتور مختار الإنصاري، فإن إقبال سافر من لاهور إلى دهلي لمقابلة سماحة الطرازي، وناقش معه بعض المسائل الهامة التي تتعلق بالشؤون الإسلامية، وطلب منه أن يلقي محاضرة بعنوان "وجوب اتحاد العالم الإسلامي" في الاحتفال السنوي لجمعية حماية الإسلام في لاهور، وقبل سماحته الدعوة، وكان ذلك في سنة 1354هـ (1936م)، ثم استمرت المكاتبات الودية بين العلامة إقبال وسماحة الطرازي لخير الإسلام والمسلمين، إلى أن توفي إقبال في سنة 1938م رحمه الله. ولكن جهود العلامة إقبال في سبيل نشر هذه الفكرة الإسلامية تركت آثارا طيبة في نفوس المسلمين في شبه القارة الهندية، فزاد تمسك المسلمين بها بعد قيام دولة باكستان الإسلامية. ففي سنة 1964م (1384هـ) نشرت مجلة "منبر الإسلام" ’ بالقاهرة حديثاً لسفير باكستان حول إمكانية الاتحاد الإسلامي، فكتب سماحة الطرازي ـ معلقا علي ذلك ـ مقالا تحت عنوان "نحو الاتحاد الاسلامي" ومما جاء فيه قوله: "اطلعت في "منبر الإسلام" على حديث لمعالي سميع الله خان سفير باكستان في القاهرة، وفي ضمنه جواب من معاليه لسؤال: "هل يمكن قيام وحدة بين شعوب العالم الاسلامي وكيف يتحقق ذلك؟" ويبدأ معاليه بقوله: "إن مما لاشك فيه أن باكستان تطالب بالوحدة الإسلامية، كما يطلبها الدين الإسلامي.. الخ " . "أقول: إن معالى سفير باكستان قد أعرب في جوابه هذا (لهذا السؤال الخطير الذي يهم المسلمين جميعا) عن صميم الوعي القومي في دولة باكستان الإسلامية، وبتعبير آخر قد أعرب عما يريده الشعب المسلم الباكستاني الذي عرف بنزعاته نحو السياسة التي رسمها الدين الإسلامي في تعاليمه القدسية، سواء كانت في الشؤون الاجتماعية أم في المجالات الدولية، وباعتصامه بحبل الله المتين، وتمسكه بسنة رسوله الأمين سيدنا محمد —صلى الله عليه وسلم. ولا أقول هذا إلا عن معرفة وممارسة، فقد جمعني تاريخ حياتي بهذا الشعب المسلم عدة مرات (قبل استقلال شبه القارة الهندية وتقسيمها إلى الهند وباكستان) وكان أولها سنة 1350هـ عند مروري بهذه القارة العظيمة في وفد من قبل المغفور له جلالة الملك نادر شاه ملك إفغانستان موفدا إلى المغفور له جلالة الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية لعقد أول معاهدة الصداقة بين البلدين. وآخرها سنة 1354هـ (1936م) حينما كنت في دهلي (عاصمة الهند) تحت العلاج لمرض ألم بي، وفي أثناء إلقاء الكلمات في حفلات التكريم لي في جمعية علماء الهند وبعض الجامعات والهيئات الإسلامية، وفي المقابلات مع كبار الشخصيات منهم: مولانا كفاية الله (مفتي الهند الأكبر)، ومولانا سعيد أحمد (سحبان الهند)، ومولانا حسين أحمد المدني، وبعض أعضاء جمعية مسلم ليك — رحمهم الله—، علمت مدي اهتمام زعماء هذه القارة وعامة المسلمين فيها بالعلاقات الودية مع الشعوب العربية والإسلامية، فقد كانوا يقدسون الأخوة الإسلامية ويقدرون حقوقها، ويميلون كل الميل نحو اتحاد المسلمين في قضايا العروبة والإسلام، ويعتقدون أن تحررهم من الاستعمار البريطاني ونيلهم الاستقلال وتقرير المصير الذي كانوا ينشدونه إنما يتيسر لهم في ظل الأخوة الإسلامية واتحاد المسلمين، وكان ذلك إيمانا منهم بقول الله عزوجل: ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ وقوله: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ وقوله: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ وقوله: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ وكذلك اعتقادا منهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاضدهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وبقوله "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" . وقد وجه إلي الأستاذ هلال أحمد زبيري مدير جريدة "الجمعية" في دهلي أسئلة علي رأسها سؤال يقول: ما علاج فاجعة الإسلام؟ (يريد الاستعمار ومشاكله) فقلت: الأخوة والاتحاد، مع شرح الجواب، فقابل الجواب كل تأييد وترحيب من قبل رجال المجتمع الإسلامي في شبه القارة الهندية حتى إن الدكتور إقبال فيلسوف باكستان حضر من لاهور إلى دهلي بعد مطالعة جوابي، وقابلني ورحب بالفكرة، ودعاني لإلقاء محاضرة في موضوع "وجوب اتحاد العالم الإسلامي" في المؤتمر السنوي لجمعية "حماية الإسلام" بلاهور التي كان يرأسها، ثم وجهت إلي الدعوة من قبل نفس الجمعية ونشرت في الصحف، وقد تم إلقاء المحاضرة في حديقة حبيب الله هال بلاهور وكان عدد الحاضرين بين سبعة أو ثمانية آلاف مسلم، حضروا المؤتمر السنوي من جميع أقطار شبه القارة الهندية، وقد ترجمت المحاضرة من العربية إلى الأردية وطبعت ونشرت غير مرة في أقطار الهند، وتوجد نسخة من هذه المحاضرة في دار الكتب المصرية، وفي أثناء إقامتي في قصر النواب نياز علي خان عضو الشرف لهذه الجمعية، حضر لمقابلتي مولانا ظفر علي خان رحمه الله مدير جريدة "زميندار" أكبر جريدة في تلك القارة وطلب مني أن أملي عليه بيانا موجها في موضوع (الاتحاد والتكتل) إلى عامة المسلمين في أقطار الهند، وقد نشر بعنوان "علامة طرازي كا بيغام، مسلمانان هند كي نام" أي رسالة العلامة الطرازي إلى مسلمي الهند. "وأريد أن أقول: إن هذا وذاك كله يدل علي أن الشعب المسلم الذي نال استقلاله وقرر مصيره بتأسيس دولة باكستان الإسلامية سنة 1947م والذي يزيد عدده على خمسة وسبعين مليونا من المسلمين، يريدون تطبيق تعليمات الدين الإسلامي شؤون حياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية، ويرحبون بالاتحاد الإسلامي الذي يضم المسلمين عربا وعجما، ومما يذكر هنا أن المغفور له محمد علي جناح مؤسس دولة باكستان كان من الداعين إلى الاتحاد الإسلامي، وكان من كبار أعضاء الرابطة الإسلامية التي أسسها الزعيم الكبير مولانا محمد علي رحمه الله لهذا الغرض المقدس" . "نعم ـ إن الاتحاد الإسلامي بين شعوب المسلمين ممكن كل الإمكان وذلك على أساس الأخوة الإسلامية وسياسة السلف الصالحين رضي الله عنهم أجمعين، وقد أثبت هذا الإمكان الأستاذ محمد حسن أعظمي عميد كلية اللغة العربية بكراتشي في كتابه "الوحدة في الشرق" ونقل جانبا من محاضراتي آنفة الذكر من الصفحة 46 ـ 50 وذلك للاستشهاد ضد المخالفين" . ثم قال سماحة الطرازي في ختام مقاله الطويل: "ونحن نسأل الله العلي القدير أن يوفق فخامة الرئيس محمد أيوب خان الباكستان وجميع ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية بتأدية الواجب نحو الاتحاد الإسلامي ﴿وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون﴾ . دفاعه عن أمجاد الاسلام في أواخر الأعوام العشرين الأولي من القرن العشرين ماجت شبه القارة الهندية الإسلامية بتيارين فكريين متلاطمين، وكانت غاية التيار الأول أن يأخذ المسلمون بحضارة الغرب في مظاهرها العلمية والروحية والسياسة، مسايرة منهم لمن ينطلقون في سبيلهم قدما، أما التيار الثاني فكان بخالف الغرب، داعيا المسلمين إلى الاعتصام بدينهم وحده لعلهم يفلحون، فان فيه غني لهم عن كل ماقد يرد عليهم من أباطيل الغرب وأضاليله. وفي مثل هذا المعترك الفكري الروحي، قضي إقبال الشطر الثاني من حياتة التي امتدت بين عام 1877 و عام 1938م، وأما الشطر الأول منها فأخبط فيه ببيئة سيطرت عليها الثفافة الإسلامية والهندوكية والانجليزية (44). وخلاصة رأي إقبال في صلة المسلمين بالعرب كما وردت في كتاب له بالإنجليزية عنوانه ‘‘إعادة تشكيل الفكر الديني في الإسلام ’’ (45): أن أظهر مظهر في التاريخ الحديث هو اندفاع المسلمين اندفاعا فكريا وثقافيا نحو الغرب، ولن يعد هذا من الخطأ، لأن التقدم الحضاري في جانبه الفكري عند الأوريين ليس إلا تتمة لتطور بعض مظاهره الهامة عند المسلمين، ولكن أخوف مانخاف أن يبهرنا بريق سطحي للحضارة ويضلنا عن لبابها ويصدنا عن حقيقتها (46). وقد قام عدد من العلماء والمفكرين في شبه القارة الهندية كالشيخ محمد علي جوهر والشيخ أبي الأعلي المودودي والدكتور محمد أقبال، بدراسة الحضارة الغربية ومشاكل العصر، وعرفوا محاسن الحضارة المعاصرة ومساوئها، وحللوها تحليلا علميا، فتركوا تأثيرا في الفكر الإسلامي المعاصر، ولكن العالم العربي لم يطلع علي أفكار هؤلاء القادة والمفكرين إلا بعد مدة من الزمن، بعد مانقلت أفكارهم إلى اللغة العربية، وكانت الضربة الأولي علي الحضارة الغربية من الدكتور محمد إقبال الذي كان أشده بأسا وأكثرهم حماسة لأنه لم يكن مدافعا أو ناقدا سلبيا للحضارة الغربية، أو موافقا بين الإسلام والحضارة الغربية، وإنما كان داعيا إلى حضارة الإسلام العريقة، وكان ينوح علي المجد التليد للأمة الإسلامية ويشكو بؤسها وشقاءها وبطش أوربا، وكان يحلل أسباب الانحطاط، ويدعو إلى إنعاش روح الإيمان في المسلمين(47). وقد جمع إقبال بين الفكر و العقل والعاطفة والقلب والعلم الصحيح، فكان هائما بسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم، وأصحابه البررة وأبطال الإسلام، فألهب الضمائر وأشعر القلوب بذكرهم، والدعوة إلى الاقتداء بهم، وبعث روح الاستعلاء والاعتزاز بنعمة الإسلام في قلوب المسلمين، وكان لحديثه عن كل ذلك في الشعر لون جديد لا يوجد له التطير في اللغة الأردية وفي اللغات المعاصرة، فيقول إقبال ما معناه: "إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار، ويساير الركب البشري حيث اتجه وسار، بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدنية ويفرض علي البشرية اتجاهه، ويملي عليها إرادته لأنه صاحب الرسالة، وصاحب العلم واليقين، ولأنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه، فليس مقامه مقام التقليد والاتباع وإنما مقامه مقام القيادة والتوجيه"(48). وكان إقبال معتزا بتراث الإسلام وحضارته وتاريخه وما خلده أعلام الإسلام من علوم، وما أبدعوا من فنون وروائع الفكر، وكان ينظر إلى التاريخ الإسلامي نظرة احترام وتمجيد لا استهانة ونقد، كما فعل بعض الكتاب، ولم يكن يدعو إلى تقليد أوربا بل كان يدعو إلى إحياء التاريخ الإسلامي ويمجد دور الأوائل من حملة الإسلام ويتغنى بما فعله هؤلاء الأوائل، ومع ذلك كان يدعو إلى الأخذ من العلوم العصرية ما يلائم طبيعة هذه الأمة والنبوغ فيها. لأن الإيمان بالله والاقتباس من أثر الرسول—صلى الله عليه وسلم— والاعتزاز بتاريخ الإسلام، والإيمان بسداده وصلاحيته للقيادة في هذا العصر، وإبراز الشخصية الإسلامية، واستعادة الأصالة والذاتية، يشكل معالم الطريق إلى استعادة المجد للمسلمين. لقد عاش إقبال مدة حياته في حب الرسول—صلى الله عليه وسلم— والأشواق إلى مدينته المباركة، وتغنى بهما في شعره الخالد، وفي آخر حياته كلما ذكرت المدينة المنورة فاضت عيناه وانهمرتا بالدموع، وقد قال شعرا كثيرا في مكة المكرمة والمدينة المنورة منبع الإسلام. نبوغه في الشعر وشهرته العالمية اهتمامه بالشعر: كان إقبال وهو طالب في المدرسة ينظم الشعر، ويزداد على مر الأيام إحسانا فيه، وكان يرسل بين الحين والحين شعره إلى الشاعر "داغ" ، أحد الشعراء الأرديين، ونظر الشاعر الكبير في قصائد الشاعر إقبال الشادي، ثم كتب إليه أن لا ترسل إلي شعرك فإنه لا يحتاج إلى تنقيح، وعاش داغ حتى ذاع صيت إقبال وبلغ في الشعر ما بلغ، فكان الشاعر الكبير داغ يفخر بأنه نقح شعر إقبال في صباه . ثم تخرج إقبال من الجامعة ودوّى صوته في محافل الأدب، تنشد قصائده، وحرصت الصحف على نشر شعره وقد أيقن الشعراء والعلماء في الهند أن لهذا الشاب شأنا عظيما. وإن أول قصائده الرنانة التي ألقيت في جمع حاشد كانت قصيدته التي أنشدها في الحفل السنوي "لجمعية حماية الإسلام" في لاهور سنة 1899م وعنوانها "أنين يتيم" وبعد ذلك نشرت قصائده في الصحف في موضوعات اجتماعية وسياسية بالإضافة إلى ترجمة قصائد إنجليزية قام بترجمتها . ومن قصائد إقبال قصيدة بديعة نظمها عندما كان طالبا بالجامعة بعنوان "جبل همالايا" وهي فارسية التركيب إنجليزية الأفكار، ونشرها الأستاذ عبد القادر في مجلته "مخزن" سنة 1901م، ثم نظم عدة قصائد أدبية كان لها دويّ في أندية الشعر والأدب وجذبت الأنظار نحو الشاعر الشاب المبدع . بعد الحرب البلقانية: ثم نشبت الحرب البلقانية والطرابلسية سنة 1910م، فكان لها في نفسية الشاعر أعمق أثر، وجرحت عواطفه وقلبه فهاج خاطره وجعلت منه عدوا لدودا للحضارة الغربية، وأملاه حزنه قصائد كلها دموع حارة في سبيل المسلمين، وسهام مسمومة في صدور الأوربيين، وتتجلى هذه الروح في جميع ما نظم وقال في هذه الفترة، فمن قصائده "البلاد الإسلامية" وهي رد على فكرة القومية ودعوة إلى الجامعة الإسلامية و" يا هلال العيد" و" المسلم" و" فاطمة بنت عبد الله" شهيدة جهاد طرابلس، و" محاصرة أدرنة" و" الصديق" و" بلال" و" الحضارة الحديثة" و" الدين" و" شكوى إلى الرسول" يشكو حال الأمة الإسلامية . بعد البركان الأوربي سنة 1914م: ثم انفجر البركان الأوربي سنة 1914م، وحدث ما حدث فانقلب الشاعر داعيا مجاهدا، وحكيما فيلسوفا، ينظم الحكم، ويشب من حماسته نيرانا، ويفجر بإيمانه وثقته أنهارا، وجاش صدره وفاض خاطره وسالت قريحته، وفي تلك المدة نظم غُرّ قصائده، منها: "الشاعر والتجوال في الصحراء" و" الحياة" و" الحكومة" و" الرأسمالية" و" الأخير" و" عالم الإسلام" و" طلوع الإسلام" وكلها آية من الشعر والحكمة والحماسة وحقائق الحياة، وأما "طلوع الإسلام" فهي بيت القصيدة في شعره لا يوجد لها نظير في الشعر الإسلامي في القوة والانسجام. وقد طبع سنة 1924م أول مجموعة شعرية باسم "بانك درا" يعني جرس القافلة، فكان اهتمام الناس به عظيما، وحظي من القبول ما لم يحظ شاعر، وأعيد طبعه مرارا بعدد كبير . آثاره الأدبية ودواوينه الشعرية: ثم بدأ العهد الأخير في حياة العلامة إقبال، ورغم إصابته بمرض القلب في السنوات الباقية من عمره فنراه قويا بإيمانه بالله، وتمسكه بتعاليم الإسلام، وقد ازداد فكره نضجا، وأفق معارفه اتساعا، وانتظمت دعوته، واتضحت رسالته، وكثرت أعماله الأدبية الفكرية، وبذلك قدم للأدب الإسلامي خدمات جليلة. ونشرت له عدة كتب فارسية، وقد آثر إقبال اللغة الفارسية لشعره لأنها أوسع من الأردية، وهي اللغة الإسلامية التي تلي اللغة العربية في الأهمية والانتشار في العالم الإسلامي، ويتكلم بها قطران مهمان" : إيران وأفغانستان، ويفهمهما أهل الهند، وأهل تركستان وبخارى وتركيا، ونشر مجموعتين بالأردية. وأما الدواوين باللغة الفارسية فهي "أسرار خودي" يعني "أسرار معرفة الذات" و" رموز بيخودي" يعني "أسرار فناء الذات" و" بيام مشرق" يعني "رسالة الشرق" في جواب كتاب جوتة "تحية الغرب" و" زبور عجم" و" جاويد نامة" و" بس جه بايد كرد أي أقوام شرق؟" يعني (ماذا ينبغي أن تعمله الشعوب الشرقية؟" و" مسافر" و" أرمغان حجاز" يعني "هدية الحجاز" وكذلك باللغة الأردية "بال جبريل" يعني "جناح جبريل" و" ضرب كليم" يعني "ضرب موسى" . وهناك محاضرات ألقاها في مدينة "مدراس" الهندية طبعت فيما بعد على شكل كتاب باسم The Reconstruction of Religious Thought in Islam ومحاضرات ألقاها في جامعة كمبردج، وقد اعتنى بهذه المحاضرات المستشرقون وعلماء الفلسفة والدين اعتناء عظيما، وعلقوا عليها أهمية كبيرة، وترجم أكثر كتبه إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية، وممن تولى هذا النقل الأستاذ الإنجليزي الشهير الدكتور نكلسن، فترجم إلى الإنجليزية "أسرار خودي" و" رموز بيخودي" وألفت في ألمانيا وإيطاليا مجامع وهيئات باسمه لدرس شعره وفلسفته. وجاءته الدعوة من لندن ومن حكومة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، فزار القطرين الأخيرين، وألقى في مدريد محاضرات في الفن الإسلامي، وزار مسجد قرطبة، وصلى فيه لأول مرة في التاريخ بعد جلاء المسلمين، وذرف على تربته دموعا غزارا، وتذكر العرب الأولين الذين حكموا هذه الأرض ثمانية قرون، واستنشق في جوه وهوائه أريج حضاراتهم، وشعر كأن المسجد العظيم يشكو إليه حرمانه من سجود المؤمنين، وجوّ قرطبة يشكو إليه بعد عهده من الأذان وظمأه إلى ذلك، فقال الشعر الرقيق الذي يعدّ من القطع الأدبية الخالدة، ونظم قصيدة من أبدع قصائده . دور إقبال في توجيه الأدب العالمي: وكان إقبال بعد أن علم ما علم، ورأى ما رأى في الهند وأوربا يتنازعه طريقان في الحياة، طريق العمل وطريق الفكر، وبدا له حينا أن يهجر الشعر، ولكن صديقه السيد عبد القادر وأستاذه توماس آرنولد نصاحاه أن يستمر على نظم الشعر، وما كان أعظمها خسارة للأدب الإسلامي وأدب العالم كله لو هجر إقبال الشعر فلم يخرج للناس دواوينه التسعة . ويقول العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي عن دور إقبال في توجيه الأدب بأنه قد جمع في أدبه بين دراسات دقيقة شاملة جامعة للفلسفة الحديثة والقديمة، وأن رسالته كانت أدبية عالمية، فكان لسان الأدب والشعر، وأن إقبال أنشأ مدرسة جديدة في الشعر فأثر في التركيب الشعري والأدبي وامتد تأثيره للأخيلة والمعاني الجديدة، وأنه خدم الإسلام والإنسانية خدمة لا يجاريه فيها في مجال الأدب أحد، كما أثر في الجيل المثقف الجديد في شبه القارة الهندية بدور فريد لا يعرف لأحد من أقطاب الفكر ومن نوابغ هذا العصر الحديث . ولقد اشتهر إقبال في الشرق والغرب منذ شبابه، وطار صيته في الآفاق حيثما حلق شعره الذي ترجم إلى لغات كثيرة، كما كتب عنه كثير من المفكرين أشياء كثيرة، ولكن إقبال لم يكن شاعرا أديبا فحسب بل كان عالما صالحا، ومفكرا حكيما، وحقوقيا بارعا، وزعيما سياسيا مرموقا، فنواحيه إذن عديدة، ولذلك أصبحت جوانب من حياته مواضيع للحصول على درجات الماجستير والدكتوراة . من قصائد الشعراء في إقبال: وهناك كثير من الشعراء في العالم الإسلامي من العرب وغيرهم قالوا قصائد رائعة في إقبال في مناسبات مختلفة، فمن هؤلاء على سبيل المثال الشاعر الأديب والمؤرخ الجليل المرحوم الأستاذ محمد عبد الغني حسن، وقد جاء في قصيدته بعنوان "محمد إقبال شاعر القوة في الحياة" : أيها المسلم القوي النـضـال أيــها الشاعر الرفيع المثـال يا أخا الحق يا أبـا الإقبـال لـك مـا تحيـة الإسـلام كنت صوتـا للمسلمين قويـا مـلأ الأرض رجـفة ودويـا وبيانا عذبا، وشعـرا وضيـئا سائغـا في العقول والأفهـام هاهنـا، هاهنا محبـوك جاءوا تشهد الأرض جمعهم والسماء جمـع الحب بينهم والوفــاء إنمـا الحب قـوة في الأنـام سماحة الشيخ الندوي يعبر عن إعجابه: يعبر سماحة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي عن إعجابه الشديد بشعر إقبال بقوله: "إن أسباب الإعجاب بشعر إقبال كثيرة، وللمعجبين به أن يتحدثوا عن أسباب إعجابهم، وهي ترجع في الغالب إلى موافقة الهوى والتعبير عن النفس، فالإنسان إنما يحب نفسه، ويطوف حولها، ويعيش فيها ويحب كل ما وافق نفسه، وترجم عن ضميره، ولا أبرئ نفسي فربما أحببت شعر إقبال لأني رأيته يوافق هواي، ويعبر عن ضميري وخواطري، وينسجم مع عقيدتي وتفكيري، ويتناغم مع عاطفتي ومشاعري. إن أعظم ما حملني على الإعجاب بشعره هو: الطموح والحب والإيمان، وقد تجلى هذا المزيج الجميل في شعره وفي رسالته أعظم ما تجلى في شعر معاصر، ورأيت نفسي قد طبعت على الطموح والحب والإيمان، وهي تندفع اندفاعا قويا إلى كل أدب ورسالة يبعثان الطموح وسمو النفس وبعد النظر والحرص على سيادة الإسلام وتسخير هذا الكون لصالحه، والسيطرة على النفس والآفاق، ويغذيان الحب والعاطفة، ويبعثان الإيمان بالله والإيمان بمحمد —صلى الله عليه وسلم— وبعبقرية سيرته وخلود رسالته وعموم إمامته للأجيال البشرية كلها. إنني أحببت وشغلت به كشاعر له عقيدة ودعوة ورسالة، وكأعظم ثائر على هذه الحضارة الغربية المادية، وأعظم ناقد لها وحاقد عليها، وكداعية إلى المجد الإسلامي وسيادة المسلم، ومن أكبر المحاربين للوطنية والقومية الضيقتين، وأعظم الدعاة إلى النزعة الإنسانية والجامعة الإسلامية . ثم يقول سماحة الشيخ الندوي: إن جل ما أعتقده أن إقبال شاعر أنطقه الله ببعض الحكم والحقائق في هذا العصر، أنطقه الله كما أنطق الشعراء والحكماء قبل عصره، إنني أعتقد أنه كان صاحب فكرة واضحة، وعقيدة راسخة عن خلود الرسالة المحمدية وعمومها، عن خلود هذه الأمة وصلاحيتها للبقاء والازدهار، وعن كرامة المسلم وأنه خلق ليقود ويسود، وعن تهافت المبادئ والفلسفات والدعوات التي ظهرت في هذا العصر كالقومية والشيوعية والرأسمالية، ووجدت في نفسي من وضوح الفكرة وشدة الاقتناع بها، والتحمس لها، والشجاعة في نشرها، وأخيرا لا آخرا وجدته شاعر الطموح والحب والإيمان، وأشهد على نفسي أني كلما قرأت شعره حاش خاطري وثارت عواطفي، وشعرت بدبيب المعاني والأحاسيس في نفسي وبحركة الحماسة الإسلامية في عروقي، وتلك قيمة شعره وأدبه في نظري. مرضه ووفاته رحمه الله: في سنة 1935م توفيت زوجة إقبال، شريكة حياته، الزوجة الصالحة التي قاسمته كفاحه وآلامه، فأحزنه موتها كثيرا، ثم أصيب بعلة القلب التي استمرت تنقص من قوة جسمه تدريجا، ولكنها لا تنال من عقله وروحه شيئا، فلم ينقطع عن التفكير والبيان ونظم الشعر حتى الأيام الأخيرة من عمره . واشتدت عليه العلة في الشهور الأخيرة من حياته، وبلغت مبلغ الخطر حتى انتقل إلى رحمة الله في 21 نيسان (أبريل) سنة 1938م وكان عمره سبعا وستين سنة، وكان يحسّ بقرب أجله ويذكره غير هائب ولا جازع، وقد أنشد قبل موته بنحو عشر دقائق أبياتا من الشعر منها هذا البيت: آية المؤمن أن يلقى الـردى باسم الثغـر سرورا ورضى ثم وضع يده على قلبه قائلا: الآن قد بلغ الألم إلى هنا، وحمد الله وأسلم الروح إلى خالقها وهو مبتسم. رحمه الله نماذج من شعر إقبال في فلسفة الحياة والموت دوافع فلسفة الحياة والموت: لكل فكرة تخطر على بال أي إنسان دوافع، وما هي بواعث فلسفة الحياة والموت عند "إقبال" وما هي الدوافع التي أشعلت هذه الفلسفة، فجعلتها ملتهبة كالنار، قوية كالسيول الجارفة، نابضة بالحيوية والخلود، ناطقة بالأمل والتفاؤل؟ لقد نظر "إقبال" حوله فرأى المسلمين يرتعون في بيداء الجهالة، ويضربون في فيافي الغفلة، والإسلام الناصع القوي أصبح عنوان الذلة والفقر والضياع، وصار المسلمون محكومين أذلاء بعد أن كانوا حاكمين كرماء. ترى ما هو الداء الذي نخر في أجساد الأمة الإسلامية فأورثها سوء المآل؟ كان أول داء وقعت عين "إقبال" عليه عند المسلمين هو "الخوف من الموت والحرص على الحياة" بعد أن تمزقت صفوفهم وتفرق شملهم، فيرى أنه يجب عليهم أن يعودوا إلى "ذاتهم" لأنها مصدر الحركة والعمل ومصدر النور والحياة، ومركز الإنسانية ومدار الخلود، ويجب عليهم أن يقوّوها ويدعموها وينفوا عنها الخوف والجبن والحرص والغبى، ويردوها إلى الطريق الحق، لأن الذات هي الأصل ومنها البداية، وإهمال الذات هو عين الجهل وأسّ البلاء . والداء الثاني الذي أصيب به المسلمون هو "فساد العقيدة" فيجب عليهم أن يتمسكوا بتعاليم الإسلام الصحيحة، وبدون ذلك لا قيمة لهم في الحياة الدنيا والحياة الآخرة. والداء الثالث هو أن المسلمين إذا صدمتهم الحقيقة المرة فإنهم بدلا من أن ينفضوا عن كاهلهم غبار التقاعس والكسل ويقفزوا من جديد إلى سلم الكفاح والمجد فإنهم يقولون: وماذا نعمل؟ هذا قضاء الله وقَدَره وما باليد حيلة، وليس علينا إلا الاستسلام لأمر الله! هكذا يقولون لأنفسهم دون أن يأخذوا للأمر عُدته، كي يهزموا صعوبات الحياة، ويتغلبوا على عقباتها، حتى يصلوا إلى المرتبة الكريمة التي أرادها الله لهم. والداء الرابع هو أن المسلمين ينظرون إلى ما يعتريهم من آلام ويكتنف حياتهم من نكبات، على أنه عنوان للحظ المنحوس وسوء الطالع، ويحسبون أن الحياة السهلة والنعمة السخية هي الدليل الأوحد على رضا الله ورحمته بهم، لقد أغمض المسلمون عيونهم عن منابع دينهم الأولى، ونسوا أن الله قد يختار أقواما لابتلائه حتى يرى ماذا سيكون من شأنهم حينما تدلهم الخطوب، ونسوا أن المؤمن الحق يشكر النعماء ويحمد الله على الضراء، ويظل يعمل ويكافح حتى يخرج من محنته، وقد ازداد معدنه نفاسة، وجوهره قيمة وقدرا . وشاعرنا الفيلسوف "إقبال" يفكر في فلسفة الحياة والموت من هذه الزوايا المختلفة، ويبين أسباب الحالة التي عليها المسلمون، ثم يوضح الطرق التي توصلهم إلى المجد والرفعة، وإلى العزة والسعادة. نماذج من شعره في فلسفة الحياة والموت: لقد كان شبح الموت الرهيب يبدو أمام الناس جسيما عظيما، وبقدر ما كانت جسامته وخطره فإنه كان يبدو في عين "إقبال" ضئيلا متلاشيا، لعله كان يرى أن العقبة في طريق رقي المسلمين هي مخافة الموت، ووجد أن الخوف من الموت معناه أمر واحد وهو ترجيح الذلة والعبودية على موت العزة والكرامة، فحاول أن ينتزع هذا المرض النفسي من صدور أهل الإسلام مبينا أن خوف الموت والإيمان لا يجتمعان في قلب واحد، وأن الذين تسنموا سلم المجد والشرف هم الذين حملوا رؤوسهم على أكفهم في ميدان الكفاح، لا تنخلع قلوبهم خوفا، ولا ترتعش عزائمهم جبنا، وإنما يقبلون على الموت إقبالهم على العرس، مؤمنين بالفوز في الدنيا، والسعادة بلقاء الله في الآخرة. ويذكرنا "إقبال" بأسلافنا الذين جاهدوا في سبيل الله لنشر دين الإسلام، ففتحوا الممالك وحكموا الدول، بعد أن وطئت خيولهم القلاع والحصون، وما اشتروا هذا المجد إلا بدمائهم، فهو يذكرنا بهذه الحقيقة ويقول: فوق الصوامع والكنائس صوتنا قد كان يعلو بالأذان جهـارا تترنم الصحـراء في إفريقيـا بصلاتنـا وتسابق الأطيـارا كنا نقدم للسـيوف صدورنـا لم نخش يومـا غاشما جبـارا ويصف "إقبال" ذلك المسلم الذي كان ينطلق كالسهم النافذ إلى العدو بعد أن يكبر تكبيرة الجهاد في الميدان، فيقول: ذلك المؤمـن المجاهـد يغشى غمـرة الحرب والـردى يخشاه تحت ظل السيوف ماض قوي درعــه لا إلــه إلا الله ويبين "إقبال" بعد ذلك أن الحالة قد تغيرت، وأن سنة الأقوام قد تبدلت، واستحكم الجبن في قلوب الكثيرين من المسلمين، وأصبحت وجوههم تصفر اصفرار الشمس عند الأصيل إذا ذكر الموت أو الحرب، فيقول: لم يبق في يد مسلم درع ولا سيف يصول به ليوم جهـاد ولو أنه وجد السيوف فهل له ذوق الخلود وحب الاستشهاد ويرى "إقبال" أنه إذا كان المرء مخلصا لله حق الإخلاص، وإذا كان واثقا بأن الموت ليس إلا العقبة الأولى التي يجتازها الإنسان إلى الحياة الأبدية والمتعة بلقاء الله، إذا كان الإيمان هكذا فلا محل للخوف من الموت، أما أولئك الخائفون فهم شاكون في لقاء الله وفي الخلود، ثم هم يعبدون المال، ويؤثرون الحياة الدنيا، ويظنون أن هذه الحياة المادية هي المرحلة الأخيرة للسعادة، لذلك يخشون أن يموتوا فيحرموا مما هم فيه من نعيم زائل، ويحكم "إقبال" على هؤلاء بأنهم فقراء، وأن أموالهم لا تساوي التراب، وهم على كل حال سيموتون طوعا أو كرها، فيقول: المـؤمن الحق كان الله غايتـه والله كان لديه السمع والبصرا والآن أضحى إله المال كعبتـه وخوفه الموت أفنـاه وما شعرا سيان في الشرك هذا عابد ذهبا يسعى إلى جمعه أو عابد حجرا يامؤمنـا بلقـاء الله مالك في ذعرمن الموت قد أشبهت مَن كفرا قد عاد قلبك ميتا بين أضلعه كأنه في حنايا الصدر قد قبـرا من كان يحسب أن الموت هاوية وأنه عدم يستـأصل البـشرا فنـار آمالـه ينحط عنصرها إلى التراب ويلقى الموت محتقرا ولما كان سم الموت ساريا في كل الدماء البشرية فقد حاول "إقبال" أن يوجد من السم نفسه علاجا، وكيف استطاع أن يصل بمهارة إلى استخلاص هذا الدواء الغريب؟ إنه عمد إلى تذكيرنا بأن الموت أمر محتوم، وأن لكل إنسان أجلا محدودا، وإذا كانت هذه النهاية قضاء نافذا في الخلائق فالخوف منها لا يجدي فتيلا، ومحاولة الفرار مع كونها جبنا وانحطاطا مخالفة لصواب التفكير أيضا. فالعاقل لا يفكر في النجاة من القضاء المبرم كما لا يفكر في أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض، وهو في هذه الحالة إلى الجنون أقرب، وبالمجانين أشبه. ولهذا عرض لنا "إقبال" عدة صور تمثل فناء هذا الكون، وهي صور من حوادث الطبيعة تحمل إلينا فنا بديعا في منظرها الرهيب المخيف، وتذكرنا عند مطالعتها بعوالم السماوات والأرض جميعا في طريقها إلى الانتقال أو الزوال، تعالج فينا خوف الموت وتنبهنا من غفلتنا وترفع عن أعيننا أغشية الغرور والركون إلى زهرة الدنيا وفتنتها، فيقول: تحت نور الأفلاك عيش جميل وأرى النور ينطفـي ويحول وعلى كاهل المساء ترى للشمس نعشا بكـى عليه الأصيـل في سنا البدر للكواكب أكفان توارى بها الشعـاع النحيـل بينما هذه الجبــال حصون وإذا صخرهـا كثيب مهيـل وتقيم الأمواج في البحر أبراجـا من أوجهــا الرفيــع تزول ورياح الخريف يكمن للزهـر هشيمـا وقـد طواه الذبـول ليس زاد المسافرين سوى الخوف من الموت، والحيــاة رحيـل وقد حاول "إقبال" أن يبدد من النفوس استسلامها إلى الدنيا وإخلادها إلى نعيمها الزائل، ودعانا إلى الحذر منها والاحتياط فيها، فقدم هذا التشبيه الرائع في هذه الأبيات، فيقول: مثـل الحياة كطائـر متـرنم غنـى فأرقص حولـه الأزهـارا ما كان أعـذب لحنـه لكنـه كالحلم حلـق في الفضاء وطـارا *** لا يعلم الإنسان كيف أتى إلى دنيا المتـاعب أو متى ما يرحل ما نحن في الأكوان إلا دوحة أوراقهـا عمـا قليـل تذبـل *** إن الحيـاة شرارة لم تبـتسم إلا لتجعلنـا لهـا أحطابــا في عرس دنيانـا مآتم للـردى تطوي شيوخا في البلى وشبابـا *** والمرء لم يبرح أسيرا حائـرا ما بين سر الأمس أو لغز الغد إن الحيـاة على الأنـام بخيلة بدوامها، والعـيش غير مخلـد إن الله تعالى هو المنفرد بالبقاء، وجميع العالم لا بد أن يفنى، وأن تفسير حلم الموت قد جرى في حياة الملوك والعظماء وعامة الناس، أما خلود الناس فهو من تقدير الله في الأزل، إلا أن هذا الهيكل الترابي الناقص لا بد أن يمر عليه الموت، ولا بد أن يمر الإنسان من هذا الألم المليء بالحوادث التي لم تترك صحراء ولا مدينة، ولم ينج منه بر ولا بحر، ويعبر "إقبال" عن ذلك فيقول: الرعـد والبروق والــزلازل والقحـط والآلام والنـوازل في الكوخ والقصر والصحراء والمدن المنيــعة الشمــاء وفي ريـاض البلبـل الرنـان وفي تلال البــوم والغربـان يقتحـم الموت بـجيش القـدر حصون فغفور وبطش القـيصر إذا رأيت الموج في البحر سكن فالموت كامن لإغـراق السفن لا نغم العود ولا شكوى الحزين ولا ابتسام البشر أو دمع الأنين ولا امتشاق السيف بين الدارعين ولا صدى التكبـير بين الهاتفين يعيد نبض القلب في الصدر الخراب أو يرجع النفس إذا حان الذهاب ويوضح "إقبال" أن الآلام لابد منها لتمخيض الإنسانية وعلى نيرانها تنضج الأرواح القوية، ولا يمكن الوصول إلى الأفراح إلا بعد الأحزان، والآلام هي الطريق إلى النور والدرجات العالية في معراج العظمة، والذي لم يعرف أنين المساء، والعاشق الذي حرم في هواه حسرة جواه، وقاطف الزهر الذي حافظ على يده سليمة من الشوك، والذي قضى طول عمره في البهجة والترف، لم يكدح في تحصيل علم، ولم يكد في اقتناء فن وإحياء عبقرية، فأولئك جميعا محرومون من الإحاطة بأسرار الحياة، فيقول: إن كانت الحيـاة خمرا صافيـا يغمرنا من رأسنـا إلى القـدم ففـي الدمـوع للحيـاة جدول تصفو به النفس وتنبت الهـمم والله في حكمتــه علمنــا أن انشراح الصدر قبله "ألم" *** نشيد هذا الكـون يبدو ناقصا حتى يتم الدمع ألحان النشيد ما أيقظ الشباب من سكن الهوى إلا الأسى ينبّه العقل الشريد *** آلامنـا إلى العـلا أجنحـة نعلو بها فوق مطـارات النسور الـروح سر والحيـاة ظلمـة وشعلــة الآلام للأرواح نور في خفقان القلب لحن صامت لم تحكـه على غصونها الطيـور *** إن الذي لم يدر أنات المساء ولم تسامـر عينه نجم السمـاء ولم يحطـم جام قلبـه، الأسى ولم ينـر ظلام ليلـه البـكاء والعـاشق المحروم في غرامـه من لوعة الذكرى وحسرة الجفاء ومجتني الزهر الذي لم تختضب يـداه في الشوك بحمرة الدمـاء والسادر الـلاعب طول عمـره لم يستمـع إلا إلى عذب الغنـاء جميـع هؤلاء مهمـا سعـدوا من نعم الدنيـا بأمـن ورخـاء فإن أسرار الحيــاة تختفــي عنهم، وهم عنها دواما في اختفاء ويحدثنا "إقبال" عن الظواهر الكونية بلغة ساحرة مبينا أن الربيع لا تتفتح أزهاره ولا تنضر أغصانه، ولا يبدو كل ذلك جميلا في الحدائق إلا عندما تتساقط كل الأوراق بعواصف الخريف، وتبدو الطبيعة جافة صامتة حتى يوقظها ذلك الربيع بتغريد أطياره، فظواهر الحياة تعطينا درسا بلغيا، فليس الموت إلا غروبا لشمس الروح، لم تشرق بعد ذلك في صبح الخلود الذي لا فناء بعده، فيقول: يزعـم الجاهلـون أن المنايـا مغرب فيـه للحيـاة انـقضاء أ فلـم ينظروا إلى الشمس يبدو نورهـا بعـد ما طواهـا المساء تغـرب النفس ثم يشرق صبـح فيه للنـفس بالخـلود انـقضاء ويصور "إقبال" من الطبيعة أجمل الصور وأحدث التشبيهات ليزيل اليأس المظلم بنور الأمل المشرق، وأن الحياة ماثلة في تغيرها من جميل إلى أجمل، ومن حسن إلى أحسن، ويخاطب الإنسان المسافر في رحلة الدنيا بأن موت البراعم حياة للزهور، فيقول: وتوديـع أيـام البراعـم مؤذن بخلق الزهـور البـاسمات جمالا ومصنع هذا الكون بالخلق دائر فإني أرى فيه السكـون محالا وليس سوى التغيير في الكون ثابت يغير حـالا ثم ينشـئ حالا وقد سبق أن تحدث "إقبال" في صور مختلفة عن خلود الحياة الإنسانية، والآن لنتأمل النهر الذي ينحدر من القمم المرتفعة في ملاءته البيضاء، هابطا كسلاسل الفضة، مرسلا من خريره نغما شجيا، يتعلم منه البلبل ترجيع ألحانه، حتى إذا هبط النهر إلى السفوح والوديان تفرقت قطراته، وكأننا لا نرى من ذلك الماء السلسال شيئا إذا سرنا قليلا بعد ذلك بين الرمال رأينا النهر متجليا في حلاه الفضية يسقي من حوله الغابات والأعشاب، كذلك نهر الحياة يهبط من سمائها ثم يغيب حينا ليظهر منسقا في مجرى الخلود، وشاعرنا يقدم لنا هذه الصورة الجميلة فيقول: من رؤوس الجبال ينحدر النهر طروب الأمواج عذب الأغـاني ينقل الطير عنه بين الروابي ما يبث الغصون من ألحان كخدود الحور الحسان تراه في صفاء البلور حلو الخرير ثم تمضي تلك المياه ضياعا في تلال منشورة وصخور قطرات من النمير طوتها في ثنايا الرمال أيدي الفراق *** فإذا النهر بعـد ذلك في مجراه يحيى الزهور والأعشابا فضة تنبت الزمرد في الأرض وتسقي النخيـل والأعنـابا وحيـاة الإنسان نهر سماوي توالت بسيره الأقـــدار كلمـا غاص ماؤه عاد فياضـا فمـا ينــقضي له تيــار شعلـة النـفس لا تصير رمادا ضوؤهـا خالد على الأزمـان كل شيء يمضي وكل حيـاة تنـقضي غير جوهـر الإنسان *** إن المنظر الذي يروع الإنسان هو حركة الموت التي تسكن بعدها الأعضاء وتبرد الحواس، فحينما يراك "إقبال" مرتعدا مذعورا لهذا المشهد الرهيب يضع على قلبك برد العزاء، و يبين لك أن ملك الموت لا يميت الأرواح، ’وإن أفنى علم الأشباح‘ فيقول: لا تمت من مخافة الموت جهلا فبـغير الأنفـاس روحك تحيـا يعصف الموت بالجسوم ولكـن ليس يفني من قوة النفس شيّا يصعد الروح للخلود ويبقى عالـم الغيـب والشهـادة حيــا ويقول "إقبال" إن المسلم باق ليرفع العلم ويقود البشرية نحو الخير، وأعداء الإسلام يحاولون أن يسقط هذا العَلَم وأن يذهب المسلمون، ولكن هؤلاء الأعداء أنفسهم كثيرا ما يشاهدون نور الإسلام فيصبحون في طليعة أنصاره وحماته فينقلب عدوانهم حماية ورعاية، وإذا سقطت بعض مواطن المسلمين فالمسلم سيبقى، والإسلام لن يفنى. والليالي علّمتنا عبــرا في الذي مرّ به غزو التتار كفروا ثم اجتلوا نور الهدى فــاهتدوا لما رأوا ذاك المنار *** عرفوا الإسلام فانقادوا له وغدا أعداؤه ركن حماه عزت الكعبة وانهار الصنم وهوى الشرك بتوحيد الإله *** إن هذا العصر ليل فأنر أيها المسلم ليل الحائرين وسفين الحق في لج الهوى لا يرى غيرك ربان السفين *** أنت كنز الدر والياقوت في موجة الدنيا وإن لم يعرفوك محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك *** ليس في الوقت فراغ فاعتزم واملأ الدنيا بأعمال شريفـــة أنت نور الأرض تهدي أهلها لن يرى غيرك في الأرض خليفة *** ويعتقد "إقبال" أن المسلم ما زال ممتحنا بالشدائد والحوادث الجسام، ولقد انهالت على المسلمين مصائب الزمن، ورأوا من البلايا ما ضاع بمثله ملك جميع الأمم السابقة من إغريق ويونان ورومان وفراعنة، ولكن الحوادث ارتدت عن المسلم كما ترتد الحصباء عن القلعة الشماء، وكل مصيبة تنزل بالمسلم تصير عاملا على إسعاده وسببا في رقيه، فيقول: نحن نهدي الخلق زهـرا وثمارا وسوانا يبـعث النـار ضرامـا كل نمرود إذا أوقــد نارا عادت النـيران بردا وسلامـا نحن بالإيمان نبـني عزّنــا لا نبـالي الهول أو نخشى الصعابا وإذا الباغي رمـى في غرسنـا جذوة الظلـم جعلناهـا ترابـا *** ذهب اليونان والرومـان والفرس قدمــا وفراعـين الزمـان وهــدى الإسلام ما زال على قصة الدنيــا يدوّي بالأذان *** ويؤكد "إقبال" على أن الذي يحافظ على كمال ذاتيته يحيا بعوامل الموت، فهذه الكواكب والأقمار تزول، ولكن نشوة الذاتية لا يخبو لمعانها إلى الأبد، والذي تمكن من كمال ذاتيته ونضج إيمانه لا يخاف من الموت القادم، وإن ارتكاب أقبح الذنوب أساسه الخوف، لاسيما خوف الموت، والواثق بنفسه يهجم على الأسد وكأنه يهجم على حمل، والخائف يفر من الغزال كأنه يفر من أسد، ولو لم تكن في قلوبنا شائبة الوحل لعبرنا البحر كأنه صحراء، وأما الفزع فيرينا في كل موجة تمساحا، فيقول: يعلو على الموت من تسمو إرادته وفي عزيمتــه صدق وإيمان عمر الكواكب محدود وأنت إلى غير انتهاء بكأس الخلد ريان *** يرى الجبان غزال القاع مرتعدا كأنه أسد في القاع ضرغام والحر يلقى أسود الغيل مبتسما حتى كأن أسود الغيل أغنام *** إن الشجاع يخوض البحر مقتحما كأنما الموج أزهار وأدواح وموجة النهر في عين الجبان بها غـول وحـوت وتنيـن وتمسـاح *** ثم يتحدث "إقبال" عن المؤمنين وصفاتهم ومواقفهم في الحياة وكيف ينبغي أن يكونوا أقوياء معززين مكرمين، لا ضعفاء مهزومين، فيقول: المؤمنــون على عنايــة ربهم يتوكلـــــون لا خــوف يفزعهــم ولا هم في الحوادث يحزنــون *** لو مر أضعفهـــم على فرعــون يجتـز الـرؤوسا لأراك في الإفصاح هارونــا وفي الإيمــان موســى *** إنــي رأيت الخــوف في الدنيــا عدوا للعمــل هو مطفــئ نور الرجــاء وسالب كنــز الأمــل *** يرمــي الإرادة بالتزلــزل والعزيمــــة بالخـور ومــن احتــواه الخوف لا يجني من الـروض الثمـر *** المؤمنــون لهم من المولى أمــان الأوليــــاء بلغـوا الكمـال عن الدنيـا العـــريضة أغنيـــاء *** ويرى "إقبال" أن فقد الرؤوس في النضال مع الشرف لا يقل قيمة عن البقاء الدائم، فلحظة من عمر الأسد خير من حياة الشاة مائة عام، وإلى ذلك المعنى يشير في هذه الأبيات، فيقول: العمـر لا يقـاس بالأعـوام والعقـل لا يقـاس بالأجسام واليوم من عمر أسود الأجـم بألف عام من حيـاة الغنـم *** عش ساعـة في لجج البحـار ومت شهيـد الموج والتيـار ولا تعش دهرا كعيش الخامـل مقيـدا بيـن صخـور السـاحـل *** وكان القائد الإسلامي خالد بن وليد –رضي الله عنه— يعرض عند موته أكثر من مائة وعشرين إصابة على جسمه، وهو فخور بتلك الجروح، إلا أن فخره هذا كان ينقصه الاستشهاد، ونرى "إقبال: يرثيه بعد أن خلد ذكرى عطرة وكأنه يصف نفسه فيقول: مات ولكـــــن لم يمت فهـــو مخلــد الثنــاء له من الذكــرى حيــاة لا يشــوبهـا الفنـــاء *** إن شئت فاحــي مثلــه قبــل نهايــة الأجــل إن الحيــاة في الجهـــاد والـخلـــود للـعمـــل *** إن الأعمال كثيرة والأوقات قصيرة، لا يهمنا أن نعيش طويلا، ولكن يهمنا أن نعمل عملا جليلا، إن الأحياء الحقيقيين هم الذين جاهدوا، وهم الذين صور "إقبال" لنا جهدهم، وضرب لنا منهم الأمثال، مشيرا إلى أن حياة الدنيا ميدان العمل والكفاح ليكون لك دور عظيم في الحياة، فيقول: بنور الجهاد الحي سار محمد بجيش على راياته الفوز إكـليل أرى فرصة الأعمال ومضة بارق يضيء سناهــا لمحة ويــزول إلى الفوزجاهد مااستطعت ولاتنم ففي القبـر نوم بعد ذاك طـويل *** منازل وادي الصامتين على البلى ستبقى بها حتى النشور مقيما إذا العزم نادى فارم سهمك صاعدا على قبــة الأفلاك وامض عظيما *** وأخيرا يخاطب "إقبال" المسلمين جميعا في الشرق خاصة وفي جميع أنحاء العالم عامة، ويذكرهم بأمجادهم العظيمة، ويدعوهم إلى الاتحاد والكفاح، موضحا ما يجب عليهم عمله ليعود المجد كاملا إليهم كما كان من قبل، فنراه في قصيدة له بعنوان "والآن ماذا يجب أن نصنع يا أمم الشرق؟" يقول: تئن الخلائق في الأرض طـرا وقد سامها الغرب عسفا وجورا فيـا أمم الشرق فيم التواني لقد آن أن يصبح الشرق حرا أكاد أرى ثورة في الشعوب تـشد الحيـاة إلى المجد قسرا مضى الليل وانجاب عهد الظلام وبعد الدجى يعقب الليل فجرا *** وللمؤمــن الحر مـن ربـه هدى في الحيـاة ونـور مبين وفي قلبـه حرمة واشــتيـاق وعـطف على محنة الآخريـن إذا العلـم فاز بــه المؤمـن رأيـت به خشيـة المتقيـن ويزداد خوفـا من الله حتـى يرد الأمـان إلى الخائفيـن *** هو العلم فيـه لنـا كيميـاء إلى قدرة الله يهدي الــبصر فيا أسفا ليس للـغـرب منـه سوى حيرة في دياجـي الفكر يسوق الرزايـا ويهدي المنايـا إلى الخلق من علمـه المبتكـر وبين الصدور تلـين القلـوب وفي صدره قطعة من حجـر *** تنبـه لهذا الدخيـل الـذي تفـر الثعـالب من مكـره ولا تتعـــمم بمنسوجــه ولا تغمـض العـين عن غدره وإمّــا مررت على حانــه تعـــوذ بربك من شــره فمـن ذاق خمرتــه لم يعـد إلـى داره، بـل إلى قبــره *** لقد آن للـروح أن تستفيـق وللشرق أن يسـتبين الدليـلا ليجعـل أنقـاض هذا البنـاء على الظـالمين كثيبـا مهيـلا إذا العقل أذعن للقـلب حكما رأى طاعة الله أهدى سبيـلا وإن لم يجب داعي القلب أضحى كإبليس شرا ومكـرا وبيـلا *** على قوة الحق تحيا الشعـوب وتجتــاز في المجد حد المحال فلا شعب يقوى بلا وحـدة تضم الصفوف لنيـل المعـالي إذا الــرأي كان بلا قـوة فليس به غير زيـف الخيـال وحين ترى قوة قد خلــت من الرأي فهي طريق الوبـال *** فتـى الشرق أنت الوفي الأميـن فــأظهر يد العزم للناس جهرا لـتخرج بيضاء من غير ســوء وتبــطل من فتنة الغرب سحرا وكيف ارتبـطت بــأوهامـه وكيف استطعت على القيد صبرا؟ فـوحـد بلادك صوب العـلا بإيمانـها تلـــق عزا ونصرا *** بنا ليس العشق ثوب الــدلال وفاض على الكون طيبا وحسنا وفطــرة آدم في كل حــي روتها الخلائـق في الدهر عنّـا تعلـمت الأمم النــاهضات من الشرق دينا وعلمـا وفنـا رفعنا الحجـاب عن الكائنـات فنحن من الشمس والشمس منا *** كلمة ختامية: كانت هذه فكرة موجزة عن سيرة الأديب المفكر الفيلسوف الدكتور محمد إقبال شاعر باكستان الأكبر، وأهمية أدبه للأدب الإسلامي، وكانت هذه نماذج شعرية له في فلسفة الحياة والموت، تلك الفلسفة التي رفع بها شأن المسلم الأبي القوي عاليا بين البشر، في حياته بالفخر والعزة والكرامة، وعند مماته بالجهاد والشرف والشهادة، فهو جدير بما كلفه الله به من قيادة هذا العالم، نحو الإيمان والعلم والفضيلة، ونحو الخير والكمال والسعادة، في ضوء تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فرحم الله شاعرنا إقبال رحمة واسعة. أهم المراجع: 1. القرآن الكريم 2. صحيح البخاري، صحيح مسلم، جامع الترمذي، سنن النسائي، مسند أحمد بن حنبل 3. روائع إقبال— للعلامة أبي الحسن علي الحسني الندوي، الطبعة الرابعة، طبعة الهند سنة 1401هـ —1981م. 4. محمد إقبال سيرته وفلسفته وشعره— للدكتور عبد الوهاب عزام، طبعة بيروت سنة 1392هـ —1972م. 5. إقبال الشاعر الثائر— نجيب الكيلاني، طبعة بيروت سنة 1391هـ — 1971م. 6. باكستان ماضيها وحاضرها— الدكتور إحسان حقي، طبعة بيروت سنة 1393هـ — 1973م. 7. شاعر باكستان الأكبر محمد إقبال في السماء —الدكتور حسين مجيب المصري، طبعة القاهرة سنة 1973م. 8. حقيقة باكستان أكبر دولة إسلامية في العالم —محمد حسن الأعظمي، طبعة القاهرة سنة 1960م. 9. الحياة والموت في فلسفة إقبال "إقبال كا فلسفة حيات وموت" للشيخ الصاوي شعلان والأستاذ محمد حسن الأعظمي، طبعة كراتشي بباكستان سنة 1969م. 10. فلسفة إقبال والثقافة الإسلامية في الهند باكستان للشيخ الصاوي شعلان والأستاذ محمد حسن الأعظمي، طبعة القاهرة سنة 1950م. 11. الطريق إلى المدينة العلامة أبو الحسن علي الندوي، طبعة المكتبة العلمية بالمدينة المنورة سنة 1385هـ 12. أدب الصحوة الإسلامية — واضح رشيد الحسني الندوي، طبعة ندوة العلماء بالهند سنة 1402هـ. 13. قرآن اور إقبال "القرآن وإقبال" – أبو محمد مصلح (بالأردية)، طبعة في لاهور بباكستان سنة 1359هـ. 14. بانك درا — تأليف العلامة محمد إقبال، مجموعة قصائد، الطبعة الثالثة والعشرون، طبعة في لاهور بباكستان سنة 1965م. 15. جريدة المدينة— عدد الأربعاء 25 ربيع الأول سنة 1405هـ صادرة في المملكة العربية السعودية. 16. مجلة الوعي—العدد الخامس عشر، يناير سنة 1971م صادرة من قسم الصحافة بسفارة باكستان في بيروت. 17. مجلة البعث الإسلامي — المجلد السادس والعشرون، عدد رجب 1402هـ مايو 1982م، صادرة عن ندوة العلماء بالهند. 18. مجلة منبر الإسلام، عدد جمادى الأولى سنة 1384هـ — 1964م القاهرة. 19. منشور المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، في ذكرى محمد إقبال فيلسوف باكستان، القاهرة سنة 1972م. 20. بيام مشرق "رسالة الشرق" مجموعة قصائد بالفارسية والأردية للعلامة محمد إقبال جمعها الأستاذ محمود الله صديقي، طبعة لاهور، باكستان، سنة 1972م. نظرية باكستان عند إقبال للأستاذ عزيز أحمد إن أذكى تحليل لعقل إقبال في بحثه عن حل للهند المسلمة هو التحليل الذي قدمه السير هاميلتون جيب: "لعل الطريقة الصحيحة للنظر إلى إقبال هي أن نرى فيه شخصا فكر وعبّر في كلمات حية عن التيارات الفكرية المختلفة التي كانت تجيش في عقول المسلمين الهنود، فمزاجه الشاعري الحساس صور كل ما اصطدم به — رومانتيكية اللبراليين، والميول الاجتماعية للمفكرين الشباب، وتطلع الأعضاء العسكريين في العصبة المسلمة إلى ظهور قائد قوي قادر على إعادة القوة السياسية للإسلام." وفي المرحلة الإسلامية لكتاباته التي بدأت عام 1908م واستمرت حتى وفاته عام 1938م، فصل إقبال السياسة عن القومية، وحاول أن يربطها بالدين والحضارة. وهذا أيضا دلّ ضمنا على رفض المفهوم الغربي الحديث لازدواجية الكنيسة والدولة. قال إقبال في الخطاب الذي ألقاه أمام العصبة المسلمة في دورتها السنوية عام 1930م. "لا يقسِّم الإسلام وحدة الإنسان إلى ثنائية غير متناغمة للروح والمادة في الإسلام: الله والكون، الروح والمادة، الكنيسة والدولة، كلها ذات علاقة عضوية فيما بينها." والمغزى الحقيقي لهجرة الرسول من مكة إلى المدينة عام 622 ميلادية يكمن في إنكار مفهوم الوطنية المحلية. ومفهوم المجتمع السياسي في الإسلام لا يقبل الإقليمية الجغرافية ولا العرق المشترك كمعيار صحيح لتحديد مجموعة عرقية. فالأرض ملك لله، وهي على ذلك مسكن مشترك لكل الرجال، وبإمكان المسلمين أن يعيشوا في أي جزء منها. ويرى الإسلام أن هناك معيارين فقط للمجتمع السياسي. فأفراد المجتمع إما أن يكونوا مسلمين أو غير مسلمين، وغير المسلمين جميعا يشكلون مجتمعا واحدا على طرف نقيض من المجتمع المسلم. ولكن هذا لا يسوغ العمل على إيجاد إمبريالية مسلمة على حساب الآخرين. والواقع أن إقامة الإسلام لإمبراطوريات على مدى التاريخ كان مضرا بنموه الحضاري بسبب استعارات لا أساس لها من الحضارات الخارجية، ولا تعني هذه الإمبراطوريات أن المسلمين كانوا، بأي معنى من المعاني، شعبا أفضل أو شعبا مختارا. والحقيقة يستطيع المسلمون أن يكونوا خير الأمم ولكنهم ليسوا كذلك، ليس لأنهم يتبعون نبي الإسلام الذي جاءت نبوته من أجل نشر الحرية والمساواة والأخوة بين أفراد الجنس البشري كله، ولكن لأنهم قادرون على بذل جهود عملاقة لتطبيق القيم الأخلاقية في تعاليم النبي –صلى الله عليه وسلم— للسيطرة على قوى الطبيعة. كيف يمكن جمع شمل هذا المجتمع الإسلامي المتفرق في كل أرجاء العالم؟ نجد فكرة جمع الشمل هذه في المفهوم الإسلامي الأساسي للتوحيد (وحدة الله) وتجسيده كقوة اجتماعية تعكسها الأخوة في الإسلام المبنية على القرآن والسنة، ورمزها الخارجي، أو كما يسميها إقبال "مركزها المحسوس" ، هو الكعبة التي هي قبلة العقول والأنظار. والطواف حول الكعبة ليس هو مجرد دوران حول أثر من الآثار، ولكن بيننا وبين الكعبة هناك رابطة رمزية لا يعرفها حتى جبريل، وهذا في جوهره ما أكده ولي الله من أن الكعبة ترمز إلى وحدة المجتمع الإسلامي تجذب المسلمين من جميع أنحاء العالم لأداء فريضة الحج. والدولة التي يمكن أن ينطوي تحت لوائها المجتمع الإسلامي العالمي ما زالت دولة إسلامية مثالية غير محققة. ولقد بذل إقبال في أعماله مجهودا عظيما للتعريف بهذه الدولة المثالية في ضوء الايديولوجيات الحديثة وهو يرفض الديمقراطية الغربية الحديثة لأن الأثرياء هم الذين يسيطرون عليها ولأنها مبنية على عدم المساواة العرقية وعلى استغلال الضعيف، وإقبال لا يعتبر الإسلام والاشتراكية على طرفي نقيض بالضرورة. فهو يرى المفهوم الإسلامي للمساواة والرفض الإسلامي للعنصرية مشابهين لما هما عليه في النظرية الاشتراكية، ويرى أيضا معاداة النظام الاشتراكي للمؤسسات الملكية توازي معاداة الإسلام للمؤسسات الدينية التقليدية. وفي تفسيره لركن الزكاة كضريبة طوعية، يرى إقبال إمكانية استبعاد تراكم الثروة في أيدي القلة. وبعد أن أكد على هذه القيم المشتركة بين الإسلام والاشتراكية، رفض إقبال الشيوعية كشكل مثالي للحكومة العالمية بالمقارنة مع الإسلام. وارتكزت حجته على تفسير تأملي لعبارة لا إله إلا الله. وهو يقول: إنه في ديالكتيك الوجود قانون الطريحة السالبة negative thesis والنقيضة الموجبة positive antithesis يعمل من أجل الوصول إلى جمعية الحقيقة synthesis of truth، فكلمة ’لا‘، وهي أداة النفي في عبارة الشهادة، كلمة هدم، وكلمة ’إلا‘، وهي أداة الاستثناء، مؤكدة وبناءة. وطبيعة الحياة والكون هي حركة من ’لا‘ إلى ’إلا‘، من السلب إلى الإيجاب، من الإنكار إلى الإثبات. وكلمتا ’لا‘ و ’إلا‘ مجتمعتين معا في منهج الحقيقة تؤلفان وسيلة لإخضاع الكون. وكلمة ’لا‘ وحدها تفيد معنى الثورة على القيم المزيفة، وكلمة ’إلا‘ تفيد معنى بناء قيم حقيقية. لقد عجزت الشيوعية عن تجاوز مرحلة ’لا‘، مرحلة السلبية وتدمير الظلم القديم والقيم القديمة، وفشلت حتى الآن في ولوج مرحلة ’إلا‘، إن ديانة ذلك النبي الملحد "كارل ماركس" مبنية على مساواة جميع المعدات والبطون، وعلى ذلك فهناك كثير مما هو مشترك بين الشيوعية والإمبريالية الغربية: كلاهما زاخرتان بالطاقة، وكلاهما ينكران وجود الله ويخونان الإنسان، الأولى تفعل ذلك بالثورة والثانية بالاستغلال. وبين هذين الحجرين تنسحق الإنسانية. وبناء على ذلك، علينا أن نبحث عن الدولة المثالية في الإسلام وحده وليس في أي نظام معاصر آخر. وهنا نصل إلى مفهوم الدولة القرآنية التي ما زالت دولة مثالية لم تتحقق في التاريخ الإسلامي والتي لا يجب أن نخلط بينها وبين دولة الخلفاء الراشدين كما يفعل معظم الأحيائيين المسلمين. ما زالت الدولة الإسلامية غير محققة، وما زالت في حالة اسبات في عقل الإنسان ووجدانه، ولا يمكننا بناء هذه الدولة القرآنية على أساس ولاء جماعي أو إقليمي. في هذه الدولة المثالية خلافة الإنسان على الأرض تحقق ذاتها بالاعتراف بأن ملكية الأرض كلها (أي وسائل الإنتاج) هي لله، وبقبول أن واجب الإنسان هو إنتاج الثروة لمنفعة الإنسانية جمعاء. ورغم أن الدولة المثالية هذه كانت حلم إقبال للمستقبل إلا أن همه المباشر كان مصير المسلمين في الحكومة الذاتية التي كانت تتشكل في الهند ببطء وهنا مرة أخرى عدل نظريته في ’المركز المحسوس‘ لتنطبق على مشكلة مسلمي الهند على وجه الخصوص: أغلبية مسلمة في الشمال الغربي وانتشار إسلامي في جميع أرجاء شبه القارة. وبينما ظلت الكعبة ’المركز المحسوس‘ الرمزي لمسلمي العالم جميعا، تبين أن مركزا إقليميا في دولة إقليمية محددة سياسياً كان ضروريا لبقاء المسلمين في شبه القارة، وهكذا شكلت مناطق الأغلبية المسلمة مركزا محسوسا محققا سياسياً. وهذا يعني تراجعا عن موقف إقبال الأول، أي استنكاره للإقليمية، لقد استنتج الآن أنه إذا لم تكن الخلافة الإسلامية العالمية ممكنة من الناحية العلمية في العالم الحديث، فإن الشكل الملموس للحركة الإسلامية العامة يجب أن يكون الأممية المتعددة التي تحقق ذاتها في دول قومية إقليمية. وضع إقبال في بادئ الأمر اقتراحا لإقامة دولة مستقلة في الهند عام 1930م وذلك في خطابه الرئاسي للدورة السنوية للعصبة المسلمة، بدأ خطابه بالتأكيد على أن: "الإسلام، باعتباره نظاما أخلاقيا بالإضافة إلى كونه نظاما سياسيا، كان العامل الرئيسي في تشكيل حياة المسلمين وتاريخهم في الهند. وخلق الإسلام العواطف والولاءات الأساسية التي وحدت بالتدريج أشخاصا وجماعات مشتتة، وفي آخر الأمر حوّلهم إلى شعب قائم بذاته يملك حسا أخلاقيا خاصا به …. هل من الممكن أن نبقى على الإسلام من حيث هو نظام أخلاقي ونرفضه من حيث هو حكومة لصالح السياسات القومية التي لا يسمح فيها للموقف الديني أن يلعب أي دور؟ هذا السؤال في غاية الأهمية في الهند حيث يشكل المسلمون أقلية." وكان جواب إقبال على هذا السؤال هو: "يرتبط الجانب الديني في الإسلام ارتباطا عضويا بالجانب الاجتماعي الخاص به، وإن رفض جانب واحد يستوجب في آخر الأمر رفض الجانب الثاني لذلك فإن إقامة دولة على أساس خطوط قومية هندية هي أمر لا يقبله المسلمون إذا كانت إقامة هذه الدولة تعني استبدال مبادئ التضامن الإسلامي." وبمقارنة مفهوم التضامن الإسلامي من حيث هو وحدة اجتماعية بالمفهوم الغربي الحديث للدولة، أخذ إقبال مفتاحه من ’ارنست رينان‘ الذي أشار إلى أن مفهوم القومية كان بعد كل شيء نتاجا جديدا للتاريخ الغربي الحديث، ولم يكن معروفا بمعناه الحالي في التاريخ القديم. ولكن مم تتألف القومية الحديثة؟ هل هو مفهوم العرق المشترك؟ لكن الاعتبارات العرقية لا يبدو أنها شكلت أمما حديثة فامتزاج الأجناس ظاهرة معروفة في كل بلد أوروبي. إذن هل تشكل الدولةَ اللغةُ المشتركة؟ يقول رينان: إن اللغة توحِّد الشعب ولكنها لا تشكل منه قومية مشتركة. ففي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأسبانيا وأمريكا اللاتينية، لم تستطع اللغة المشتركة أن تمد القومية بأسباب الحياة في حين أن سويسرا التي يتكلم أهلها ثلاث لغات أنشأت لنفسها دولة. ويختلف رينان عن إقبال في أنه كان يعتقد أن الدين وحده لا يستطيع أن يشكل أمة، ولكنهما اتفقا على أن الجغرافية أيضا لا تستطيع، هذا رغم أن الدين والجغرافية لعبا دورا على جانب من الأهمية في تشكيل القوميات. تمثَّل إقبال جدل رينان في تفكيره السياسي الخاص وطبَّقه على الوضع في الهند. وبناء على ذلك، لا يمكننا أن نقول إن المركب السياسي للهندوس والمسلمين يشكل قومية واحدة. في السابق كان المجتمعان منقسمين ومتخاصمين، ولم يكن هناك إشارة واضحة للرغبة في دمج هويتيهما في المستقبل. وحسب هذا المقياس كانت الهند المسلمة تؤلف أمة قائمة بذاتها. اعتقد إقبال أن التجانس العاطفي والنفسي الذي ينتج عنه الإرادة في خلق أمة لا وجود له في شبه القارة. كان من الممكن أن يتحقق هذا التجانس لو أن انتقائية eclecticism "أكبر" الإدارية والاجتماعية أو توفيقية "كبير" الصوفية syncretism نجحت في الاستحواذ على خيال الجماهير العريضة في الهند ولكن هذه التجارب انقسمت إلى حركات توفيقية بسبب رفضها من قبل مجموعة دينية كبيرة ومن قبل تركيبة المجتمع الهندوسي. لذلك تم الاعتراف بحقيقة الاختلاف في الأمة الهندية، فتجاهل هذا الاختلاف من الممكن أن يؤدي إلى توتر داخلي، والاعتراف به يمكن أن يؤدي إلى تعاون المجتمعين الكبيرين. إن للتضامن الهندوسي علاقاته الثقافية مع العالم البوذي في شرق وجنوب شرقي آسيا، في حين أن للتضامن الإسلامي روابطه السياسية والدينية مع الشرق الأوسط، فالهند هي آسيا مصغرة. وكان هذا الرأي المهم يتنبأ ’بنظرية الأمتين‘ التي اقترحها على نحو غامض سيد أحمد خان ومولانا محمد علي وطوَّرها فيما بعد محمد علي جناح. كان إقبال هو أول من شكل نظرية ضرورة إنشاء دولة هندية مسلمة على نحو واضح. "لا يمكن تطبيق مبدأ الديمقراطية الأوروبية دون الاعتراف بحقائق المجموعات الطائفية…. ولذلك فإن طلب المسلمين إقامة هند مسلمة هو طلب له مسوّغاته …. أحب أن أرى البنجاب والإقليم الحدودي الشمالي الغربي والسند وبلوجستان مندمجة في دولة واحدة. يبدو لي أن الحكم الذاتي داخل الإمبراطورية البريطانية أو خارجها وتشكيل دولة مسلمة هندية شمالية غربية هو المصير النهائي لمسلمي شمال غربي الهند على الأقل." ويميز إقبال بين الإسلام كقاعدة قانونية للدولة وبين الثيوقراطية التي تتسم بالتعصب. فدولة مسلمة مستقلة داخل شبه القارة لا يمكن أن تكون دولة ثيوقراطية. مزيج الحداثة والالتزام بأساسيات الإسلام الذي كان يفكر فيه لا يكاد يترك مكانا لدولة علمانية للمسلمين كما هو الحال في تركيا. ومضى يقول: من الدروس التي تعلمتها من تاريخ المسلمين هو أنه في اللحظات الحاسمة في تاريخهم، الإسلام هو الذي أنقذ المسلمين وليس العكس. في عامي 1936 — 1937م حدث تقارب سياسي بين إقبال ومحمد علي جناح، وفي سلسلة من الرسائل الموجهة إلى جناح أكد إقبال على الرأي القائل أن إنشاء دولة مسلمة مستقلة كان الحل المعقول الوحيد من أجل المسلمين ومن أجل السلام في الهند. والمسلمون في شمال غربي الهند يجب أن يتجاهلوا أقاليم الأقلية المسلمة خدمة لمصلحة المسلمين الهنود عموما. إن المشكلة الحقيقية التي تواجه القيادة المسلمة هي فقر المسلمين، وعلى عصبة المسلمين أن تقرر أخيرا فيما إذا كانت ستبقى هيئة ممثلة للطبقات العليا من المسلمين الهنود أو الجماهير المسلمة. "من حسن الحظ أننا نجد حلاّ في تطبيق القانون الإسلامي وتطوره في ضوء الأفكار الحديثة….وإذا فهمنا هذا القانون وطبقناه فإن الجميع سيتمتعون بحق الحصول على مورد رزق …. وقبولنا للديمقراطية الاجتماعية في شكل مناسب ومنسجم مع المبادئ القانونية للإسلام ليس ثورة ولكنه عودة إلى الصفاء الأصلي للإسلام." وفي مقدمته لهذه السلسة من رسائل إقبال، اعترف جناح أن آراء إقبال قادته أخيرا إلى ذات الاستنتاجات …. أي طلب إنشاء دول مسلمة مستقلة، وذلك هو ما تم التعبير عنه في قرار باكستان الذي أقرته عصبة المسلمين في دورتها السنوية عام 1940م. *** إقبال والحديث النبوي مقدمة لنقد منهج جوزف شاخت في دراسة الحديث للأستاذ محمد سهيل عمر تعريب: ظهور أحمد أظهر أولا: المدخل: (هذه المقالة للدكتور الأنصاري ترجمت من الإنجليزية إلى العربية ونشرت في "الدراسات الإسلامية" الصادرة من إسلام آباد ثم ترجمت من النص الإنجليزي إلى الأردية وقد قام بالترجمة الأردية الأستاذ (محمد سهيل عمر) مدير أكادمية إقبال ونشرت في مجلة "إقباليات" مع تعليق مفيد وهوامش نافعة من قبل مدير الأكادمية ورئيس تحرير مجلتها "إقباليات" وإليكم التعليق والهوامش أولا ثم النص المعرب المنشور في الدراسات الإسلامية:) ثانيا: التعليق على: "إقبال والحديث النبوي" للأستاذ محمد سهيل عمر إن موضوع "العلامة إقبال والحديث النبوي" مهم ولأهمية جوانب كثيرة فمن أبرزها وأوضحها الحاجة الماسة إلى دراسة الأحاديث النبوية والعثور عليها وتخريجها من أجل إيضاح أفكار إقبال وشرح ما جاء في شعره من الإلماح الظاهر أو الخفي أو تحليل الميول الفكرية العامة له وفعلا قد تم الكثير من البحوث في هذا المجال ويمكن القول بأن هذه البحوث والكتابات، بعددها ومستواها، مرضية مقنعة دون شك إلا أن الجانب المهم من الموضوع في حاجة إلى البحث ألا وهو القيام ببحث ما يساعد في فهم الأدب الإقبالي من صحة الحديث النبوي وإستناده وحجته والاحتفاظ به فمن الكُتاب والمؤلفين الذين كتبوا وألفوا في موقف إقبال عن كون الحديث حجة شرعية، هم قليلون بالنسبة إلى الجوانب الأخرى من مكانة الحديث في الأدب الإقبالي، ويمكن تقسيم هؤلاء القلائل من الكتاب والمؤلفين إلى قسمين فمنهم من يرى أن وجود الأحاديث النبوية الكثيرة في شعر إقبال كمصدر أو كإلماح أدبي ومأخذ فكري لما يدل على أن شاعر الإسلام كان يعتبر الحديث مصدرا أو دليلا شرعيا يفيد كمأخذ التشريع بعد القرآن الكريم ومنهم الكتاب والمؤلفون من خبراء الأدب الإقبالي الذين فرقوا بين ما جاء من الحديث في الكتابات النثرية والرسائل والمقالات والابتكار الشعري للعلامة إقبال وبين ما جاء عنه من الآراء في نثره العلمي فنراهم فيما كتبوا أو ألفوا، يصرحون بأن موقف إقبال من الحديث النبوي ينقسم إلى قسمين فأما في شعره فإنه يستشهد بالحديث ويعول عليه دون تردد أى ريب حتى ولو كان ضعيفا وأما موقفه من الحديث النبوي في كتاباته النثرية، وعلى وجه أخص في محاضراته عن تجديد الفكر الديني في الإسلام فهو موقف المتحذر المحتاط، ولهؤلاء الكتاب والمؤلفين آراء ومزاعم تقوم على علمهم الواسع أو القليل وحسب ما فهموا ما جاء في الموضوع من المعلومات وقد حاول بعض الخبراء أن يكتشفوا أصلا فقهيا من هذا الحذر والاحتياط بأن العلامة إقبال يريد أن لا يجعل من الحديث مصدرا للتشريع كما أن البعض منهم رأى فيه شيئا من التشكيك الفلسفي والنقد التاريخي وجعله رأيا للعلامة ولكننا هنا لسنا بصدد البحث في هذه الآراء وذلك لأننا قد توصلنا إلى نتيجة تقودنا إلى القول بأن هذه هي النقطة التي تدل على أن إقبال كان قد اختار منهجا علميا تطبيقيا في تجديد الفكر الديني وهذه النقطة من بين النتائج الحيوية لذلك المنهج التطبيقي إلا أننا نرى بأن استخراج الأصل الفقهي أو التشكيك الفلسفي مما جاء في تجديد الفكر إنما هو من التشوق الفضولي والاجتراء الجنوني لا غير!! وأما في الوقت الحاضر فإننا نريد أن نلفت نظر قراء "إقباليات" إلى شيء آخر إذ هو مفتاح الإدراك لما يختاره إقبال من المواقف المتحذرة وفي نفس الوقت يساعدنا في حل عقدة من تاريخ الحديث وتدوينه ومن أجل الاطلاع على خلفية المسئلة يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ما يأتي من النقط: إن العلم المعاصر الغربي قد أولد العديد من الآفات والبليات ولكن أخطرها وأهولها هو عفريت "النقد التاريخي" (Historical Criticism) ذلك الذي أثر في الديانة المسيحية تأثيرا بالغا للغاية فهو الذي قد ابتلع دراسة الإنجيل ابتلاعا كاملا وقد كان المستشرقون يمثلون ذلك المجتمع الغربي وهم أبناء ذلك الجو السائد ومن ثم قد هاجم العفريت نفسه، بطبيعة الحال، على الإسلام كذلك! فأما في دراسات القرآن فإن نجاحهم فيها لم يبلغ موضع الاهتمام إلا أن النقد التاريخي للحديث النبوي قد أثر في نفوس الكثيرين من المثقفين في عالمنا الإسلامي ولا شك أن للرهبة نصيبا في ذلك! فقد كان المفكرون المسلمون المعاصرون قد سيطر عليهم رهبة المؤرخين والمستشرقين بأمانتهم وسَعَة علمهم وأساليب بحوثهم ووسائلهم المثمرة المفيدة! وكانت آراء أهل العلم الغربيين قد اتخذت صورة من الصحة والاستناد إلى عصر إقبال وقد وافقهم العديد من مفكرينا فيما وصلوا إليه من الرأي وأن هذه الموافقة لرأيهم لها خلفية خاصة بها. وكان عمل التشكيك في صحة الحديث النبوي واستناده قد بدأ بما كتبه (إسبرنجر) بالألمانية قبل سنوات ثم ظهر بعده بأربع سنوات ما كتبه (نولديكه) وفي 77—1875م نشر كتاب (الفريد خان كريم) في مجلدين وكان موقف هولاء من الحديث النبوي هو نفس الموقف الذي عرف بالنقد التاريخي فيما بعد ثم أصبحت هذه النزعة تشكيكا فلسفيا كاملا واستحالت إلى نقد مبرهن فرفض صحة الحديث واستناده إلى عصر (جولت تسيهر) والذي ظهر في كتابه "الدراسات المحمدية" (Mohammedanism Studies)بكل قوة وتفصيل حتى أنه في بداية القرن العشرين الميلادي قد أصبح من المؤكد المعترف به في أوساط المستشرقين والدارسين لمؤلفاتهم بأن ذخائر الحديث النبوي كمصدر تاريخي غير موثوق بها! فذلك هو الرأي القائم الذي ذكره إقبال في تجديد الفكر الديني وقد عول عليه كل من تناول موضوع العلامة إقبال والحديث النبوي. وفيما يأتي عبارة مقتبسة من تجيد الفكر الديني وهي التي جاء بها العلامة في بداية نقاشه للحديث النبوي كمصدر تشريعي وهذه العبارة لها صلة بما يراه (جولت تسيهر) في نقده للحديث النبوي وقد أوردها في المجلد الثاني من كتابه والعبارة بنصها الإنجليزي كما يلي: The Hadith: The second great source of Mohammedan Law is the traditions of the Holy Prophet. These have been the subject of great discussion both in ancient and modern times. Among their modern critics professor Goldziher has subjected them to a searching examination in the light of modern canons of historical criticism and arrives at the conclusion that they are, on the whole, untrustworthy "الحديث: المصدر التشريعي الثاني العظيم للفقه المحمدي هو حديث رسول الله —صلى الله عليه وسلم. وقد نوقش نقاشا عظيما في القديم والحديث. ومن بين نقدته المعاصرين هو الأستاذ (جولت تسيهر) الذي نقد الحديث نقد الباحث المختبر ووصل إلى نتيجة بأنه ككل في ضوء أسس النقد التاريخي المعاصر غير موثوق به" وخلال السنوات القادمة قد تغير الأحوال تغيرا كبيرا ولكن، نظرا إلى عصر العلامة تبرز إمكانيات ثلاثة وهي: يجب تفسير الدين وتعبير الحقائق في ضوء ما يعترف به المخاطب من الفكر المعترف به. يجب تغيير المبادئ المعترف بها أو تغليطها لدي المخاطب ويتم بداية النقاش معه في ضوء ما يعترف به من الأفكار والقضايا. فإذا لم يوجد الاتفاق على المعاني الأساسية والمبادئ الفكرية فيجب رفض إمكانيات الحوار ونكتفي بمناجاة النفس. وقد اختار العلامة المنهج التطبيقي الأول فحاول أن يفهم المخاطب وجهة نظره هنا كما سمح له الامتياز في مباحث أخرى لتجديد الفكر الديني على أساس ما جاء به المخاطب نفسه من الرأي. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان جانب آخر للقضية وذلك لأن آراء المؤلفين المنصفين غير هولاء المذكورين لم يكن قد ظهر بعد كما أن المؤلفين المسلمين لم يقوموا بالرد على نقد الغربيين بعد فيما اعترضوا على تاريخ الحديث وتدوينه وصحة استناده كما أن المثقفين المسلمين ثقافة غربية لم يكونوا قد تمكنوا على مكانة فنية في علوم الحديث كما أنهم كانوا لا يزالون تحت سيطرة رهبة الغرب النقدية وبهذين السببين لم تعد لديهم الصلاحية للرد العلمي كما أن العلماء المعاصرين لم يكونوا مطلعين على نقد الغربيين وجرحهم ولم يتمكنوا من ادراك الاعتراض من النوع العصري ففي مثل هذه الظروف لم يكن سبيل لدى العلامة غير أن يتخذه في خطابه الإنجليزي غيرما اختاره لإفهام المسلم المثقف ثقافة غربية وتأثروا بالغرب. إن موقف إقبال المتحذر وتجنبه إنما هي نتيجة هذه الظروف القاهرة وما اقتضاه ذلك المنهج المتحذر . وقد بدأت الأحوال تتغير رويدا رويدا بعد عصر العلامة ففي ناحية قد ظهر الكتاب المنصفون في الغرب وأخذوا يدرسون الحديث وتاريخه دراسة موضوعية كما أنهم أوضحوا الموقف الواهن الذي اتخذه هؤلاء المستشرقون، وفي ناحية ثانية قد برز علماء بين طبقات المسلمين المثقفين ثقافة غربية حديثة في نفس الوقت كانوا على مكانة في علوم الحديث والمعارف الإسلامية بالإضافة إلى الاطلاع الواسع على المنهج العلمي الغربي والبحوث التي قام بها هؤلاء المستشرقون إن استيعاب هؤلاء المثقفين المسلمين للعلوم وشمولهم على المعارف قد كانت بداية عهد جديد للحديث النبوي ودراسته، إن كتابتهم التي قاموا بها في هذا المجال قضمت ظهر الآراء الفاسدة التي سحر بها المستشرقون العالم كما أن الرهبة الواهية المسيطرة على عقول المثقفين المسلمين قد تلاشت إلى حد بعيد ومن بين هؤلاء العلماء المسلمين بل على رأسهم قد كان الأساتذة الدكاترة: محمد حميد الله وفؤاد سيزكين وظفر إسحاق أنصاري . ولكن التراث الفكري الذي تركه (جولت تسيهر) وأضرابه لم يعدم نهائيا بل نشأ أتباعهم الذين تقدموا بطريقة البحث التي أوجدوها وكتبوا لها الهوامش والحواشي ومن أبرز هؤلاء الأتباع هو (جوزيف شاخت) والذي يستحق أن يسمى خليفة (جولت تسيهر) في أصح معاني الكلمة بل من الصواب بأن نقول إن نقد (جولت تسيهر) للحديث النبوي الشريف قد ازداد شدة وعنفا واعتداء حين وصل إلى (جوزيف شاخت) وأضرابه من اتباع المستشرقين وأن العلماء الباحثين الذين ذكرناهم فيما مر بنا من السطور كان منهم الأستاذان مصطفى الأعظمي وظفر إسحاق الأنصاري قد تناولا بحوث (شاخت) خاصة ونقدا منهاجه العلمي والبحثي ونتائجه نقدا فعالا بأسلوب علمي مؤثر أخاذ مما أوضح وهن معارضته وتفاهته كما يوضح ضعف استدلاله وذلك مما يفضح أمانة (شاخت) وذهانته كذلك! ولقد كان من نتائج بحوثهما القوية المبينة العميقة المستوعبة أن آراء (جولت تسيهر) وأضرابه لم يعد لها مكانة وشعبية في أوساط الغرب العلمية مما جعل الجادين من أهل العلم لا يقبلون ما قاله هؤلاء المستشرقون ولا يعيرونه أي اهتمام بل بدأوا يجتنبون منه! إن ما قام به هؤلاء الأفاضل من علمائنا المسلمين قد كان على أسس متينة وبأساليب أخاذة مما جعل الغرب العلمي يعترف بفضلهم وأقدامهم الراسخة في استدلالهم المنطقي المقنع ويعتبر الأستاذ (ويل— بي حلاق) سندا في الفقه الإسلامي وتطوره التاريخي ونستطيع أن نلاحظ صدى التاثير الذي تركه علماؤنا هؤلاء في عقول الغربين ونفوسهم في أحدث كتاب للأستاذ حلاق فقد أكره (حلاق) على الاعتراف بهم مستسلما بين يدي هذه الكتابات فقال: However, mounting recent research, concerned with the historical origins of individual prophetic reports, suggests that Goldziher, Schacht and Juynboll have been excessively skeptical and that a number of reports can be dated earlier than previously thought, even as early as the Prophet. These findings, coupled with other important studies critical of Schacht's thesis, go to show that while a great bulk of prophetic reports may have originated many decades after the Hijra, there exists a body of material that can be dated to the prophet's time. Therefore, I shall not a priori preclude the entirety of prophetic reports as an unauthentic body of material, nor shall I accept their majority though many may have been admitted as autentic (sahih) by the Muslim "science" of hadith criticism. "على الكل، فإن الكثير المتكاثر من أحدث البحوث حول الأحاديث النبوية يقترح بأن جولت تسيهر وشاخت وجوين بول قد كانوا متشككين متطرفين للغاية وأن العديد من بين الأحاديث يمكن أن يرجع تاريخها أقدم مما يتصور وحتى إلى عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) إن هذه الاكتشافات إلى جانب الدراسات النقدية الأخرى لما قاله شاخت تدل على أن معظم الأحاديث النبوية قد ترجع إلى العديد من العقود بعد هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) قد وجد مقدار من المادة الحديثية يمكن أن يرجع إلى عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) ومن ثم لن أستطيع أن أعتبر وجود المادة الحديثية من المستحيل وأنها موثوق بها كما أنني لن أستطيع أن أعتبر المادة كلها أو جلها بأنها موثوق بها حتى ولو كان علماء الحديث قد قبلوها كأحاديث صحيحة في ضوء علم أصولها!" وفيما يلي نقدم النص المعرب لمقال الأستاذ ظفر إسحاق الأنصاري المهم جدا وذلك أن الأستاذ شاخت قد استخدم قاعدة في نقده للحديث النبوي وقد سماها الأستاذ الأنصاري "بدليل المسكوت عنه" وقد ناقش الأنصاري جوانب القاعدة من صحتها وسقمها وبرهن على ما ينقص نقد شاخت للحديث وأن الذي يترتب عليها من النتائج التي تسقط في استنادها واعتبارها، إن مقالة الأنصاري مهمة وفعالة جدا وحتى أننا لن نكون من المبالغين إذا قلنا بأنها لو كانت قد نشرت في 1920م لكانت عبارة المحاضرة الخامسة للعلامة إقبال مختلفة تمام الاختلاف مما نجدها اليوم! نقد منهج جوزف شاخت في دراسة الحديث للأستاذ الدكتور ظفر إسحاق الأنصاري تعريب: محمد الغزالي إن من النظريات الأساسية التي نالت قبولا عاما لدى الباحثين الغربيين المشتغلين بدراسة تاريخ صدر الإسلام هي نظريتهم عن أحاديث الرسول —صلى الله عليه وسلم— أو آثار صحابته —رضوان الله تعالى عليهم أجمعين— ومفادها أن هذه الأحاديث والآثار بالجملة هي تتعلق بعهد متأخر عن العهد الذي تنسب إليه يعني عهدي الرسول —صلى الله عليه وسلم— والصحابة الكرام. فزعموا أن ظهور الأحاديث لم يكن إلاّ نتيجة مجتمعة لنسبة مجموعة من الآراء الشخصية (والموضوعة في عهد متأخر) بواسطة سلسلة من الرواة إلى الرسول — عليه الصلوة والسلام— و إلى صحابته. وإن الدافع الرئيسي للقيام بهذه العملية إنما هو الاستمداد بهؤلاء الشخصيات المحترمة لتوثيق نظرياتهم، وبعبارة أوضح وأبسط، فإن أصحاب هذا الموقف يزعمون أن مجموعة الأحاديث النبوية ليس إلاّ نتيجة لتزوير على نطاق (واسع) كبير قام به أصحابه بدافع ديني!؟ وإن نزعة الاعتراض على وثوق الأحاديث، وبالأحرى نزعة رفضها ظهرت بوضوح خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في مؤلفات كبار المستشرقين من أمثال وليم موير، والوئز سبرنكر، والفريدفون كريمر، وثيودور نيولدكي (1) ولكننا نجد في كتابات أكناز كولد زيهر (الذي كرس الجزء الثاني من مؤلفه "الدراسات المحمدية" لدارسة ظاهرة الحديث) أوضح وأشد تعبير لهذه النزعة. وإن لبّ ما وصل إليه كولد زيهر عبارة عن القول بأن الأحاديث لا تمثل إلا الاتجاهات والآراء الموجودة في القرنين الثاني والثالث الهجري، وقلما تلقى ضوءا على بداية القرن الأول الذي ينسبها إليه أصحابها. وما لبث أن حظي هذا الرأي بقبول عام لدي المستشرقين من أهل الغرب، وظل أمرا ثابتا في أذهانهم. وجاء بعد كولد زيهر عدد من المستشرقين الذين استخدموا الأحاديث بكثرة كمصدر للدراسات عن صدر الإسلام — وأبرز هؤلاء إثنان وهما أ. ج. وينسنك وجوزف شاخت. أما وينسنك فأخذ الأحاديث المتعلقة بالعقيدة والكلام لدراسات تطور العقيدة الإسلامية واختار في دراسته نفس الاتجاه الذي اختاره كولد زيهر. ولكن جوزيف شاخت عنى بمصادر الفقه الإسلامي فقام بدراسة الأحاديث ودورها في نمو الفقه الإسلامي وفي تطور كل من النظريات الفقهية والآراء التشريعية فهو لم يصادق على النظرية الأساسية لكولد زيهر فحسب بل تعداها إلى حد كبير. فخرج بدعوى أن اتصال رواية الأحاديث بالعهد النبوي قد أمر وقع متأخرا جدا في تاريخ الإسلام، وأن عددا كبيرا من الأحاديث التشريعية تم ترويجها بعد سنة 150هـ (وهي) التي بدأ فيها —على حد رأيه— "العهد الأدبي" للأحاديث، ويعني بذلك نقل الأحاديث بصورة مكتوبة. و قد كان التشكك عند شاخت أشد مما كان عند كولد زيهر وهذا يتضح من القاعدة المنهجية (التي) استنبطت مما توصل إليه كولد زيهر كما يدعي شاخت، وجاء التعبير عن ذلك في كلام شاخت كما يأتي: " …لا بد من اعتبار كل حديث تشريعي عن النبي —صلى الله عليه وسلم— كتعبير موضوع عن رأي تشريعي اتخذ في عهد لاحق، ما لم يثبت العكس ولا يمكن اعتباره كبيان موثوق به.. " (4). فكان هذا موقف شاخت في كتابه: Origins of Muhammadan Jurisprudence الذي ظهر في عام 1950م ولما ظهر كتابه الثاني: Introduction to Islamic Law بعد 14 سنة (وقد بدأ فيه أن) هذا المستشرق قد انتقل إلى رأي متطرف أكثر من ذي قبل، فقال فيه: "يكاد يكون من المستحيل توثيق أي من هذه الأحاديث فيما يتعلق بأمور التشريع الديني" (5) وقد استدل شاخت بعدم ورود كثير من الأحاديث في بعض المصادر في الفترة المتقدمة، على عدم وجودها في تلك الفترة —وهذا الاستدلال، حسب تعبيره هو، كالآتي: "أن أحسن طريق لإثبات عدم وجود حديث في عهد معين هو أن (نعلن فنقول) أن ذلك الحديث، لم يستعمل كدليل فقهي في نقاش يستوجب الاستدلال بذلك الحديث لوكان بالفعل موجودا … ويؤيد هذا النوع من الاستدلال ما جاء في كلام الإمام الشيباني حيث يقول: وليس عندهم في هذا أثر يفرقون بين هذه الأشياء. فلو كان عندهم لجاءوا به فيما سمعنا من آثارهم، (الشافعي، كتاب الأم، الجزء السابع، ص 288)، فيمكننا أن نفترض بأن الأحاديث التشريعية التي نعني بها قد أوردها أصحاب الآراء الفقهية لدعم مواقفهم، وسرعان ما انتشرت هذه الأحاديث" (6). ولكن عندما يعتمد شاخت على هذا الاستدلال، فإنه لا يراعي ضوابط الاستدلال التي وضعها بنفسه أي: " أنه يفترض عدم وجود حديث ما في عهد معين إذا لم يستعمل ذلك الحديث (فيه) كدليل في نقاش يستوجب الاستشهاد به" (7) ويشعر استخدامه المتطرف لهذا الدليل كأن العلماء المسلمين في القرنين الثاني والثالث الهجريين كانوا في حالة دائمة من المناقشة، وهو افتراض يرفضه العقل السليم بداهة. إن هذا المقال لايتعلق بالضبط بموضوع وثوق الأحاديث ولا بآراء شاخت في هذا الموضوع بالجملة وإنما يعني خاصة باستدلال شاخت المبني علي إنكار وجود خبر أو أثر بناءا على سكوت المصادر عنه، وهو ما يقوم عليه موقف شاخت من إنكار وثوق الأحاديث بصفة عامة. —2— إن قراءة عابرة لكتاب Origins توضح أن قاعدته في البحث واستدلاله سطحي للغاية، وسيكون من اللامعقول الموافقة على هذا الاستدلال إلا إذا سلّمنا الافتراضات التالية: أنه خلال القرنين الأولين لم يذكر رأي فقهي إلاّ وقد ورد معه بيان دلائله وخاصة الأحاديث التي تؤيد ذلك الرأي الفقهي. أنه ما من مجموعة من أحاديث معلومة عند فقيه (أو محدث) إلا وهي معلومة أيضا عند جميع الفقهاء (أو المحدثين) في زمنه. أن جميع الأحاديث التي "نشرت" في عهد معين، قد دوّنت تدوينا كاملا وصارت مشهورة على نطاق واسع وأصبحت محفوظة تماما بحيث أننا إذا لم نجد حديثا في كتاب من كتب أحد العلماء المعروفين فهذا يعني بالضرورة، عدم وجود ذلك الحديث في عهده سواء في منطقته أو في سائر أنحاء العالم الإسلامي آنذاك. ولا يتفق أي من هذه الافتراضات مع الشهادات التاريخية بل يمكننا أن نثبت بصورة إيجابية أنها لا تنسجم مع الحقائق المعروفة عن ذلك العهد وسيتضح هذا بما نبّينه في ما يأتي. إن أقدم كتب الحديث التي وصلت إلينا تم تأليفها في حوالي منتصف القرن الثاني وما بعده، وبعضها منذ القرن الأول (8). وكان لتأليف هذه الكتب طائفة من الأسباب منها الحرص على حفظ الآراء التي اتبعها شيوخ المؤلف وعلى الأخص الآراء المقبولة في مذهبه في الجملة، ولهذا السبب كان أولئك المؤلفون يكتفون بتسجيل آراء مذاهبهم ولم يهتمّوا بالضرورة ببيان الأحاديث عن الرسول —صلى الله عليه وسلم— أو عن الصحابة، —رضي الله عنهم—، لتأييد تلك الآراء (9). ومن المعلوم قطعا أن كثيرا من الآراء المستنبطة من القرآن الكريم قد سجّلت في هذه الكتابات بدون أي إحالة إلى الآيات القرآنية المتعلقة بها (10). وهناك شهادة كافية تثبت أن الأمر كان كذلك بالنسبة إلى الأحاديث أيضا كما توجد لدينا أمثلة كثيرة لقيام فقيه ببيان مذهبه في قضية معيّنة وعدم اعتنائه بالإحالة إلى الحديث الذي يؤيد مذهبه أو يتعلق به مع أنه يمكن البرهنة على أن ذلك الفقيه كان مطّلعا على ذلك الحديث (11) ويكون من المفيد، البحث عن الأحاديث التي وجدت في الكتب السابقة ولكنها لم تذكر في الكتب اللاحقة، وهذا يعني العمل على طريق معاكس لافتراض شاخت وهو سوف يأتي بنتائج مهمة للغاية لأنه إذا كان من الممكن —وهو في نظرنا من الممكن— أن نثبت أن كثيرا من الأحاديث الواردة في كتب متقدمة لا توجد في كتب متأخرة فضلا عن الكتب المعاصرة، وكان ذلك لأن فقهاء العصر الذي نتكلم عنه لم يعتبروا أنفسهم ملزمين بذكر الأحاديث الكثيرة التي عرفوها ولو كانت مؤيدة لآرائهم، فهذا كله يضع استدلال شاخت موضع شكوك خطيرة. وفي الصفحات الآتية نقوم بعرض دراسة مقارنة لطائفة من الآراء الفقهية لبعض فقهاء القرن الثاني لكي نظهر ونثبت بطلان افتراضات شاخت. فنبدأ هذه الدراسة بالمقارنة بين الموطأ للإمام مالك والموطأ للإمام محمد بن الحسن الشيباني. فالموطأ للإمام مالك —كما نعلم— تشتمل على الآراء الفقهية لأهل المدينة، وهو في الوقت نفسه من أقدم مجموعات الحديث. وكان الإمام مالك (المولود حوالي 95هـ) المؤسس للمذهب المالكي، أكبر سنا من الإمام الشيباني (المولود في 132هـ) الذي ينتمي إلى مذهب الإمام أبي حنيفة (المتوفى 150هـ) في الفقه، وقد أعد الشيباني نسخة لموطأ الإمام مالك. فبالإضافة إلى إيراد ما ذكره الإمام مالك من آراء وما جمعه من أحاديث تحتوي، نسخة الإمام الشيباني على الآراء التي اختلف فيها مذهبه مع الإمام مالك. وتتلو هذا أحيانا أحاديث تؤيد آراء مذهب الشيباني. وهناك روايات كثيرة في الموطأ للإمام مالك —رحمه الله— لا توجد في الموطأ للشيباني مع أن الشيباني كان أصغر سنا وآخر عهدا من الإمام مالك (12). والأعجب من ذلك ما نرى أحيانا أن بعض أحاديث الموطأ للإمام مالك التي تؤيد آراء مذهب الإمام الشيباني لا توجد في موطأ الشيباني أصلا، وفي ما يلي بعض أمثلة لذلك: يشتمل باب أوقات الصلوات في الموطأ للإمام مالك (ص 3 وما بعدها) على 30 حديثا بينما لا نجد منها في موطأ الإمام الشيباني (ص 42 وما بعدها) إلاّ ثلاثة أحاديث. إن الاختلاف في الوقت الأولى لأداء صلوة الفجر بين أهل الكوفة وأهل المدينة أمر معروف، فأهل المدينة رأوا أن الأولى هو أداء صلوة الفجر في الغلس، و أهل الكوفة ذهبوا إلى الإسفار في الفجر. ويشير الموطأ للشيباني إلى رأي أهل الكوفة في هذه القضية (ص 42) والغريب أن الشيباني لا يذكر في هذا الصدد حديثا عن رسول الله —صلى الله عليه وسلم— (وقد) ورد في الموطأ للإمام مالك —رحمه الله— (ص4 وما بعدها) رغم أنه يؤيد مذهب الشيباني(13). وردت في الموطأ للإمام مالك —رحمه الله— (ص 42 وما بعدها) ستة أحاديث حول وجوب الوضوء بمس الذكر ولكن الإمام الشيباني —رحمه الله— لم يذكر في موطأه (ص 50) إلا حديثين منها — ومن الأحاديث التي تركها الإمام الشيباني —رحمه الله— في هذا الباب حديث عن رسول الله —صلى الله عليه وسلم— وحديث عن ابن عمر —رضي الله عنهما—. أورد الإمام مالك —رحمه الله— أربعة أحاديث حول الغسل بالجنابة في الموطأ (ص 44 وما بعدها) ولكن الشيباني —رحمه الله— لم يذكر منها إلا حديثا واحدا في موطأه (ص 70 وما بعدها) ومما تركها الشيباني —رحمه الله— حديثان عن رسول الله —صلى الله عليه وسلم—. وفي باب " غسل المرأة إذا رأت في المنام …." هناك حديثان في الموطأ للإمام مالك (ص 51 وما بعدها) بينما يوجد في موطأ الشيباني (ص 79) منهما حديث واحد، وموطأ الشيباني —رحمه الله— لا يورد الحديث مع السند المذكور في موطأ مالك —رحمه الله— إلى رسول الله —صلى الله عليه وسلم— وهو: مالك عن أم سلمة عن أم سليم عن رسول الله —صلى الله عليه وسلم—. الباب بعنوان:" الوضوء من القبلة" الموجود في موطأ مالك —رحمه الله— (ص 43 وما بعدها) لا يرد في موطأ الشيباني —رحمه الله— أصلا. الباب بعنوان: " الطهور في الماء" الموجود في موطأ مالك —رحمه الله— (ص 22 وما بعدها) لا يوجد في موطأ الشيباني. هناك بابان بعنوان: "البول قائما" و "السواك" موجودان في موطأ مالك — رحمه الله— (ص 64 وما بعدها) ولكن لا نجدهما في موطأ الشيباني —رحمه الله. إنّ باب "النداء في الصلاة" في الموطأ للإمام مالك —رحمه الله— (ص67 وما بعدها) إذا قارنّاه بالباب المماثل في الموطأ للإمام الشيباني —رحمه الله— (ص 82 وما بعدها) نجد أن عدة أحاديث واردة في الأول (الأحاديث 1، 3، 5، 6، 7، 9) ولم ترد في الثاني. الباب بعنوان "كفن الميت" في موطأ مالك —رحمه الله— (ص 223 وما بعدها) يشتمل على ثلاثة أحاديث لم يرد منها في موطأ الشيباني —رحمه الله— روي عن عبد الله بن عمرو عن العاص —رضي الله عنهم—. ومن الحديثين المتروكين في موطأ الإمام الشيباني —رحمه الله— حديث يصف كفن رسول الله —صلى الله عليه وسلم—. إن الحديث المروي عن ابن عمر —رضي الله عنه— في موطأ الإمام مالك —رحمه الله— (ص 283)لم يذكر في باب زكوة الفطر في موطأ الشيباني — رحمه الله— (ص 176). إنّ الأحاديث المذكورة في باب "من لا تجب عليه زكاة الفطر" (ص 285 وفي باب "مكلية زكوة الفطر" (283) لا توجد في موطأ الشيباني —رحمه الله— أصلا. إننا نجد في باب "استئذان البكر والأيّم" ثلاثة أحاديث في موطأ الإمام مالك —رحمه الله— (ص 524 وما بعدها) بينما يوجد منها في موطأ الإمام الشيباني حديث واحد (ص 239) وأحد هذين الحديثين اللذين لم يذكرهما الشيباني هو حديث عن رسول الله —صلى الله عليه وسلم. إن باب "اللعان" في موطأ الشيباني (ص 262) لا يحتوي على عدة أحاديث نجدها في نفس الباب من موطأ الإمام مالك —رحمه الله— (ص566 وما بعدها). الباب في الأنواع المحرّمة من بيع التمور في موطأ الإمام الشيباني (ص330 وما بعدها) لم يأخذ من الأحاديث الثلاثة المروية في هذا الباب عن رسول الله —صلى الله عليه وسلم— في موطأ الإمام مالك —رحمه الله— (ص 623 وما بعدها) إلا حديثا واحدا. وكذلك يمكن لنا البرهنة على خطأ المنهج الذي اتبعه شاخت بدراسة مقارنة بين كتب الإمامين أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني —رحمهما الله— وخاصة بين "آثار أبي يوسف" و" آثار الشيباني" فإن عددا كبيرا من الأحاديث المحفوظة في "آثار أبي يوسف" لا توجد في "آثار الشيباني" مع أن صاحب الكتاب الأول أكثر سنا من الثاني (15). آثار أبي يوسف رقم 845: حديث عن ابن مسعود حول المضاربة لا يوجد في آثار الشيباني. آثار أبي يوسف رقم 830: حديث روي عن النبي —صلى الله عليه وسلم— حول الاختلاف بين البائع والمشتري في الثمن لا يوجد في آثار الشيباني. آثار أبي يوسف رقم 666: حديث عن عمر رضي الله تعالى عنه في باب الطلاق والعدة، لا يوجد في آثار الشيباني. وردت في آثار أبي يوسف —رحمه الله— عدة أحاديث حول النفقة والسكنى (الأرقام: 593، 608، 726، 728) وهي لا توجد في آثار الشيباني —رحمه الله. الأحاديث الواردة تحت الأرقام 704، 707، 709 عن اللعان في آثار أبي يوسف —رحمه الله— لا توجد في آثار الشيباني —رحمه الله—. آثار أبي يوسف —رحمه الله— رقم: 857 حديث عن سالم عن المزارعة لا يوجد في آثار الشيباني —رحمه الله—. آثار أبي يوسف —رحمه الله—: 779 و780 حديثان عن الفرائض لا نجدهما في آثار الشيباني —رحمه الله. آثار أبي يوسف —رحمه الله—: 399، 401، 597، 607 …الخ في مسائل متفرقة لم تذكر في آثار الشيباني —رحمه الله— (16). ويتضح من هذا أن الإمام الشيباني لم يسجل عدة أحاديث مع أنه لا يوجد لدينا أي سبب للقول بأنه لم يعرفها —وهذا يبطل الافتراض الذي اتخذ منه المستشرق شاخت وسيلة إلى الإدعاء "بنمو" الأحاديث وهو تجاهل في هذا الصدد، أن الصور الممكنة الآتية التي يمكن الإثبات إن كلا منها كان في حيزّ الإمكان: أن الشخص المعني ربما سمع حديثا معينا ثم نسيه (17). أنه ربّما سمع ذلك الحديث ولكنه لم يعتبره صحيحا. أنه ربّما كان عارفا بحديث معين ولكن نظرا إلى أنه لم يصل إلينا جلّ ما عرفه الفقهاء من الأحاديث —وخاصة المتقدمون منهم— لا نجد تلك الأحاديث مذكورة في المراجع المتوفرة لدينا اليوم وذلك على الرغم من أن هذه الأحاديث كانت موجودة في زمن معين. فالإغماض عن هذه الاعتبارات كلها وصرف النظر عن الدلائل القطعية التي تثبت الموقف الآخر والإصرار على التشكك الخارج عن الاعتدال كل هذه الأمور لا تليق في نظرنا بمكانة أي مؤرخ أو باحث جاد. هوامش 1. انظر للمؤلف:The Early Development of Islamic Fiqh in Kufah with Special Reference to the Works of Abu Yusuf and Shaybani 2. وهي رسالة دكتواره (مطبوعة على الآلة الكاتبة) قدمها المؤلف إلى معهد الدراسات الإسلامية بجامعة مك جل بمونتريال عام 1966م، (ص 193 وما بعدها) والهوامش المتعلقة بها، وسوف نشير إليها. 3. ب) الأنصاري:" Early Development" 4. ولدراسة ظهور الاتجاه المتشكك بين المسلمين نحو الأحاديث، انظر: 5. G. H. A. Juynboll, "The Authenticity of the Tradition" Literature: Discussion in Modern Egypt، Leiden 1969". 6. هناك استثناءات جديرة بالملاحظة وأبرزها الأستاذة نابية أبوت (Nabia Abbott) ففي كتابها: 7. "Studies in Arabic Literary Papyri، II: Quranic Commentary and Tradition، Chicago، 1967." 8. قامت الأستاذة المذكورة بجمع شواهد واضحة تثبت منتهى المبالغة في الرأي المذكورة بل بطلانه ومن بين الدراسات الأخرى التي نقضت هذا الموقف لأسباب متعددة ينبغى الاستفادة من: 9. "Fuat Seizgin، Geschichte des Arabischen Schrifttums، Vol.1، Leiden" . 10. ولكي تتمكن من تكوين فكرة موجزة عن قيمة أعمال هذين المؤلفين انظر: 11. C. J. Adams، "Islamic Religious Tradition" ، in L. Binder، ed.، The Study of the Middle East. New York، London، Sydney and Toronto 1976. 12. وانظر كذلك دراسة الدكتور محمد مصطفي الأعظمي التي تنتقد موقف شاخت: 13. Studies in Early Hadith.، Beirut، 1968. 14. وهناك كتاب مهم آخر صدر مؤخرا وصاحبه يختار أساسا اتجاه جولد زيهر وشاخت، وهو: 15. G.H.A. Juynboll، Muslim Tradition: Studies in Chronology، Provenance and Authorship of Early Hadith، Cambridge، London، New York، 1983. 16. وللاطلاع على الدراسات الأخيرة حول التاريخ الابتدائي للعقيدة الإسلامية ولاسيما استعمال مواد الحديث فيها، راجع مؤلف فان اس: 17. Josef Van Ess، Zwitchen Hadith and Theologie: Studien Zum Entehten Pradistianatianischer Uberlieferung، Berlin and New york، 1975. 18. وانظر أيضا المؤلف الأخير له: 19. Michael Cook، Early Muslim Dogma: A Source Critical Study، Cambridge and New York، 1981. 20. جوزف شاخت: The Origins of Muhammadan Jurisprudence، III Impression Oxford 1959، P. 149. 21. وسوف نكتقي بالإشارة إلى هذا المصدر بذكر: Origins في ما يأتي. 22. جوزف شاخت: "An Introduction to Islamic Law" (London 1964) ، P.34. 23. وتكون الإشارة إليه فيما يأتي به: Introduction 24. Origins ص 140 وما بعدها. 25. وللعثور على مثال أورده شاخت بنفسه وهو ينقض افتراضه الذي يبتني عليه استدلال شاخت انظر Origins، ص 142. تحت عنوان: "الأحاديث التي وجدت في الفترة بين الأوزاعي ومالك". وهنا يعترف شاخت بضرورة "الحذر في استعمال الدليل المبني على سكوت المصادر" رغم أنه يستعمله مرارا عديدة ويستبيح لنفسه ذلك بعد أن حذر الآخرين منه. والجدير بالملاحظة أن شاخت يستعمل بكثرة كتب عهد متأخر كمصدر للآراء المتداولة خلال القرنين الأول والثاني، وهذه الطريقة هي مخالفة صريحة لما وضعه هو من الأصول. (انظر، نفس المصدر ص 140 وما بعد ها) فأورد شاخت دليلا اعتمد على الشيباني في تأييد مذهبه، مثلا على أساس كتاب من كتب القرن الخامس المتأخر وهو "المبسوط" للسرخسي ( المتوفى حوالي 483هـ) وعلّق عليه قائلا: "إن الشيباني يبنى استدلاله بطريقة ماهرة ويدخل تمييزا منصفا، وهذا كما يبدو، هو الدليل الذي اعتمد عليه الشيباني في الواقع" (Origins ص 271) 26. وهكذا يورد رأي من ينتسب إلى القرن الثاني الهجري على أساس رواية عياض (المتوفى 544هـ)ذكرت في شرح الموطأ للزرقاني (نفس المصدر ص 107 وما بعدها) للأمثلة الأخرى على هذا انظر نفس المصدر ص 273، 303 وفي أماكن كثيرة أخرى. 27. 7) انظر:Origins ص 271. 28. 8) يرى شاخت أن العهد الأدبي في التاريخ الفقهي الإسلامي يبدأ حوالي سنة 150هـ (أنظر مقالة جوزف شاخت بعنوان: "التطور الإبتدائي والخلفية ما قبل الإسلام للفقه" في مجموعة مقالات صدرت بعنوان: "القانون في الشرق الأوسط" حققها ماجد خدوري وجي (Liebesney) واشنطن 1959م ج 1، ص 50) كما يبدو جوهر رأى مارجوليت مثله تماما (انظر — أيس مارجوليت): The Early Development of Mohammedanism 29. لندن 1914م، صفحات 39 وما بعدها) —وفي اعتقادنا بدأ تأليف الكتب في عهد متقدم ولكن قلما يوجد الآن أي من هذه الكتب— وعلاوة على ذلك أن المجموعات القديمة كانت مختصرة وغير مدونة تدوينا كاملا. فلما ظهرت الكتب الشاملة لم تبق الحاجة إلى الكتب المتقدمة واندثرت بمرور الزمن— وللاطلاع على العهد المتقدم للحديث انظر فؤاد سيزكين: "Geschichte des Arabischen Schrifttums" 30. الذي سبق إليه الإشارة وانظر أيضا نابية ابوت (Nabia Abbott) التي سبقت الإشارة إلى مؤلفها وانظر محمد مصطفى الأعظمي: "Studies in Early Hadith" المذكور سابقا. 31. 9) أنظر الأنصاري: "Early Development" صفحات 62 وما بعدها و 225 وما بعدها. 32. 10) نفس المصدر، ص 192 في الباب الرابع رقم 51. 33. 11) أنظر على سبيل المثال كتاب الآثار لأبي يوسف —رحمه الله— (القاهرة 1355هـ تحت رقم 1048)، وقارنه بآثار الشيباني — رحمه الله— كراتشي، طبع حوالي 1960م) تحت رقم 878. فيظهر من ذلك أن رأيا فقهيا معينا أورده أبو يوسف —رحمه الله— كحديث عن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم— ورواه إبراهيم، يذكره الشيباني —رحمه الله— في آثاره كرأي إبراهيم بدون أي إشارة إلى حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم— (وسوف نشير إليهما بآثار أبي يوسف وآثار الشيباني والأرقام الواردة هي تشير إلى أرقام الآثار لا إلى أرقام الصفحات) وهكذا نرى أن أبا يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة —رحمه الله— في كتابه "اختلاف أبي حنيفة و ابن أبي ليلى" (القاهرة 1358. رقم الفقرة 116، وانظر كذلك إلى كتاب:Origins صفحات 321 وما بعدها) يورد حديثا معينا عن الرسول —صلى الله عليه وسلم— ولكن الأثر رقم 738 من "آثار أبي يوسف" لا يذكره إلا كرأي للإمام أبي حنيفة —رحمه الله— كما نجد الإمام أبا يوسف في كتاب الخراج (القاهرة 1352هـ ص 91) ينقل حديثا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم— في قضية المزارعة مع أسناده وقد أورده ابن أبي ليلى أيضا ولكن نرى أن كتاب "اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى" الذي يحتوي على آراء ابن أبي ليلى (والتي يتفق معها أبو يوسف) يوجد فيه هذا الحديث ولكن بدون أسناده. 34. 12) يمكن أن يقال هنا أن هذه المقارنة بين المؤلفين وهذا الاستنتاج منها لامبرر لهما. والسبب الأساسي في ذلك هو أن الموطأ للإمام مالك —رحمه الله— في الحقيقة عبارة عن نسخة أعدها يحيى بن يحيى الليثي (المتوفى 334هـ) فيلزم من ذلك أن نعتبر الموطأ للإمام مالك —رحمه الله— مصدرا متأخرا عن موطأ الشيباني وهو عكس ما عملنا. وردا على الاعتراض المفترض نقدم ملاحظتين: أولاهما هي أن الأستاذ شاخت نفسه يعتبر الموطأ للشيباني مصدرا متأخرا ويبني على ذلك استدلالات معينة (انظر Origins ص 143) وثانيهما هي أنه لو سلّمنا بأن موطأ الإمام مالك —رحمه الله— آخر عهدا من موطأ الشيباني ثم قمنا بالمقارنة بين أحاديثه وأحاديث موطأ الشيباني، فالنتائج التي تظهر من هذه المقارنة سوف تؤدي إلى بطلان أسس المنهج الذي اختاره الأستاذ شاخت بصورة أوضح وأقوى. 35. 13) الجدير بالملاحظة هو أنه ذكر الحديث المذكور في كتاب "الحجج" للشيباني (لكنؤ 1888م، صفحة 1 وما بعدها) حيث أورد المؤلف عدة أحاديث تؤيد رأي مذهبه. 36. 14) إن عدم نقل هذا الحديث لا يثبت جهل الشيباني له لأنه يذكره في كتاب "الحجج" ص 289، بنفس الأسناد الموجود في الموطأ تماما ويعتمد في رأيه على هذا الحديث بعينه. وهذا بالضبط هو موقفنا: أنه لا يجوز الافتراض أن عالما من العلماء ينقل الحديث الذي يعرفه على الدوام كما لا يصح الافتراض أن عدم نقل حديث معين من قبل عالم يعني عدم وجود ذلك الحديث. 37. 15) وكان هذا بالرغم من كون الشيباني أصغر سنا من أبي يوسف الذي كان أيضا من أساتذته. وبالإضافة إلى ذلك قام الشيباني بتحقيق كتب أبي يوسف كما ألّف بنفسه كتبا مبنية على كتب أبي يوسف أو مماثلة لها. ولذلك إذا لم نجد عددا ملحوظا من الأحاديث ذكرها أبو يوسف في كتب الشيباني المماثلة لها فحينئذ يبطل أساس جميع المزاعم والافتراضات التي يقوم عليها استدلال شاخت. 38. 16) انظر للمؤلف: "Early Development" Chapter، 4، nn. 115، 166، and 120. 39. 17) وللاطلاع على المباحث حول النسيان في الأحاديث أو في أسانيدها أو فقد المراجع التي احتوت على هذه الأحاديث أو حول عدم رواية كافة الأحاديث التي عرفها الراوي الخ. انظر "الخراج" ص 57، و" الرسالة" للإمام الشافعي —رحمه الله— تحقيق أحمد محمد شاكر، القاهرة 1940م، ص431، إن كلام الشافعي —رحمه الله— في هذا الموضوع بمنتهى الإيضاح. نلخصه في ما يلي: 40. 1) هناك أحاديث كثيرة نقلها الشافعي في كتبه منقطعا مع أنه سمعها متصلا أو مشهورا، ولكنه رجّح نقلها كأحاديث منقطعة لأنه لم يتقن حفظها. 41. 2) لقد غاب عنه بعض كتبه فلم يجد بدا من التحقيق بما يعرفه أهل العلم مما حفظه. 42. 3) لقد اختصر الشافعي الكتاب فأتى ببعض ما فيه الكفاية دون تقصى العلم في كل أمره. 43. (انظر الشافعي، كتاب الأم 7 مجلدات، بولاق (ج 5—1321هـ، ج 4، ص 177، ج6، ص 3، و172 و ج 7، ص 40). شعر إقبال وأثر الأدب العربي فيه للأستاذ حسين أحمد براجه تعريب: محمد سميع مفتي يقول شاعرنا إقبال في بيت له: "إن للعشق سبيلا وشيــات ولماس كان في صدري فتات" ومعنى الشعر الأردي الحقيقي "إن في صدري مأسة ذات ألوف من الوجوه ويختلف كل وجه عن غيره في لونه" .ففي هذا البيت يشبه علامة محمد إقبال رحمه الله نفسه بقطعة مأس ذات آلاف من الوجوه، فحصه مئات جوهري من نواحي شتى، فحصوه وعاينوه وسجلوا ما لاحظوا فيه، ولكنهم لم يقدروا بيان سعته. كتب عنه (أي عن إقبال) —رحمه الله— كثيرون وسيكتب عنه أكثر إن شاء الله. أما الآن فأدرس وجها من آلاف وجه لشخصيته التي لم تدرس حتى الآن إلا قليلا. لا أقول أناقش في هذا الوجه لأن المناقشة من مهمة العلماء الباحثين المناقشين، وإنما أقول سأكشف الستار عن هذا الوجه وليس غير ذلك. فمن هذه الناحية مقالتي ليست على الفكر والنظر وإنما على الدعوة إليهما. إن العلامة —رحمه الله— كان ذو سبع لغات. فكان يجيد البنجابية والأردية والفارسية والعربية والإنكليزية والألمانية والسنسكريتية. فإنه أدخل في كلامه روح كل ما تحيط به هذه اللغات من علم وأدب وفلسفة بعد أن تمتع منه وارتوى خلال سنين عديدة، ثم أفادنا بكلها حسب هدفه الخاص، ألا وهو إحياء الحضارة الإسلامية. لا نجد في رجال الأدب عندنا غيره من ارتوى وتغذى من مثل هذه المنابع الوفيرة.كما قيل فيه: إن الحجاز ولندن ودلهي وويمر وشيراز ما هي أنوع تخرج من فمك من أصوات ومن البديهي أن عقل إقبال الأخاذ قد أخذ وتأثر مما وجد من منتوج قادة العلم والأدب في هذه الأراضي المتنوعة كما تمص النحلة من روح الورود والأزهار وتجذبه إلى نفسها. فإنه جنى اللآلي من شيكسبير وملتن وجوئته وبهرتري هري وحافظ ونطشه، من عظماء الشعراء والكتاب والفلاسفة، فكيف يمكن أن لا يتأثر باللغة العربية وأدبها، اللغة التي كان يحبها لكونها لغة القرآن الكريم. إنه درس العربية أثناء دراسته الابتدائية وامتحن فيها وفاز بدرجة امتياز. كتب عن نفسه رسالة إلى مهاراجا سر كشن بهادر رئيس وزراء ولاية حيدر آباد دكن (الهند) ويقول فيها: "لقد نلت الدرجة الأولى من اختبارات اللغة العربية في ولاية البنجاب كلها." فنجد في مصنفاته مقتبسات من كتاب "الحماسة" وذكر المتنبي وكذلك آيات القرآن الكريم تضمينا في شعره. فنعرف من ذلك علاقته بالعربية وتقدمه فيها أدبيا وعلميا. وكان قد حل محل بروفيسور آرنلد في جامعة لندن لستة أشهر أستاذا للعربية. ولكن من العجيب أنه لا يوجد عندنا أي محاولة علمية ودراسة تذكر، تبين تلك الآثار العميقة للغة العربية وأدبها في كلامه. وقد كتب البعض عن موضوع "القرآن الكريم والعلامة أقبال" ولكنها —كما أعتقد— من محاولات تشير إلى ارتباطه بالعربية ارتباطا دينيا وفكريا. وأما الآثار العربية الأدبية العامة التي توجد في شعره لا أجد مصنفا واحدا مشهورا تبين تلك الجهة لشعره. ولعل سببه عدم الإعتناء والمبالاة بالأدب العربي المنتشرتان فينا —للأسف— هذه الأيام. إن القرآن الكريم أكبر قطعة أدبية مع أنه كتاب ديني، والذي استسلم أمامه الشعراء (العرب) الكبار والخطباء البلغاء، ولا يخفى على أحد بأن ممدوحنا إقبال كان مولعا به. ومصحفه كان يبتل بدموعه كثيرا حتى أنه احتاج عدة مرات أن يوضع في الشمس حتى يجف، وأعتقد أنه لا يزال يكون موجودا عند ابنه جاويد إقبال. فمن البديهي أنه تأثر من كلامه البليغ وحد به حسه الشعري. فعند ما بين القرآن الكريم أحوال القيامة وصورها بقوله: ﴿يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا.﴾ ذكرها إقبال في بيت له: تخفف من الثقل هذا الحجر وتضرب والطود هذا انكسر فإني واثق من أن مثل هذا التأثر من التمثيل القرآني إن بحثنا عنه في شعره لوجدناه وفيرا. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته.﴾ فهنا أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الرياح أنها مبشرات لرحمته، التي تأتي إلى كل منطقة مقدما للمطر الذي من رحمته، فتبشرنا بقدومه. ويقول إقبال رحمه الله بلسان الغيوم الجبلية: قدرة الله هدتني للـــدرر وحداء النور فـي ركب عسيـر وكذلك جاء إقبال بتلميحات قرآنية بطريقته الخاصة الجميلة، فيقول في بيت له: ذلك الفلك.. جـدار لليتيــم لم يكن موسى بـهذا بالعليم ويقول أيضا: وكذا للشمس في الصحرا غروب عين إسماعيل تبدو من غيـوب وكثيرا ما جاء بآيات الله سبحانه وتعالى تضمينا في شعره ومن الأحاديث النبوية الشريفة أيضا. لا تتسع هذه الأوراق لبيانها. وإنه كان هناك إماما معروفا باسم البوصيري وكان يمدح النبي —صلى الله عليه وسلم— في شعره، ومن قصائده المشهورة بين العرب والعجم "قصيدة البردة". ويقال عنه أنه عندما انتهى من قصيدته هذه تشرف برؤية النبي —صلى الله عليه وسلم— في المنام، فأعطاه بردته هدية له على هذه القصيدة. فيشير إليه إقبال في شعره فيقول: يا من أهديت بوصيري ومن الأبيات المشهورة لهذه القصيدة: أهبت الريح من تلقاء كاظمـــة أو أومض البرق في الظلماء من أضم فيذكر فيه موضعين: كاظمة وجبل أضم. فيأتي شاعرنا ببيان هذين الموضعين في بيتين له فيقول: وسحاب الليل ترك غيوما حمراء وزرقـاء وأعطى وكسا جبل إضم الملابس الملونة الهواء من الغبار نقية والنخيل فيها مغسولة ورمال نواحي كاظمة مثل الحرير الناعمة الأرض التي أرض أحلام إقبال —رحمه الله— أرض الحجاز، وكان يعتقد عنها: يقر بنفسي كنفس العبيـد ولـحن الأعـاجم ليـس المفيد فلهذا السبب كان يسمي صوته صوتا حجازيا. هي للعرب وغير يشربــون ومن الشـرب تـراهـم يخجلون إن تكن كأسي ولحني للعجم كل شـيء لي حجــازي النغم والمنظومة باسم "النخيل الأول الذي زرعه عبد الرحمن الداخل في أرض أندلس" في الديوان "جناح جبريل" في الحقيقة ترجمة حرة لأبيات عربية كتبها عبد الرحمن الداخل، قد جاء ذكرها في كتاب "تاريخ المقري" . وكذلك منظومته "صراخ المعتمد في السجن" مأخوذة من الأدب العربي أيضا. وكذلك الفقرة الأولى من المنظومة "الذوق والشوق" تحمل معها مناخ البيئة العربية: لنار خــمود وحبل قطــع قوافـــل مرت وما من سمــع وفي قصيدة "خضر الطريق" نرى نوعا من تذوق الأدب العربي. وهكذا نجد أن مرثيته لأمه بعنوان "في ذكرى الأم المرحومة" قد نشأت من مرثية المتنبي على وفاة أم الملك سيف الدولة. يقول أحد شعراء العرب سموئل بن عادياء في بيت له المذكور في كتاب الأدب العربي المشهور "الحماسة" مادحا جبلا في أرض قبيلته قائلا: رسا أصله تحت الثرى وسما به إلى النجم ترع لا ينال طويل فإقبال يمدح جبل أرض وطنه جبل همالايا بقوله: ارتفعـت ووصـلت للثـريــا وبـأرض والسمــاء لك دنيـا وكان هناك فئة من رجال شداد ذووا العزم والهمة معروفين باسم "الصعاليك". وكانوا معروفين في الضرب والحرب والنهب، وكان اعتقادهم وعملهم، حسب قول شاعرنا في نصيحة عقاب لابنه: ويا طفل أنت أطرت الحمام فـفي لذة الأكل ليست ترام ورئيسهم يمدح نفسه في أشعاره ويحكي قصص ضيافته للغريب وإكرامه للضيف، ويرى لنفسه راحة في أنه ينهب أموال الأغنياء ويوزعها على المساكين والمحتاجين. فإنه يقف من هذه الناحية مواقف الكاتب الإنكليزي "رابن هد" وجماعته. وأشعار هذه الفئة من الشعراء تحمل معه نفس اللذة التي يحظى بها القائم على المهمات الخطيرة المهلكة. وهذه الفئة تسمى باسم الصعاليك. وكلمة صعلوك في معناها اللغوي الفقير والمسكين والمحتاج ولكنهم استخدموها بمعنى الذي يلوح فيه الاستغناء والجرأة والعزة والشأن كما يستخدم كلمة "قلندر" بالأردية و" الدوريش" في الفارسية والعربية. وقد وردت في الحماسة قطعة شعرية جميلة جدا قالها عمرو بن ورد رئيس الصعاليك، يقول فيها: لَحَا اللهُ صُعْلُوْكًا إذَاجــنِ لَيْلُــهُ مُصَافِى الْمُشَاشِ آلِفًا كُلَّ مُجْــزَرِ يَعُدُّ الْفَتَى مِنْ نَفْسِهِ كُلَّ لَيْلَـــةٍ أَصَابَ قِرَاهَا مِنْ صَدِيْقٍ مُيَسَّــرِ وَلَكِنَّ صُعْلُــوْكًا صَفِيْحَةُ وَجْهِهِ كَضَوْءِ شِهَابِ الْقَابِسِ الْمُتَنَــوَّرِ فَذَلِكَ إِنْ يَلْقَ الْمَنِيَّـةَ يَلْقَهَــا حَمِيْدًا وَإِنْ يَسْتَغْنِ يَوْمًا فَأَجْـدَرِ أكتفي بهذا القدر من العينة لأن هذه القصيدة طويلة جدا. ومفهومها الإجمالي بأن يقول أهلك الله الصعلوك الذي يذهب إلى المذابح ليقتات فيها العظام ليلا، ويعمل بأمر نساء قبيلته نهارا، ثم يرقد بالثرى مبيتا، ثم ينهض فجرا وينفض الحصى عن بدنه، إن أعطي وأطعم وجبة رأي نفسه أسعد ساكني الأرض. ولكني أحب ذلك الصعلوك الذي وجهه مشرق كشعلة اللهيب أمام باحث نار في ليل مظلم، والذي لا يأمنه أعداؤه بأي حال من الأحوال، وكل لحظة يخافون إدراكه إياهم أينما بلغوا وأينما ساروا. وإن فاز ذلك الصعلوك في مهمته فلله دره، وإن فشل وضحى بحياته فهو الممدوح. فكأن العروة يرى أن هؤلاء الصعاليك الذين اختاروا الذل والمسكنة افتضحوا شأن الفقر وأصبحوا عارا على فقر الصعلكة. ثم يأتي بنموذج لجرأة الصعلوك الحقيقي وسلوكه العظيم. فكأن العروة قارن بين فقر وفقر، ويعنى من الفقر الأول "الذلة والمسكنة" ومن الفقر الثاني "الرعب والشأن والحماسة" فنفسه يذكر إقبال في أشعار له فيقول: يعلم صيدا لصيادنـــا وفقر أذاه لحكامنـــا هنالك فقر وفيه المصـاب وآخر إكسيره من تـراب هنالك فقر لدى كـربلاء لأجل الحسيــن لنا ما نشــاء وعندما نقرأ بيت عروة بن الورد هذا وَلَكِنَّ صُعْلُوْكًا صَفِيْحَةُ وَجْهِهِ كَضَوْءِ شِهَابِ الْقَابِسِ الْمُنَتَوَّرِ يرد في أذهاننا أبيات إقبال التالية: قلب صوفي من الفقـر خــلا دمعة الشجعان فيـــه لا ولا لست درويشا إن تناسيت النسور إنما تخفي جديرا بالظهــور وإن "بنات الدهر" أسلوب فصيح عربي يعبر به عن المصائب والخطوب التي يرد علي الانسان. فاستخدمه الشاعر إقبال استخداما عجيبا. هذه الدنيا صروف في ازدياد أمهات الدهر أكثرن الــولاد فاستخدم أسلوب "بنات أم الأيام" الذي ترجم إلى العربي بـ" أمهات الدهر". وخوفا من أن لا تطول مقالتي أترك ذكر ما نجد في شعر شاعرنا محمد إقبال من أمثلة وأساليب مأخوذة من المصادر الأدبية العربية ومنحوتة حسب البيئة العربية. وجدير بالذكر أنني لا أدعي أن محاولتي لبيان إقبال حسب الموضوع المحدد قد أحاطت كل ما يحتاج إليه بيانه. وأعترف بتقصيري فيه ولكني قمت بهذه المهمة لذكرى بأنه لا بد أن يرعي هذه الناحية في دراسة شعر إقبال. وكما قلت في بداية المقال: إن محاولتي هذه: "إنما هي سراج يرشد إلى الطريق وليست الغاية المنشودة" العروج السماوي بين إقبال والمعري للحافظ عبد القدير سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. (القرآن,17/1) إن فكرة مشاهدة العالم العلوي كانت موجودة في الأدب الديني، فالإسرائيليات (1) مثلا تضم الروايات عن بعض الأنبياء والرسل الذين شاهدوا الحقائق السماوية مناظر الجنة والجحيم، ولم تقتصر الروايات السابقة على ذكر معراج بعض الأنبياء فقط، بل نجد أن هذا الحدث قد وقع لغير الأنبياء أيضا طبقا لما تحكيه الروايات، كذلك نجد رؤية زرتشت (2) لله في كتب ديانة زرتشت المقدسة، كما أننا نجد معراج أرداويراف الإيراني (3) بالتفصيل في كتبه، ولكن هذه الرحلات السماوية التي نجد ذكرها مبثوثا في الكتب ليست حقائق مصدقة، إنما هي قصص روتها الأجيال عن الأجيال وضرب من الخيال لا صلة لها بالحقيقة على خلاف المعراج النبوي الذي تضمن ذكره القرآن والسنة، والذي تحقق للرسول — صلى الله عليه وسلم— بالروح والجسد على السواء (4). فالنبي —صلى الله عليه وسلم— ذهب في ليلة من الليالي ـ وهو في مكة في البيت الحرام ـ إلى بيت المقدس مع جبريل وصلى بالأنبياء فيه، ثم عرج به إلى السماوات فشاهد مناظرها وتكلم مع من كان فيها من الأنبياء والرسل والملائكة ـ عليهم أزكي التحيات والتسليمات ـ وشاهد الجنة والنار، ثم تركه جبريل ليصل إلى سدرة المنتهي، فيتشرف برؤية الله سبحانه وتعالي والكلام معه، فلقد رأى من آيات ربه ما رأى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى. ثم عاد إلى الدنيا بهدية من الله لعباده، وهي الصلاة، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (القرآن،4/103) ولعظمة هذا الحدث الذي اختص به النبي —صلى الله عليه وسلم— جادله المشركون وغيرهم (فيه) حتى جري ذكره على ألسنة المعاصرين لرسول الله —صلى الله عليه وسلم— كما استرعي انتباه كثير من الأدباء الإسلاميين وغيرهم فيما بعد، وأثار خيالهم وشحذ قرائحهم، حتى أن بعض الشعراء جعل من فكرة المعراج موضوعا لشعره، ومن أبرز هؤلاء الشعراء: أبو يزيد البسطامي (5) وأحمد الغزالي (6) وأبو المجد مجدود حسن بن آدم السنائي (7) وابن الطفيل (8) وابن العربي (9) وعبد الرحمان الجامي (10) ومن الناحية الأدبية فإن للمعراج جانبا أدبيا بحتا، وليس معناه أنه خال أو مجرد عن الجانب الخلقي والديني، بل المراد به أن جانبه الأدبي أبرز وأظهر فمن هذه الناحية نجد أن الأدباء والشعراء في العصور المختلفة من التاريخ كتبوا كتبا ودونوا دواوين ونهجوا فيها منهج المعراج وأرسلوا أنفسهم أو أصدقاءهم إلى المعراج على سبيل الخيال، وسجلوا خيالهم في صور أدبية شعرا كان أو نثرا. فإنهم جعلوا هذه الكتب وتلك الدواوين سبيلا لإظهار مقدرتهم الأدبية وإبراز معرفتهم بالتاريخ وإلى التعبير عن فلسفتهم الدينية، فمن أشهرهم: أبو العلاء المعري حكيم المعرة والشاعر الإيطالي الشهير "دانتي" (11) وشاعر شبه القارة الهندية العلامة محمد إقبال. وسيدور حديثنا في هذا المقال حول دراسة "رسالة الغفران" أو معراج ابن القارح (12) الذي أرسله أبو العلاء المعري إلى السماوات و" جاويد نامه" أو معراج الشاعر الباكستاني الكبير العلامة محمد إقبال، ونتناول فيما يأتي فكرة المعراج السماوي عند كل منهما وما شاهده في عالم الخيال، ثم نقوم بمقارنة بينهما. وإني عند ما وازنت بين الشاعرين وجدت كثيرا من العقبات اعترضت طريقي، فقد سبق أبو العلاء إقبالا بما يقرب من ألف سنة، فظروف العصرين والبيئتين تختلف اختلافا بينا...... هذا مع أن أبا العلاء كان يقرض الشعر بالعربية في حين أن شاعرنا الباكستاني سجل مشاعره باللغة الأردية والفارسية. نظرة عابرة على رسالة الغفران إن المعري كتب "رسالة الغفران" جوابا على رسالة أرسلها إليه صديقه أبن القارح الذي كان يتحامل على الأدباء والشعراء ويري أنهم ببعض ما قاموا به من العمل أو القول أو ترك بعض الفروع الدينية أو شرب الخمر خرجوا من نطاق الإسلام، واستحقوا بالجحيم مقرا لهم. كتب المعري هذه الرسالة على لسان صديقه ابن القارح، وحاول أن يثبت للناس أن رحمة الله أوسع وعفوه أعم، ويبين لهم أن شعراء الإسلام والجاهلية أكثرهم من الممكن أن ينالوا النجاة من النار بإيمانهم بالله أو بعمل صالح أو بنية خالصة أو بتوبة سبقت منهم في آخر حياتهم، رغم أن الفقهاء المتشددين يظنون أنهم من أهل النار ويحكمون عليهم بالكفر والزندقة. كما أنه تناول آراء بعض العلماء والأدباء والفقهاء في الشعر والأدب والأخبار الدينية للنقاش. ففي هذه الكوميديا الإلهية يرسل أبو العلاء المعري صديقه إلى الجنة، فيقابل الشعراء والأدباء فيهما. وها نحن نقدم للقارئ موجزا من أخبار عروجه: يبدأ المعري رسالته بتوضيع الموضع الذي يضع أبن القارح فيه من الجنة وهو موضع تظله شجرة "تأخذ ما بين المشرق والمغرب" عندها جميع أسباب النعيم خمر لا يسكر شاربها، تدار في كؤوس الذهب على أهل الجنة، وهم يتمتعون بأشجى الألحان، ثم يتخيل المعري نزهة لابن القارح في الجنة، يرى في أثنائها بعض شعراء الجاهلية والإسلام كالأعشي (13) وزهير (14) وعدي بن زيد النصراني (15) والنابغة الذبياني (16) وحسان بن ثابت، وغيرهم وقد دخل كل منهم الجنة بعمل صالح أو بإيمان بالله وطيد قبل أن يبعث الله محمدا —صلى الله عليه وسلم— بالإسلام ثم يجري المعري الحديث على لسان ابن القارح ويجعله يقص علينا كيفية دخوله الجنة. وذلك أن ابن القارح عند ما بعث من قبره يوم القيامة وجد حسناته قليلة، إلا أن التوبة موجودة في آخرها، فلما ضاق من الوقوف في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة وما استطاع الصبر على العطش وشدة الهول، ذهب إلى رضوان —خازن الجنة— ولجأ إليه بالوسائل المعروفة في الدنيا، كمدحه بالشعر والاستشهاد على صحة إيمانه وعلي توبته وطلب منه أن يسمح له بالدخول في الجنة ولكنه يرفض فيذهب إلى خازن آخر اسمه زفر، ويسعي أن يتقرب منه بنفس الحيلة والدهاء ولكن لا ينفعه ذلك شياء وبينما هو على تلك الحال إذ يقع نظره على حمزة بن عبد المطلب، فيذهب إليه ويمدحه، فيبعث معه رجلا إلى ابن أخيه على بن أبي طالب، وفي طريقه إلى على بن أبي طالب يلتقي بأبي علي الفارسي (17) ويزيد بن الحاكم الكلابي(18) فيفلت من يده الكتاب الذي فيه ذكر توبته، فلا يشفع له. ثم يلتفت ابن القارح فيري الناس مجتمعين فيخبر أنهم من العترة المنتخبين وفيهم على بن الحسين (19) ومحمد بن على (20) وزيد بن على (21) وهم ينتظرون خروج فاطمة بنت محمد —صلى الله عليه وسلم— التي ستخرج من الجنة للسلام على أبيها، فيتوسل إليهم بالصلاة التي كان يصليها على النبي —صلى الله عليه وسلم— وعلي عترته الطيبين في الدنيا ويطلب منهم أن يشفعوا له أمام فاطمة رضي الله عنها. وعندما تخرج فاطمة مع إخوتها (22) وأمها خديجة يخبرونها عنه، فتأخذه إلى محمد —صلى الله عليه وسلم— وتذكر له شأن الرجل وشفاعة الأئمة الطاهرين فيه، فينظر النبي —صلى الله عليه وسلم— في عمله، فيؤذن له بالدخول إلى الجنة، فيعبر الصراط بمساعدة جارية من جواري فاطمة ويساعده إبراهيم بن محمد —صلى الله عليه وسلم— في الوصول إلى الجنة، وأخيرا يدخلها. فأول من يزوره في الفردوس هو حميد بن ثور الهلالي (23) ثم لبيد بن ربيعة (24) ثم يقوم ابن القارح بمأدبة في الجنة يدعو إليها شعراء الخضرمة والإسلام، والذين حفظوا كلام العرب ودونوه في الكتب فيجتمع عنده جم غفير من الشعراء والعلماء في شتى مجالات العلوم والأدب. وبعد الطعام يبدأ الغناء والشرب. فالمغنون والمغنيات كالغريض (25) ومعبد (26) وابن سريج (27) وإبراهيم الموصلي (28) وإسحق بن إبراهيم (29) والجرادتين (30) وجران العود (31) يغنون لهم كلام الشعراء المختلفين. ثم يذهب ابن القارح إلى حدائق الحور، فمن ثمرة يكسرها تخرج جارية حوراء عيناء وتخبره بأنها منيت بلقائه قبل أن يخلق الله الدنيا بأربعة آلاف سنة. ويخطر ببال ابن القارح أن يذهب لمشاهدة أهل الجحيم، فيمر بطريقه على مدائن الجن الذين آمنوا فاستحقوا بأعمالهم وإيمانهم دخول الجنة، وهنا يقوم ابن القارح بوصف تلك البقعة من الجنة كما يكلم واحدا منهم اعتنق الإسلام لما سمع قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد، والجدير بالذكر أن ابن القارح يراه في صورة شيخ كبير ولا يجده شابا، فيسأله عن ذلك فيخبره بأن العفاريت في الدنيا كانوا يستطيعون أن يتمثلوا بأي صورة أرادوا بخلاف الإنس، فأكرم الإنس الآن بذلك دون الجن، وإن الجن يعرفون كل لغات البشر وفنونهم، ثم يقع نظره على أسد افترس عتبة أبي لهب (32) ثم يلتقي بالحطيئة (33) فيسأله عن سبب نجاته، فيخبره بأنه نجا بالصدق في قوله: أبت شفتاي اليوم إلا تكلما بهجر، فلا أدري لمن أنا قائله؟ أرى لي وجها قبح الله خلقه فقبح من وجه، وقبح حامله ثم عندما يصل ابن القارح إلى أقصى الجنة وبالقرب من النار تستقبله الخنساء (34) التي جاءت إلى النار لتنظر إلى أخيها صخر، فيطلع معها فيراه كالجبل الشامخ، والنار تضطرم في رأسه فيقول: " لقد صح مزعمك فيه يعني قولها: وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار ثم يطل على الجحيم، فيجد إبليس في السلاسل والأغلال، والزبانية يضربونه بمقامع من حديد، فيدور الحوار بين ابن القارح وبين إبليس عن الغلمان والولدان المخلدين في الجنة فيسأله إبليس: هل يفعل أهل الجنة بالولدان فعل أهل القرية (35) ؟ فيرد عليه بأن الله سبحانه وتعالى قال: ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خلدون (القرآن، 2/25) ثم يتابع سيره فيرى بشار بن برد (36) في أصناف من العذاب فيريد أن يحادثه ولكنه يعرض عنه بسبب عذاب يشغله عنه ثم يخاطب إمرأ القيس (37) فيخبره بأن كثيرا من الأبيات التي تنسب إليه ليست له بل اخترعها بعض شعراء الإسلام ونسبوها إليه ثم يلتقى به عنتره العبسي (38) ويتكلم معه حول شعره ويخبره بأنه يشق عليه أن يدخل الجحيم مثله. ثم يقع نظره في الجحيم على علقمة الفحل (39) فيتكلم معه، كما يحاور عمرو بن كلثوم (40) والحارث اليشكري (41) وطرفة بن العبد (42) وأوس بن حجر (43) وأبا كبير الهذلي (44) والأخطل (45) فيقول الأخطل بأنه أخطأ في أمرين: الأول: أنه لم يعتنق الإسلام والثاني: أنه عاشر يزيد بن معاوية ثم يعود أبن القارح إلى قصره في الجنة فعندما يصير على (مسافة من) ميل أو ميلين يذكر أنه ما عرف أحوال مهلهل التغلبي (46) ولا الشنفري (47) وتأبط شرا (48) فيرجع على أدراجه ويتكلم معهم في الجحيم إلا أنه لا يجد الشنفري قلقا مثل الآخرين، فيذكر الشنفري سبب ذلك بأنه قال بيتا سبب تخفيفا من العذاب وهو: غوي، فغوت، ثم ارعوي بعد وارعوت وللقبر ـ إن لم ينفع الشكور ـ أجمل "فإذى رأى قلة الفوائد لديهم تركهم في الشقاء السرمد " ويرجع ابن القارح إلى الجنة فيلتقي بآدم ـ على نبينا وعليه الصلاة و السلام ـ في الطريق فيسأله عن شعره الذي روي عنه: نحن بنو الأرض وسكانها منها خلقنا وإليها نعود والسعد لا يبقى لأصحابه والنحس تمحوه ليالي السعود فينكر قول هذا الشعر قائلا: إنه كان يتكلم بالعربية في الجنة، فلما هبط إلى الأرض تغير لسانه إلى السريانية، ونسي اللغة العربية فلما توفي وانتقل إلى الجنة ردت إليه اللغة العربية فكيف كان يستطيع نظم هذا البيت بالعربية في الدنيا، ولأن الذي قال هذا البيت عارف بحقيقة: "منها خلقنا وإليها نعود" وكان آدم في الجنة قبل الخروج منها (و) لم يكن يدري ما هو الموت. وفي النهاية بينما يسير ابن القارح في أجواء الفردوس يلتقي بحيات كن قد عملن في الدنيا صالحا، ثم يمر ببيوت ليس لها ارتفاع بيوت الجنة فيجاب على سؤاله بأن هذه جنة الرجز (جمع الراجز) (49) ويجد فيها رؤبة بن العجاج (50) وأباه فيتكلم معهما. وبهذا ينتهي المعري من هذا المعراج الخيالي ويبدأ الجزء الثاني من رسالته وفيه يرد أبو العلاء على رسالة ابن القارح إجابة مباشرة صريحة، فيبدي رأيه في بعض مشاهير الأدب والفكر كأبي نواس (51) والمتنبي (52) وبشار وابن الراوندي (53) والحلاج (54) وابن الرومي (55) وأبي تمام (56) وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب أو في بعض الموضوعات كالموت والزندقة والدهر والقرامطة ومذهب الحلول والتناسخ وإدعاء الألوهية والزواج والخمر وما إليها. ولا يفوتنا أن نذكر أن أهمية الرسالة إنما ترجع إلى القسم الأول منها كما قال الدكتور شوقي ضيف. "أهمية الرسالة إنما ترجع إلى القسم الأول منها إذ قرنها الباحثون بسببه إلى الكوميديد الإلهية لدانتي محاولين النفوذ إلى بيان تأثره بها ومدي هذا التأثر، وهو تأثر تقوم عليه أدلة كثيرة، وبذلك لم يصنع أبو العلاء للعرب كوميديا إلهية فحسب، بل أثر بها أيضا أثرا عميقا في الآداب العالمية" (57) جاويد نامه لقد عالج إقبال فكرة المعراج في ديوانه "جاويد نامة" الذي يعد من أروع دواوينه بالفارسية، مزج فيها التصوف بالفلسفة والتاريخ، يبدأ بالمناجاة للرب، ونجده يشكو إلى الله حرمان الإنسان في هذه الدنيا من الصديق المماثل في الفكر والذهن ويتمنى أن يرزق بمثله وفي "التمهيد السمائي" تعير السماء الأرض وتعيبها بأنها بدون النور، فتكاد تذوب حياء فتتوجه إلى الله خجلة مطرقة رأسها شاكية بثها وحزنها، فيأتي النداء من السماء بأنك لا تقدرين قيمتك إنك تحملين على ظهرك النور الحقيقي أي الإنسان فهو رأس مالك بل رأس مال كل العالم، ثم في "نغمة ملايك" (أنشودة الملائكة) تكشف الملائكة عن هذا السر بأن ذلك اليوم الذي تحسد فيه السماء الأرض بسبب رقي آدم ليس ببعيد، وهذا هو سبب معراج الشاعر إلى الأفلاك العليا. إن الشاعر في بحثه عن الخلوة يذهب إلى نهر والشمس غاربة والنهار مدبر، فيعجبه جمال الطبيعة ورقة الهواء وخرير الماء في هدوء الصحراء فيزيد قلقا على الفراق عن خالقه، فيذرف دموعا غزارا، ويبدأ إنشاد الغزل الشهير للشاعر جلال الدين الرومي(58) الذي مطلعه: "بكشاى لب كه قند فراوانم آرزوست بنماى رخ كه باغ وكَلستانم آرزوست (59) فيظهر روح الرومي من خلف تل، ويتحدث إليه طويلا، ويلقى الضوء على الموجود، وغير الموجود، والمحمود وغير المحمود، والعقل والعشق، والجسد والروح، والزمان والمكان، وعلى فلسفة المعراج، ويلقبه بـ "زنده رود" (60) فيحن قلب الشاعر إلى سير الأفلاك عالم ويبكي لفراق ربه، ولا يستطيع الصبر. بينما هو في هذه الحال إذ يظهر زروان (61) الذي هو روح الزمان والمكان، وله وجهان، أحدهما مظلم والثاني مضيء ويقول له: إن قرأت "لي مع الله" (62) من أعماق روحك تحررت مني، أي من قيود الزمان والمكان. ثم بغتة يغيب عن الشاعر هذا العالم المادي، ويتمثل أمامه عالم جديد يرحب به فيه الملائكة، فيعرج الشاعر في صحبة مرشده الرومي إلى السماء فيصل أولا إلى فلك القمر ويتشرف بزيارة الرجل الملقب بـ "جهان دوست" (63) فيقدم جهان دوست نكاته التسعة الزاخرة بالحكم ثم ينظر الشاعر الطواسين الأربعة، (64) أي طس لكوتم (65) وطس لزرتشت، وطس للمسيح، وطس لمحمد —صلى الله عليه وسلم—، ويلتقي هناك بـ "زن رقاصه" (المرأة الراقصة) (66) وأهرمن (67) وطالسطائي (68) وأبي جهل وإن في نياحة أبي جهل الذي كان من أشد الناس حماسة في الدفاع عن الجاهلية لعبرة. إنه لما رأى أن الجاهلية تطرد من عاصمتها ومهدها طردا شنيعا هاجت في نفسه نخوة الجاهلية، وحنقت روحه، وشوهد متعلقا بأستار الكعبة يستغيث آلهته على محمد —صلى الله عليه وسلم— وينوح قائلا: باز كواى سنكَـ اسود باز كَوى آنجه ديديم از محمد باز كَوى اى هبل، اى بنده را بوزش بذير خانه خود را زبيكيشان بكَير كَله شان را بكَر كَان كن سبيل تلخ كن خرماى شان را بر نخيل! صر صرى ده باهواى باديه انهم أعجاز نخل خاوية اى منات اى لات ازين منزل مرو كَرز منزل مي روي از دل مرو اى ترا اندر دو جشم ما وثاق مهلتى إن كنت أزمعت الفراق (69) "أعد علينا أيها الحجر الأسود أعد علينا حديث ما لاقيناه على يد محمد، يا هبل ! يا من يقبل الاعتذار من عباده! اسلب بيتك من أيدي هؤلاء الزنادقة، سق غنمهم إلى الذئاب واجعل تمرهم مرا على نخلهم. أرسل عليهم صرصرا من ريح الفيافي، تجعلهم أعجاز نخل خاوية، يامناة! ويا لات! لا ترحلا عن منازلنا، و إذا كان لا بد من الرحيل فلا ترحلا عن قلوبنا، وما دام لك (يا لات) في عيني الوثاق فأمهلي، وإن كنت أزمعت الفراق)" وعلى فلك العطارد يقوم الشاعر بزيارة روحين لشخصيتين عظيميتن من القرن التاسع عشر الميلادي، وهما: جمال الدين الأفغاني (70) وسعيد حليم باشا (71) فيدور الحوار بينهم حول الدين والوطن والاشتراكية والملوكية، فكلمات الشيخ الأفغاني بهذا الصدد زاخرة بلآلي الحكمة، وتستحق أن تكتب بماء الذهب، فمما قاله: غريبان كَم كرده اند افلاك را درشكم جويند جان باك را رنكَـ وبو از تن نكَيرد جان باك جزبه تن كارى ندارد اشتراك دين آن بيغمبر حق نا شناس بر مساوات شكم دارد اساس تا اخوت را مقام اندر دل است بيخ او در دل نه در آب وكَل است (72) إن الغربيين فقدوا القيم السماوية، وذهبوا يبحثون عن الروح في المعدة، إن الروح ليست قوتها وحياتها من الجسم، ولكن الشيوعية لا صلة لها إلا بالجسم المادي، وديانة هذا الرسول الذي فاته الحق (73) مؤسسة على مساواة البطون. إن الأخوة الإنسانية لا تقوم على وحدة الأجسام والبطون، إنما تقوم على محبة القلوب وألفة النفوس. وقال: هر دو را جان ناصبور ونا شكيب هر دو يزدان نا شناس، آدم فريب! زندكَي اين را خروج آن را خراج درميان اين دو سنگ آدم زجاج! اين به علم ودين وفن آرد شكست آن برد جان راز تن، نان راز دست غرق ديدم هر دو را در آب وكَل هر دو راتن روشن وتاريك دل! (74) "إن الملوكية والشيوعية كلاهما تشتركان في القلق والسآمة، والجهل بالله والخداع للإنسانية. الحياة عند الشيوعية "خروج" وعند الملوكية "خراج" والإنسان البائس بين هذين الحجرين قارورة زجاج، إن الشيوعية تقضي على العلم والدين والفن، والملوكية تنزع الروح من الأجسام، وتسلب القوت من أيدي الفقراء، لقد رأيت كلتيهما غارقتين في المادة، جسمهما مضيء ناضر، وقلبهما مظلم فاجر" كما أنه يحكى انتقاد الأمير سعيد حليم باشا للثورة التي قام بها أتا تورك (75) في تركيا، ويذكر تفاهتها وأن زعيمها وقائدها محروم من كل إبداع وابتكار، ومن كل إصالة في التصميم والتخطيط، وأنه ليس إلا مقلدا أعمى لأوربا، يقول: مصطفي كو از تجدد مي سرود كَفت نقش كهنه را بايد ز دود نونكَردد كعبه را رخت حيات كَرز فرنكَـ آيدش لات ومنات ترك را آهنكَـ نو در جنكَـ نيست تازه اش جزكهنه افرنكَـ نيست سينه او رادمى ديكَر نبود در ضميرش عالمى ديكَر نبود لا جرم با عالم موجود ساخت مثل موم از سوز اين عالم كَداخت(76) "إن مصطفي كمال الذي تغنى بالتجديد في حياة تركيا ودعا إلى محو كل أثر قديم وتراث مأثور، ولكنه جهل أن الكعبة لا تجدد ولا تعود إلى الحياة والنشاط، إذا جلبت لها من أوربا أصنام جديدة، إن زعيم تركيا لا يملك اليوم أغنية جديدة في قيثارته، إنما هي كلها أغان مرددة معادة تتغنى بها أوربا من زمان، إن الجديد عنده هو القديم الأوربي الذي أكل عليه الدهر وشرب ليس في صدره نفس جديد، وليس في ضميره عالم حديث، فاضطر إلى أن يتجاوب مع العالم الموجود المعاصر، إنه لم يستطع أن يقاوم وهج العالم الحديث فذاب مثل الشمعة وفقد شخصيته." وعلى فلك الزهرة يمر الشاعر بواد اجتمعت الآلهة القديمة التي عبدتها أمم الجاهلية، ونحتت أصنامها وتماثيلها، وبنت عليها هياكل ومعابد، وعكف عليها السدنة والكهان، كبعل، واللات، ومناة، كلها وجلة مشفقة من الوحي المحمدي —على صاحبه ألف تحيات وتسليمات— الذي أحدث ثورة كبيرة عليها، ونقى الدنيا منها، وخلق عالما جديدا، قائما على نبذ الأصنام، يقوم أساسه على عقيدة التوحيد، كما إنها تري في هذا العصر الراهن الأفرنجي أملا لعودة الحياة إليها وبعثا من مراقدها، وتعلل الشاعر بالأغاني. ثم يطلع الشاعر على نهر من أنهار الزهرة فيجد في قعره أرواح فرعون (77) وكجنر (78). ثم تظهر روح المهدي السوداني (79) محرضة العرب على العمل مؤدية إليهم رسالة اليقظة: كَفت "اى روح عرب بيدار شو جون نياكَان خالق اعصار شو! اى فؤاد اى فيصل اى ابن سعود تا كجا بر خويش بيجيدن جو دود! زنده كن درسينه آن سوزى كه رفت در جهان باز آورآن روزى كه رفت! خاك بطحا خالدى ديكَر بزاى نغمه توحيد را ديكر سراى اى نخيل دشت تو بالنده تر برنخيزد از تو فاروقى دكَر؟ (80) "قال المهدي السوداني يخاطب العرب: يا روح العرب! استيقظي من نومك العميق، وأوجدي عصورا جديدة كما فعل السلف يا فؤاد! ويا فيصل ! ويا ابن سعود! إلى متى الانطواء على النفس كالدخان، أحرقوا قلوبكم بالحرقة الإسلامية الماضية وأحيوا للعالم الأيام السالفة، يا تراب بطحاء (أرض مكة) أنجب خالدا (بن وليد) جديدا وأسمعنا أنشودة التوحيد مرة أخرى. يا أرض العرب أنبت الله النخل في صحاريك نباتا حسنا، أليس من الممكن ظهور الفاروق (عمر بن الخطاب) من ترابك مرة أخرى؟!" وفي فلك المريخ يزور إقبال الشاعر الحكيم المريخي (81) ويسير معه في بلد مثالي يسمى "مرغدين" ويتناقش معه حول مسألة القدر، فاقواله المزدحمة بالمعاني القيمة، وآراؤه الحصيفة تدل على سمو تفكيره وعصارة تجاربه، منها: رمز باريكش بحرفى مضمر است تو اكَر ديكَر شوي، أو ديكر است (83) "إن كنهه الدقيق كامن في قول وجيز وهو أنك إن تغير ما بك، تغير الحظ المكتوب حسب تغيرك" وفي ميدان واسع بالمريخ يجد الشاعر نبية مريخ، تلقي خطابا تحث فيه النسوة على الثورة ضد الرجال، وتحرضهن على نيل الحرية من مخالبهم، وخطابها ممتع ومرير يمثل ضربة قاسية على الحضارة الغربية والمدنية الحديثة التي جنت على الإنسانية جناية عظيمة، من حيث أنها جرفت جميع القيم الروحية والخلقية، وأسهل طريقة للحصول على هذه الغاية هو دس الأفكار الغربية في مجتمعهم كما قال إقبال في موضع آخر: وه فاقه كش كه موت سى درتا نهين ذرا روح محمد اس كى بدن سي نكال دو فكر عرب كو دى كى فرنكَي تخيلات إسلام كو حجاز و يمن سى نكال دو (83) "ذلك الفقير المعدم الجائع (أي المسلم الخالص) الذي لا يهاب الموت، يجب أن تسلوا من جسده روح محمد —صلى الله عليه وسلم—، وعليكم أن تفسدوا فكر العرب بتغريس الأفكار الغربية فيه، وحينئذ تتمكنون من طرد الإسلام من الحجاز واليمن بكل سهولة." وعلى فلك المشتري يلتقي الشاعر بأرواح الحلاج وغالب (84) والمبلغة الإيرانية والشاعرة الشهيرة قرة العين طاهرة (85) ممن فضلوا المكوث في "كَردش جاودان" (الجولان السرمدي) على الجنة ونعيمها. يتمتع الشاعر بكلام كل واحد منهم ويتلذذ به، ثم يسأل غالب عن شرح شعره: قمري كف خاكستر وبلبل قفس رنكَـ اى ناله نشان جكَر سوخته جيست "ليست الحمامة إلا قبضة من الرماد، وليس البلبل إلا قفسا من اللون، فهل هناك شيء سوى البكاء والعويل، يدل على حرقة الكبد" ثم يسأله إقبال عن بيت آخر من شعره قاله في مدح النبي —صلى الله عليه وسلم. هر كجا هنكَامه عالم بود رحمة للعالمينى هم بود "فأينما جرت غوغاء عالم فلا بد من أن يوجد معها من يكون رحمة للعالمين" ولكن المعنى لا يتضح بشرح الشاعر فيوضحه الحلاج توضيحا مليئا بالمعاني والمعارف ثم يظهر إبليس ويشتكي. وعلى فلك زحل يعرض على الشاعر بحر الدم، وفيه سفينة عليها غادران معروفان أي جعفر من بنغال (86) وصادق من دكن (87) اللذان لم تقبلهما الجحيم، ولا يأتيهما الموت، وهما في عذاب شديد. ثم يظهر روح الهند في صورة حوراء وتشتكي. وعلى بعد من الأفلاك يلتقي الشاعر بروح نطشى (88) الفيلسفوف الألماني الشهير الذي لقبه إقبال بـ حلاج عصره. وفي النهاية يدخل الشاعر جنة الفردوس فيمر من أمام قصر شامخ للسيدة شرف النساء (89) ثم يلتقي بالسيد علي الهمداني (90) وملا طاهر غني الكشميري (91) فيتحاورون حول كشمير وماضيها وحالها ومستقلبها. ثم يلتقي بالشاعر الهندي الشهير "برتري هري" (92) الذي بشعره يجوش خاطر إقبال وتثور عواطفه، ويشعر بدبيب المعاني والأحاسيس في نفسه، وبحركة للحماسة الإسلامية في عروقه. ثم يرتفع في صحبة روح الرومي –مرشده— إلى العلي ويصل إلى مجلس الملوك كنادر شاه (93) وأحمد شاه (94) وسلطان تيبو (95) فيقدم تيبو آراءه الحصيفة وأفكاره القيمة حول الحياة والموت. وحور الجنة يطلبن من الشاعر إنشاد شعره ثم يتركه روح الرومي ويصل إقبال إلى جوار الجمال الإلهي، فيتكلم بما شاء الله أن يتكلم به، ثم يتجلى ربه فجأة بجلاله، فيعم النور الأرض والسماء فلا يستطيع الشاعر التكلم مزيدا ويخر صعقا، وهنا تنتهي رحلته الخيالية ويقدم إقبال للجيل الجديد الفلسفة التي جاء بها من وراء الأفلاك في صورة خطاب يخاطب به نجله "جاويد" ويجعله رمزا للجيل الناشئ. أوجه التشابه كلا الشاعرين اتخذ رسالته سبيلا إلى إظهار مقدرته العلمية والأدبية، وإبراز معرفته بالتأريخ وإلى التعبير عن فلسفته الدينية.كلاهما فكر في معجزة الإسراء والمعراج وحاول أن يستلهمها في شعره كما أسري بالنبي (صلى الله عليه وسلم).كلا الشاعرين اتخذ نخبة من الأشخاص الذين لقيهم هناك من المشاهير من الذين عاصروه أو سبقوا عصره وحادثهم فيما يهمهم من الشؤون.كلا الشاعرين اقتبس الكلمات والجمل من القرآن والحديث خلال الكلام لتحسين الأسلوب وتجويده.لا ريب في أن المعري وإقبال استمدا فكرة المعراج من آية الإسراء وقصة المعراج، ومن كتب الحديث والاسرائيليات والتاريخ.كلاهما التقي بإبليس خلال هذا السفر.كلاهما لقي الحور العين في الجنة.كلاهما لاقي الشعراء الذين سبقوه وتكلم عن شعرهم.أبيات كل منهما تتضمن الحكمة في ظاهرها وباطنها معا.إن كتابي "جاويد نامة" و "رسالة الغفران" يدلان على طول باع مصنفيهما في ميدان الأدب.كلاهما دخل الجنة وطاف بها.يجد القارئ في جاويد نامة أسلوب كل بطل مظهرا لشخصيته، فعلى سبيل المثال: أسلوب إبليس المتأجج يدل على ثورة ذهنه. إنه يقول: صيد خود صياد را كَويد بكَير الأمان أز بنده فرمان بزير از جنين صيدى مرا آزاد كن طاعت ديروزه من ياد كن ابن آدم جيست؟ يك مشت خس است مشت خس را يك شرار از من بس است اندرين عالم اكَر جز خس نبود اين قدر آتش مرا دادن جه سود شيشه را بكَداختن عارى بود سنكَـ را بكَداختن كارى بود آنجنان تنكَـ از فتوحات آمدم بيش تو بهر مكافات آمدم(96) "إن الصيد (الإنسان) بنفسه يحب أن يقع فريسة لي ولكني أعوذ بك من هذا العبد المطيع، إنني أتوسل إليك بأعمالي الحسنة التي قمت بها في الماضي من أن تحررني من مثل هذا الصيد، ما هي قيمة آدم وقدره! حفنة من الغثاء ويكفيها شرر من ناري. فلو لم يكن في الدنيا إلا الغثاء فلم أعطيتني هذا القدر من النار، صهر الزجاج عار وصهر الحجر افتخار، يا رب قد تعبت من مثل هذه الانتصارات المستمرة التي لا تسبب لي إلا الندامة والعار." وهكذا كل كلمة (من كلمات) المبلغة قرة العين الطاهرة دالة على علو همتها وجودة قريحتها، وإخلاصها ومثابرتها وحبها وحماستها التي تزخر لرسالتها التبليغية ونفس الشئ نجده عند إبليس في رسالة الغفران: "فيقول (إبليس): بئس الصناعة! إنها تهب غفة من العيش لا يتسع بها العيال، وإنها لمزلة القدم، وكم أهلكت مثلك، فهنيئا لك إذ نجوت، وإن لي إليك حاجة، فإن قضيتها شكرتك يد المنون" . فيقول (ابن القارح) "إني لا أقدر لك على نفع، فإن الآية سبقت في أهل النار، أعني قوله تعالى: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالو! إن الله حرمهما على الكافرين" . فيقول: "إني لا أسألك في شيئ من ذلك، ولكن أسالك عن خبر تخبرينة: إن الخمر حرمت عليكم في الدنيا، وأحلت لكم في الآخرة، فهل يفعل أهل الجنة بالولدان المخلدين فعل أهل القريات" (97) 13— كلا الكتابين يفيض بالرجاء ويلقن الأمل، فيقول إقبال في جاويد نامة: إن الإنسان بسعيه الصحيح يستطيع أن يتغلب على كل المشاكل والمتاعب، وأن يصبح مسيطرا على الزمان والمكان، وأن يحصل على المقام الذي هو ذروة الشرف للبشر، وهو تشرفه بالكلام مع ربه. ونفس الشئ نجده عند أبي العلاء فإنه أرى كثيرا من الشعراء العصاة — الذين يراهم الجمهور من أهل النار— داخلا في الجنة، راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يتوب عليهم بسبب عمل أو بتوبة في آخر حياتهم. 14—كلاهما يستعير بعض الشعر لشعراء آخرين حتى لا يمل ولا يسأم القارئ من طول المقال ووحدة الأسلوب: أوجه الاختلاف إن نصب عيني أبي العلاء في رسالة الغفران هو الحياة بعد الموت ومسائلها، بينما لم يتعرض لها إقبال، بل ركز نظره وفكره وقوة شاعريته على هذه الحياة الأرضية ومشاكلها، وعلى بث الحياة في المسلمين، وإيجاد الثقة والاعتزاز بشخصيتهم والإيمان برسالتهم والطموح إلى الحرية والقوة والسيادة، فلا يهمه الدخول في الجنة أم الجحيم، بل أهم شيء عنده أن يملأ هذه الحياة الدنيا بالهناء الحقيقي وقضاؤها طبق الأحكام الإسلامية، وتبليغ أمة الرسول —صلى الله عليه وسلم— رسالة الحياة والقوة.إن المعري لم يكن بطل رحلته، وإنما أرسل صديقه ابن القارح لزيارة الجنة والنار وأصحابها، بينما تشرف إقبال بنفسه بهذا المعراج الأدبي.إن ابن القارح ذهب وحيدا ولم يعتصم بحبل خبير، فواجه مشاكل عديدة في بداية سفره، بينما اتخذ إقبال لنفسه في هذه الزيارة دليلا، وهو جلال الدين الرومي — المتصوف الشهير— متبعا سير الشاعر الإيطالي الشهير دانتى للجنة والنار والأعراف الذي صحبه فيه الشاعر القديم فرجيل، كذلك فعل إقبال، فلم يواجه أي مشكلة في معراجه فأراد إقبال هنا أن يحثنا على اتخاذ قدوة مرشد في ما نجهل من أمور بينما يفتقد هذا الأمر عند المعري. وهنا نجد في كلام إقبال إشارة إلى حديث رسول الله —صلى الله عليه وسلم— "لا خاب من استشار ولا ندم من استخار" .اتخذ إقبال الشعر وسيلة للإخبار عن معراجه بينما جعله المعري نثرا (إلا أنه جاء بالشعر في بعض المواضع أيضا)إن أبا العلاء المعري تناول الحشر وأهوال القيامة والصراط خلال معراجه بينما لم يتطرق إقبال لذكرشيء منها.إن أبا العلاء المعري أدخل في النار كل من كان كافرا في رأيه وبين حاله فيها بينما لا يجد قارئ إقبال ذكر النار في جاويد نامة، بل يرى الظالمين من الناس في بحر الدم في فلك زحل.بدأ سير بن القارح عند المعري من ميدان الحشر، ولكن إقبال بدأه من تل على وجه الأرض كما يقول: موج مضطر خفت بر سنجاب آب شد افق تار از زيان آفتاب از متاعش باره دزديد شام كوكى جون شاهدى بالاى بام روح رومي برده هارا بر دريد ازبس كه باره آمد بديد! (98) "إن الأمواج المضطربة نامت على فراش الماء الوثير وغربت الشمس وأرخي الظلام سدوله وسرق السماء قطعة من متاع الشمس في صورة نجمة تبدو كحبيب مطل من علو، عندئذ جاب روح الرومي الحجب وظهر من خلف تل." 9—لما أدرك المعري أن الحياة متاع الغرور، كره هذا المتاع ونفض منه يده ونفر الناس منه، فبقي منطويا على نفسه في بيته ينفر من الحياة الاجتماعية ويدعو الناس إلى تركها والابتعاد عنها أما إقبال فلا يكره هذا المتاع ولا ينفض منه يده كما لا ينفر الناس منه، بل يأتي من السماء برسالة جديدة تحث الناس على العمل وتوقظهم من نومهم العميق، وتحثهم على الاغتراف من هذه الدنيا وما فيها بالتي هي أحسن. 10— إن المعري متهم في عقيدته عند الناس ولكن إقبال مؤمن راسخ وشعره يزيد كل من يقرأ إيمانا. 11— أن المعري تناول الأشخاص ممن لقيه في الجنة أو النار واتخذ منهم موضوعا لبيانه، كقوله: "وينظر الشيخ في رياض الجنة فيرى قصرين منيفين، فيقول في نفسه "لأبلغن هذين القصرين فأسال: لمن هما؟" فإذا قرب منهما، رأى على أحدهما مكتوبا: هذا القصر لزهير بن أبي سلمي المزني وعلى الآخر: هذا القصر لعبيد بن الأبرص الأسدي (99) فيعجب من ذلك ويقول: هذان ماتا في الجاهلية، ولكن رحمة ربنا وسعت كل شيء وسوف ألتمس لقاء هذين الرجلين، فأسألهما: بم غفر لهما؟.....(100) ولكن إقبال لم يتناول هذا الموضوع بل تناول القضايا المعاصرة العالمية وجعلها موضوع شعره. 12—إن ابن القارح لا يلتقي في الجنة إلا بعض الشعراء والأدباء ولكن إقبال نجده يمر في جولته الخيالية بمنازل كثيرة يلتقي فيها بشخصيات مرموقة من الماضي من أصحاب الديانات والفلاسفة، وقادة الفكر والصوفية والشعراء والملوك والساسة القدامى والمعاصرين ككَوتم بدهـ وزرتشت وبرتري هري و وشوامتر، فإنهم وإن كانوا قواد الديانات الأخرى ولكنهم عظماء من الناحية الإنسانية في رأيه فإنه قدم أفكارهم وآرءهم التي تتماشى مع أفكاره وهنا تلوح سعة فكر إقبال وعدم انحيازه. 13—إن أبا العلاء المعري لم يقدم فلسفة الحياة أو رسالة الحياة الخالدة خلال تناول هذا الموضوع، بينما بلغ إقبال إلى الناس رسالة الحياة الخالدة، وذلك أن الإنسان لو أدرك حقيقته، فلا قيمة لهذه الأشياء المادية أمامه بل تصبح هذه الأفلاك واللوح والقلم تحت مسيطرته. 14—يزور ابن القارح الجنة والنار ثم يرجع بينما لم ينته إقبال إلى هذا الحد، بل يعرج مزيدا حتى تتركه روح مرشده. 15—إن إقبال في نهاية معراجه يتشرف بقرب الحضرة الإلهية ويشكو بثه. 16—إن ابن القارح رجل عادي انتهازي فلذا نجده أحيانا يريد أن يخدع سدنة الجنة بما كان يخدع به الناس في الدنيا من الشعر فينشئ القصائد الطوال في مدح رضوان. وأحيانا يمدح عليا وفاطمة بينما تطلب الملائكة والحور من إقبال إنشاد شيء من شعره فتقول حوراء عندما يريد إقبال أن يغادر الجنة إلى العلى: شيوه ها داري مثال روزكَار يك نوائى خوش دريغ ازما مدار (101) "إن لديك خصالا متنوعة كتنوع الزمان فلا تبخل علينا بأنشودة خلابة" 17—هناك فرق كبير بين مكانة ابن القارح وبين مكانة زنده رود. فالأول نجده باذلا جهوده المضنية للدخول في الجنة، والآخر نجده متشرفا بتقرب الحضرة الإلهية. 18—إن ابن القارح يقوم بزيارة نبيين من الأنبياء عليهما السلام (102) بينما لا يزور إقبال أحدا منهم. 19—إن ابن القارح يقوم بزيارة الصحابة مثل حمزة عم النبي —صلى الله عليه وسلم—، وعلي صهره، وفاطمة بنته، وإبراهيم ابنه، وخديجة بنت خويلد زوجه، وحسان بن ثابت صاحبه —رضوان الله عليهم أجمعين— بينما إقبال لم يزر أحدا منهم. 20—واجه ابن القارح مصاعب كثيرة، وبذل جهودا لدخوله الجنة بينما دخل إقبال الجنة مباشرة دون مواجهة أي هذه المصاعب. 21—إن من المعروف أن الجنة لا يدخلها إلا الجن والإنس، وأن المخلوقات الأخرى تحاسب وتفنى، ولكن المعري ابتكر هذه الفكرة بأن المخلوقات الأخرى مثل الأسد والحيات مستحقة بالجنة وتدخلها بأعمالها الحسنة، فإنه يرى الأسد والحيات في الجنة "ثم يضرب سائرا في الفردوس، فإذا هو بروضة مؤنقة، وإذا هو بحيات يلعبن فيقول: لا إله إلا الله ! وما تصنع حية في الجنة؟......(103) 22—إن المعري كان أول من فكر بإرسال البشر العادين في الرحلة الخيالية إلى العلاء، ولسنا نبالغ إذا قلنا أن النوافذ الكبيرة التي فتحت على الأدب العربي كان المعري من أهم فاتحيها. وأن معراجه مهد فيما بعد لظهور كثير من المعراجات على غرارها في العالم الإسلامي والغربي على سواء. 23—إن ابن القارح يجد نفرا من الجن ويحادث واحدا منهم، بينما إقبال ليس همه إلا الإنس وصلاحهم، فلا يتوجه إلى الجن ولا إلى المخلوقات الأخرى. 24—أن ابن القارح لم يلتق خلال زيارة الجنة والنار بالملائكة إلا خازن الجنة، بينما تكلم إقبال معهم وسمع أناشيدهم وأسمعهم شعره. 25—أن المحرك لكتابة رسالة الغفران هو الرد على رسالة صديق فقط، بينما قصد إقبال بني نوع الإنس وفلاحهم وإيقاظ الأمة المسلمة وإشعال قلوبها إيمانا وحماسة وطموحا إلى حياة الشرف والاستقلال والسيادة والحكم، ومن أجلهم كتب هذه الرسالة. 26—إن إقبال كان متأثرا بالشاعر الإيطالي الشهير دانتى للغاية فقام باتباعه، وقد ثبت بالتحقيق أن دانتى قد أخذ هذه الفكرة من الإسلام وأن مصادره إسلامية، كما أن له آراء وأحوالا لا يمكن إلا أن تكون مستمدة من رسالة حكيم المعرة (104) وكما قال الدكتور أحمد علي: "أن الرجل المتدين مثل دانتى لم يكن من الممكن أن يتأثر برسالة رجل ملحد مثل أبي العلاء المعري، ولكن يظهر أنه بوسيلة هذه الرسالة حسن رسالته وزادها رونقا وبهاء (105) هكذا نستطيع أن نقول إن إقبال متأثر بفكر المعري أيضا بواسطة دانتى. 27—إن إقبال كان قد قرأ كتاب "رسالة الغفران" قبل كتابة " جاويد نامة" وأنه وضع أمام عينيه تلك الرسالة أو كانت أفكارها في ذهنه وقت كتابتها، كما يظهر من أبياته التي أوردها في كتابه "بال جبريل" (جناح جبريل) تحت عنوان: أبو العلاء المعري وترجمتها كما يلي: "يقال إن المعري كان لا يتناول اللحم ويعيش على الخضروات فقط، فأرسل إليه صديق له دراجا مشويا، عسي أن يراوده عن نفسه، فلما رآه صاحب كتاب "الغفران" و" اللزومات" (107) قال: أخبرني أيها الطائر عن ذنبك الذي أدى بك إلى هذا المصير! أسفا عليك! ما استطعت أن تكون صقرا، وما فهمت عينك إشارة الفطرة، وهي أن قاضي القدر قد أجرى منذ الأزل فتياه بأن جريمة االضعف تعاقب بالموت المفاجئ." 28—نجد المعري في رسالة الغفران باذلا عنايته على مناظر الجنة والنار، ومما لا شك فيه أن تصوير هذه المناظر خلاب وجذاب ومؤثر جدا ولكن إقبال لا يوجد قارئه إلى المناظر، بل إلى حقائق الحياة وأسرارها في صورة حكيمة حيث تظهر أبياته الشعرية كأنها درر منظومة. 29—إن المعري وجه إلى مخاطبيه الأسئلة المتعلقة بهم وبشعرهم ومغفرتهم، بينما يتحدث إقبال إليهم في العديد من المشاكل المعقدة التي يواجهها العالم، ويتخذ من ذلك سبيلا لتقديم التوجيهات والإرشادات التي تحل هذه المشاكل أو تعين على حلها. 30—إن إقبال خلال جاويد نامه سعى أن يعالج عيوب المجتمع الهندي، وشخص الداء وحاول أن يصف له الدواء. 31—كان الكتاب في عصر المعري يحاولون أن يستخدموا المحسنات البديعية والزينة اللفظية، والأسلوب الشائع في تلك الفترة كان يميل إلى الزخرفة والزينة، فكان هم المعري، خلال كتابته، أن يتصيد اللفظة الرنانة كما يتصيد الغواص من أعماق اليم اللؤلؤ والمرجان على أن غرابة بعض ألفاظها تحول بين قارئه وبين دخول فردوسه الأدبي البهيج (108) كقوله: "وفي تلك الأنهار أوان على هيئة الطير السابحة، والغانية عن الماء السائحة، فمنها ما هو على صور الكراكي، وأخر تشاكل المكاكي، وعلى خلق طواسيس وبط، فبعض في الجارية وبعض في الشط ينبع من أفواهها شراب كأنه من الرقة سراب لو جرع منه جرعة الحكمي لحكم بأنه الفوز، وشهد له كل وصاف للخمر —من محدث وعتيق— أن أصناف الأشربة المنسوبة إلى الدار الفانية، كخمر عانة وأذرعات وغزة وبيت راس، وما جلب من بصرى، وما اعتصر بصرخد أو أرض شام، وما تردد ذكره من كميت بابل وصريفين،...... (109) 32—إن رسالة "جاويد نامة" جاءت محكمة الالفاظ حتى لا إحكام بعده، مفعمة بالمعاني في كل بيت حتى لقد يتناول الحقبة بما جري فيها من عظيم الحوادث مجموعة في كلمات. 33—طاف كلاهما في السماوات ولكن النتيجة لهاتين الزيارتين متناقضة عند الرجلين أعظم التناقض فأما أبو العلاء المعري فعاد من زيارته للجنان والنار —حسب راي الدكتور طه حسين— ساخرا منكرا يوشك أن يخرج على الدين. وأما إقبال فعاد من زيارته مؤمنا متعظا معتبرا يريد أن يملأ الدنيا موعظة وعبرة بعد هذه الزيارة إلى هذه السموات (110) 34—نجد غلبة المواد الأسطورية في رسالة الغفران، بينما لا نجدها عند إقبال إلا قليلا. 35—إن أبا العلاء المعري لم يعط رسالة جادة لبني آدم، بينما أعطي إقبال رسالة جامعة للشباب يستطيع كل شاب أيا كان وإلى أي مذهب ينتمي أن يجعلها لائحة حياته (111) 36—إن أبا العلاء المعري لم يتعرض للحياة وقضاياها إلا قليلا فإنه اقتصر على مغفرة الناس بينما يصرف إقبال عنايته إلى المسائل المتعلقة بالحياة مثل: ما الحياة؟ ما العشق؟ ما العلاقة بين العشق والعقل ؟ ما الدين ؟ ما الحق؟ ما القدر؟ وما إلى ذلك. 37—إن إقبال في رحلته الفكرية حاول أن يتبع أسوة المعراج النبوي —على صاحبه أزكى التحيات والتسليمات— فإنه يسير في الكواكب السبعة كما سار النبي —صلى الله عليه وسلم— في السموات السبعة وفيها يلتقي بأشخاص مختلفين كما التقي النبي —صلى الله عليه وسلم— في عروجه، وتعرفه روح الرومي بالناس كما عرف جبريل عليه السلام النبي —صلى الله عليه وسلم— بساكني السموات، وفي نهاية المعراج تتركه روح الرومي كما يترك جبريل عليه السلام النبي —صلى الله عليه وسلم— ليتشرف بزيارة الله، ويقدم إقبال للجيل الجديد الفلسفة التي يجيئ بها من وراء الأفلاك اتباعا لرسالة النبي —صلى الله عليه وسلم— بينما لا تزيد جولة المعري الخيالية على سير الجنة والجحيم. 38—يجد قارئ المعري أصحاب الجنة يتخاصمون ويتشاجرون رغم أن كتاب الله يقول: ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار﴾ (القرآن 7/43) فإن المعري يصف المشاجرة التي تقع بين النابغة الجعدي (112) وبين الأعشي في الجنة وهي تمثل شجارا عنيفا بين شخصيتين من أكبر شخصيات العرب إذ يقول الأعشى للجعدي "وإن بيتا مما بنيت ليعدل بمائة من بنائك! وإن أسهبت في منطقك فإن المسهب كحاطب الليل وإني لفي الجرثومة من ربيعة الفرس وهل جعدة إلا رائدة ظليم نفور! أتعيرني مدح الملوك يا جاهل: ولو قدرت على ذلك لهجرت إليه أهلك وولدك؟ ولكنك خلقت جبانا لا تدلج في الظلماء الداجية، ولا تهجر في الوديقة الصاخدة. فيجيبه الجعدي –مغضبا—: "إسكت يا ضل بن ضل فأقسم إن دخولك الجنة من المنكرات، ولكن الأقضية جرت كما شاء الله لحقك أن تكون في الدرك الأسفل من النار! ولقد —صلى بها من هو خير منك! ولو جاز الغلط على رب العزة، لقلت إنك قد غلط بك.... (ويثب نابغة بني جعدة على أبي بصير، فيضربه بكور من ذهب" (113) 39—إن المعري ابتكر فكرة بأن الآثم الذي يواظب على ارتكاب إثم خاص في الدنيا كمدمن الخمر، يدخل الجنة ولكن يحرم منها فيها فهذا الأعشي الشاعر الجاهلي الذي يلقاه ابن القارح في الجنة يخبره كيفية دخوله فيها: "قد كنت أومن بالله والحساب، وأصدق بالبعث وأنا في الجاهلية الجهلاء فذهب علي إلى النبي —صلى الله عليه وسلم— فقال: يا رسول الله، هذا أعشي قيس قد روي مدحه فيك وشهد أنك نبي مرسل فقال: هلا جاء في الدار السابقة؟ فقال علي رضي الله عنه: قد جاء ولكن صدته قريش وحبه للخمر، فشفع لي، فأدخلت الجنة على أن لا أشرب فيها خمرا فقرت عيناي بذلك. وإن لي منادح في العسل وماء الحيوان، وكذلك من لم يتب من الخمر في الدنيا لم يسقها في الآخرة.(114) 40—إن رسالة إقبال تحمل في طياتها غاية جادة وهدفا ساميا وغرضا نبيلا وهو إصلاح البشر وإيقاظ الأمة المسلمة من سباتها العميق بينما لا يريد مصنف رسالة الغفران من كتابتها إلا السخرية، وحسبنا أن نقرأ خلاصة القصص الطويل، الذي ساقه أبو العلاء بشأن دخول علي بن القارح في الجنة. قام هذا الرجل من قبره يوم القيامة فلبث في الموقف مدة طويلة، حتى أعياه الحر والظمأ، وهو واثق بدخول الجنة لأن معه صك التوبة، فلم يفهم معنى الانتظار ففكر في أن يخدع سدنة الجنة بما كان يخدع به الناس في الدنيا من الشعر، فأنشد القصائد الطوال في مدح رضوان وأنشده إياها فلم يفهم منها شيئا، لأنه لا يتكلم العربية فلما عيي على بن القارح بأمره سأله: ما بالك لم تحفل بقصائدي وقد كان يحفل بها ملوك الدنيا؟...... فلما صار إلى باب الجنة بعد جهد عنيف قال له رضوان: هل معك من جواز: فقال: لا، فقال: لا سبيل للدخول إلا به فعي بالأمر وعلى باب الجنة من داخل شجرة صفصاف فقال أعطني ورقة من هذه الصفافة، حتى أرجع إلى الموقف فآخذ عليها جوازا، فقال: لا أخرج شيئا من الجنة إلا بإذن من العلي الأعلي (تقدس وتبارك). فلما ضجر بالنازلة قال: إنا لله وإنا إليه راجعوان. لو أن للأمير أبي المرجي خازنا مثلك، ما وصلت أنا ولا غيري إلى درهم من خزانته.... فهذه الصور التي تمثلها هذه القصة الصغيرة تبين مقدار ما تشتمل عليه رسالة الغفران من السخرية الخفية وأمثالها كثير" (115) الحواشي والتعليقات المراد بالإسرائيليات الأخبار التي دسها بنو إسرائيل (اليهود) في الأدب الديني الإسلامي. زرتشت: اسمه "أسبناماتها" ، وهو مؤسس الديانة المجوسية في ايران، توجد عقائده وتصوراته في كتاب "أوستا" اختلف في عصره، يقال أنه يمتد ما بين ستة آلاف سنة إلى ستمائة سنة قبل المسيح (للمزيد من التفصيل راجع: د، سيد عبد الله، متعلقات خطبات إقبال، إقبال اكادمي باكستان، 1977م، ص 103. أرداويراف: كان من أكابر الديانة الزرتشتية، وكتبت قصة معراجه ما بين القرن العاشر والقرن الرابع عشر للميلاد، أو بين القرن الرابع والقرن الثامن الهجري. (للمزيد من التفصيل راجع: محمد رياض، جاويد نامه تحقيق وتوضيح، لاهور، 1988، ص 21) الحافظ ابن كثير: مختصر تفسير ابن كثير، بيروت، 1402هـ/ 1981م، 2/354—364. البسطامي: (م: 261هـ 874م أو 264هـ/877—878م) هو أبو يزيد طيفور بن عيسي بن سروشان، وهو من أشهر المتصوفين الإسلاميين الكرام، اشتهر بلقب "البسطامي" نسبة إلى بلدة بسطام من ولاية قومس التي قضى فيها معظم حياته، (للمزيد من التفصيل راجع: مختصر أردو دائره معارف إسلامية، بنجاب يونيورستي لاهور، ص:170، 171، ود، سيد عبد الله، متعلقات خطبات إقبال، إقبال اكادمي باكستان، 1977م) أحمد الغزالي (م:520هـ/ 1126م): هو أحمد بن محمد، أخو المتصوف والداعية الشهير "محمد الغزالي" ، (للمزيد من التفصيل راجع: نفس المرجع، ج 2/14/ص: 471. السنائي (م:545هـ) اسمه مجدود وكنيته أبو المجد، ولد بغزنين سنة 464هـ/ 1071م تقريبا، وهو صاحب ديوان شعر بالفارسية يقال إنه أول من نظم أسرار التصوف في الشعر كما بدأ قول الشعر المتضمن للأخلاق الفاضلة (للمزيد من التفصيل راجع: دائره المعارف الإسلامية الأردية، 11/314—317) ابن طفيل: هو أبو بكر (وأبو جعفر) محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسي، الفيلسفوف الشهير، ولد سنة 494هـ/1100—1101م تقريبا بوادي آش الواقع على بعد أربعين ميلا من غرناطة، واسم رسالته الشهيرة، حي بن يقظان "(للمزيد من التفصيل راجع: دائره المعارف الإسلامية الأردية، 1/580—585) ابن العربي (560هـ/1165م – 638هـ/1240م): هو أبو بكر محي الدين محمد بن علي المعروف بالشيخ الاكبر، الصوفي الشهير، (للمزيد من التفصيل راجع: اشرف علي التهانوي: تنبيه الظربي في تنزيه ابن العربي تهانه بهون، 1346هـ). الجامي: (817هـ/1414م—898هـ/1492م) هو نور الدين عبد الرحمن، شاعر الفارسية الشهير والمتصوف الكبير المعروف بلقب الجامي، نسبة إلى بلدة جام بخراسان التي ولد فيها، وكان رجلا متنوع الجهات، (للمزيد من التفصيل راجع: نفس المرجع، 7/58—62). دانتى: (1265م—1321م) الشاعر الإيطالي الكبير ومصنف الكتاب الشهير "The Divine Comedia" وكان عنوان كتابه في البداية: (The comedy of Dante Alighieri، A Florenti by birth but not in character) أي كوميدية دانتي اليغيري الذي هو فلورنسي من حيث الولادة لا من حيث السيرة: ولكن أضاف إليه قارئوه فيما بعد لنقظة: Divine تجليلا وتقديسا فاشتهر به وله ثلاثة أجزاء: الأول: الجحيم، الثاني: الأعراف، الثالث: الجنة. ابن القارح: هو علي أبو منصور بن القارح صديق المعري الذي كتب إليه الرسالة، وكان شديد الزندقة أو شديد الغفلة، وتدلنا رسالة الغفران على أن هذا الرجل كان معاقرا للخمر، متهالكا عليها حتى ألح عليه أبو العلاء في أن يتوب. ( للمزيد من التفصيل راجع: د، طه حسين، تجديد ذكري أبي العلاء، دار المعارف، مصر،1370هـ/ 1951م، ص 236). الأعشى: الشاعر الجاهلي الشهير الذي أراد أن يعتنق الإسلام، فنظم في مدح النبي —صلى الله عليه وسلم— الأبيات الشهيرة التالية: ألا أيهذا السائلي أين يممت فإن لها في أهل يثرب موعدا فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من حفي حتى تلاقي محمدا متى ما تناخى عند باب ابن هاشم تراحى وتلقى من فواضله ندا ولكن صدته قريش في الطريق وهددته كما جمعت له مائة من الإبل، وطمع في ما بقي عنده من الخمر فرجع عن قصده ومات على الكفر، (للمزيد من التفصيل راجع: د، محمد التوبخي: الأعشى شاعر المجون والخمرة، بيروت، وأحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي، كراتشي، (ل. ت) ص:44—45) زهير بن أبي سلمى: شاعر العصر الجاهلي وصاحب المعلقة، عده النقاد من الشعراء الثلاثة المفضلين على الآخرين وهم: النابغة وامرؤ القيس وزهير. قيل أنه لقي النبي —صلى الله عليه وسلم— وهو ابن مائة سنة، ولكن الراجح أنه مات قبل ظهور النبي —صلى الله عليه وسلم— بزمن. (للمزيد من التفصيل انظر: كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي (تعريب: د، عبد لحليم النجار) دار الكتب الإسلامي، ط: 2، قم إيران، ج:1). عدي بن زيد: شاعر نصراني شهير، توفي سنة 102هـ حسب قول ابن تغري بردي، بينما عده الآخرون معاصر الخلفاء الأربعة الأول.(للمزيد من التفصيل انظر: نفس المرجع، 1/125،126) النابغة الذبياني: هو زياد بن معاوية من بني ذبيان، شاعر الجاهلية الشهير، الذي اعترف بفضله ونبوغه شعراء عصره حتى قيل إنه كانت تنصب له خيمة في سوق عكاظ يجلس فيه، والشعراء كانوا يأتون ويقرأون أمامه شعرهم فيفضل بعضهم على الآخرين (للمزيد من التفصيل راجع: ايليا حاوي، النابغة سياسته وفنه ونفسيته، بيروت، 1970) أبو علي الفارسي (م377هـ): اسمه الحسن، ويكنى أبو علي، اشتهر في علم النحو وأقام بحلب عند سيف الدولة بن حمدان مدة (للمزيد من التفصيل راجع: عبد الفتاح اسماعيل شلبي، أبو علي الفارسي، دار المطبوعات الحديثة، ط:8،1409 هـ/1989م.) يزيد بن الحكم الكلابي: هو يزيد بن الحكم الثقفي، شاعر جاهلي من بني كلاب بن ربيعه بن صعصعة. علي بن الحسين: هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بزين العابدين، كان مثلا في الحلم والورع، ولد بالمدينة وتوفي بها. محمد بن علي: هو محمد بن علي زين العابدين بن الحسين ولقب بأبي جعفر الباقر، كان ناسكا عابدا، ولد بالمدينة وتوفي خارجها سنة 114هـ فنقل جسده إليها ودفن بها. زيد بن علي: هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أقام بالكوفة، وقرأ على واصل بن عطاء رأس المعتزلة، واقتبس منه علم الاعتزال، وخرج على هشام بن عبد الملك سنة120هـ، فقتل سنة 122هـ، وإليه تنسب الطائفة الزيدية" (نفس المرجع، ص:81). المراد بالإخوة أبناء رسول الله —صلى الله عليه وسلم— الذين انتقلوا إلى رحمة الله في طفولتهم. حميد بن ثور الهلالي: شاعر إسلامي من بني صعصة، وينسب إليه البيت الشهير الذي جري مجرى المثل، وهو قوله: ينام بإحدي مقلتيه، ويتقي بأخرى الأعادي، فهو يقظان نائم (للمزيد من التفصيل راجع: أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، بيروت، 1418هـ/1997م، 4/500) لبيد بن ربيعة العامري (م: 41هـ): شاعر عربي شهير، عاش نحو 145 سنة، أكثرها في الجاهلية، وأسلم وهو في التسعين من عمره، وصحب النبي —صلى الله عليه وسلم— في هجرته إلى المدينة، يقال إنه هجر الشعر في الإسلام واستعاض عنه بقراء ة القرآن، ومات في آخر خلافة معاوية بالكوفة سنة. (للمزيد من التفصيل راجع: أحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي، ص: 53—54) الغريض (م:98هـ /716 أو 717م): هو أبو يزيد أو أبو مروان عبد الملك، وكان أحدق أهل زمانه بمكة بالغناء بعد ابن سريج (للمزيد من التفصيل راجع: أبو الفرج الأصفهاني: كتاب الأغاني، 2/573—602) معبد (م:126هـ/743م) هو أبو عباد معبد بن وهب، غني في أول دولة بني أمية وكان من أحسن الناس غناء وأجودهم صنعة وأحسنهم خلقا، راجت سوقه بعد وفاة ابن سريج. (للمزيد من التفصيل راجع: أبو الفرج الأصفهاني: كتاب الأغاني، 1/61—77). ابن سريج: هو عبد الله ويكنى أبا يحي مولي بني نوفل بن عبد مناف، مغني العصر الأموي، غني في زمن عثمان بن عفان، وكان أحسن الناس غناء في عصره، توفي في خلافة هشام بن عبد الملك (للتفصيل راجع: نفس المرجع، 1/206— 257). إبراهيم الموصلي (م:188هـ /804م): هو إبراهيم بن ماهان (أم ميمون) بن بهمن، كان من أشهر مغني العرب، ولد في كوفة سنة 125هـ/742م، مكث لمدة طويلة في الموصل، فاشتهر بالموصلي وتوفي في بغداد سنة ____ حسب رواية راجحة، وصلى عليه بالناس المامون. (للمزيد من التفصيل راجع: دائرة المعارف الإسلامية الأردية، جامعه بنجاب، لاهور 1/377). إسحق بن إبراهيم (235هـ /849 أو 850م): هو أبو محمد إسحق بن إبراهيم بن ماهان (أم ميمون) بن بهمن، المغني الشهير للعصر العباسي وابن المغني الشهير إبراهيم الموصلي.. (للمزيد من التفصيل راجع: د، محمود أحمد الخفني، إسحاق الموصلي الموسيقار، المؤسسة المصرية العامة، مصر، (ل.ت)، وأبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، 5/177—287). الجرادتان.... فيما زعموا.... مغنيتان غنتا لوفد عاد الجرهمي، بمكة، فشغلوا عن الطواف بالمدينة، وسؤال الله فيما قصدوا له، فهلكت عاد وهم لاهون. جران العود النميري: الجران مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره، والعود: البعير المسن وجران العود لقب هذا الشاعر، وإنما لقب بذلك لقوله في امراتيه. وقد أغضبتاه: خذا حذرا يا جارتي، فإنني رأيت جران العود قد كان يصلح يقرر الأدباء العرب أنه من الجاهليين (للمزيد من التفصيل راجع: بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، 1/116) عتبة بن أبي لهب: ابن عم رسول الله —صلى الله عليه وسلم، وزوج أحد بناته، والتي طلقت منه بعد الإسلام، من حديثه أن النبي —صلى الله عليه وسلم— قال "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك" فلما سافر عتبة بن أبي لهب إلى مصر جاءه وهو نائم بين رفقته، فدخل بينهم واختطفه من بينهم. الحطيئة: هو جرول بن أوس، من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم، وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، فأسلم ثم ارتد، وكان مشتهرا بالعناد والنزوع إلى الشر (للمزيد من التفصيل راجع: ايليا حاوي، الحطيئة، بيروت، 1970، وكتاب الأغاني، 2/431—462) الخنساء: اسمها تماضر بنت عمرو بن شريد، صحابية الرسول والشاعرة الإسلامية الشهيرة، وفدت في قومها على النبي —صلى الله عليه وسلم— فأسلمت وأنشدته شعرها فأعجب به واستزادها. (للتفصيل راجع: د محمد جابر عبد العال الجبني، الخنساء شاعرة بني سليم، المؤسسة المصرية العامة، ل.ت). المراد بأهل القرية قوم لوط، كما قال الله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث﴾ وكذلك جاء في العنكبوت والأعراف والنمل ذكر القرية وأهلها في الحديث عن قوم لوط— بشار بن برد (م: 166هـ ): يكنى أبا معاذ ويلقب بالمرعث، وهو فارسي من جهة الأب عربي من جهة الأم، وكان من فحول شعراء العصر العباسي، ولد أكمه ونشأ بالبصرة، وكانت عقيدته الدينية مزعزة، فأمر المهدي بقتله ضربا حتى مات. (للمزيد من التفصيل راجع: د، عمر فروخ: بشار بن برد، بيروت، 1363هـ). امرؤ القيس الكندي: هو ابن حجر الكندي، ويكنى أبا الحارث أو أبا وهب، وكان يقال له الملك الضليل وقيل له أيضا ذو القروح يعده جمهور مؤرخي الآداب أفحل شعراء الطبقة الأولى من الجاهليين، (للمزيد من التفصيل راجع: د، الطاهر أحمد مكي، امرؤ القيس حياته وشعره، دار المعارف، القاهرة، 1993 وكتاب الأغاني، 9/55—63). عنترة بن شداد العبسي: فارس وشاعر شهير، كان يرعى الإبل والخيل، ولكنه لم يلبث أن اشتهر بفروسيته، وكان من أشجع العرب، (للتفصيل راجع: أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، كراتشي،(ل.ت) ص:45—47. علقمة الفحل (م:561م): هو علقمة بن عبدة بن النعمان بن ناشرة التميمي، شاعر جاهلي لم يدرك الإسلام، وسمي الفحل لأنه خلف امرأ القيس على زوجه بعد أن طلقها لتفضيلها علقمة عليه حين حكماها في أيهما أشعر،. عمرو بن كلثوم (م:584م): الشاعر الجاهلي الشهير وواحد من أصحاب المعلقات، (للتفصل راجع: الزيات: تاريخ الأدب العربي، ص 50—51). الحارث اليشكري (م:580م): قبيلته بكر وائل، اشتهر بين العراق، كان أبرص، وقد اشتهر بمعلقته الرائعة، طرفة بن العبد (م: سنة 550م) هو عمرو وطرفة لقب غلب عليه، شاعر جاهلي، سمي ابن العشرين لوفاته صغيرا، فقد مات في السادسة والعشرين من عمره. أوس بن حجر: هو أوس بن حجر بن عتاب، شاعر جاهلي، كان فحل مضر، حتى نشأ النابغة وزهير فأخملاه، اشتهر بالحض على مكارم الأخلاق،كما اشتهر بوصف الخمر والسلاح ولا سيما القوس. أبو كبير الهذلي: هو عامر بن الحليس من شعراء هذيل (للمزيد من التفصيل راجع: عبد القادر البغدادي، خزانة الأدب، بولاق، 1277هـ، 3/466— 477، و 4/165—167). الأخطل (م:92هـ): هو غياث بن غيث بن الصلت، شاعر أموي نصراني شهير لم يعتنق الإسلام. مهلهل بن ربيعه: هو عدي بن ربيعة التغلبي، الشاعر الجاهلي الشهير، المؤرخون يقولون فيه أنه أول من طول القصائد وأنه أحد من غنى من العرب في شعره. الشنفري (م:540م): هو ثابت أو عمرو بن مالك ابن أوس الأزدي، شاعر العصر الجاهلي ولقب بالشنفري، لأنه كان عظيم الشفتين، وهو شاعر الأزد من أشهر عدائي العرب (للمزيد من التفصيل راجع: أبو الفرج الأصفهاني، ’كتاب الأغاني‘ دار إحياء التراث العربي بيروت، 1997م، 21/118—128). تأبط شرا (م:590م): شاعر جاهلي، كان من أشهر عدائي العرب وأشدهم كيدا. (لمزيد من التفصيل راجع: نفس المرجع، 21/86—115). أصل الرجز في اللغة: تتابع الحركات، ومن ذلك قولهم: ناقة رجزاء. ومن هذا رجز الشعر، لأنه أقصر أبيات الشعر والانتقال من بيت إلى بيت سريع، وقد اختلف في الرجز فقيل: هو شعر ابتداء أجزائه سببان ثم وتد. وقيل: كل ما كان على ثلاثة أجزاء، وقيل: كل شعر تركب تركيب الرجز، والرجز بحر من بحور الشعر. (للمزيد من التفصيل راجع: محمد سليم الجندي: الجامع في أخبار أبي العلاء وآثاره، دمشق، 1962، 2/918. رؤبة بن العجاج (م:145هـ): هو رؤبة بن عبد الله البصري التميمي وكنيته أبو محمد، اشتهر بالرجز وترك ديوانا ليس فيه إلا أراجيز. أبو نواس (145هـ ـ 199هـ): أحد الشعراء المولدين، واسمه الكامل "حسن بن هاني بن عبد الأول ولكن اشتهر بكنيته (راجع للتفصيل: أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي (أردو) لاهور، ل.ت، 1/376. المتنبي (م:303 هـ ـ 354هـ): هو أبو الطيب أحمد بن الحسين، ولد في الكوفة واشتهر بلقب المتنبي لأنه كان قد ادعى النبوة على ما اشتهر وهو من أشهر شعراء العصر العباسي. (للتفصيل راجع: يوسف البديعي، الصبح المتنبي عن حيثية المتنبي، تحقيق: مصطفي السقاء محمد شتا، عبده زياده عبده، دار المعارف، القاهرة، 1962م) ابن الراوندي (م:245هـ) اسمه أحمد بن يحي بن إسحق الراوندي، كنيته أبو الحسين، وهو ينسب إلى "راوند" إحدى قرى أصبهان، مات في سن الأربعين. الحلاج (م:309هـ): هو حسين بن منصور الحلاج صاحب القول الشهير "أنا الحق" ويحمل لكتابه الطواسين أهمية كبيرة في التصوف والذي تأثر به إقبال كثيرا، ومن كتبه: كتاب الطواسين، وأخبار الحلاج، وديوان الحلاج. (راجع لأخباره: ميثال فريد غريب، الحلاج أو وضوء الدم، ط: 1، بيروت، ل.ت). ابن الرومي (221هـ ـ 284هـ): هو أبو الحسن علي بن جرجيس (وحسب رأي الدكتور عمر فروخ هو علي بن العباس بن جريج)، للمزيد من التفصيل راجع: د، عمر فروخ، ابن الرومي، بيروت، 1369هـ / 1949م). حبيب بن أوس الطائي (أبو تمام) (م: 231هـ أو 228 أو 229 أو 236هـ): الشاعر العباسي الشهير. د.شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في النثر العربي، دار المعارف، مصر، 1965، ص: 276. جلال الدين الرومي (م:604هـ ـ 672هـ): المتصوف الكبير وداعية الإسلام الشهير وشاعر الفارسية المرموق الذي اتخذه إقبال رائده ومرشده المعنوي في معراجه. (للتفصيل راجع: محمد رياض، جاويد، جاوند نامة تحقيق وتوضيح، ص:53.) وكان قد قال في مثنويه: "مثنوي راجهت آن نكَفته ام كه حمائل كنند وتكرار كنند بلكه زيربا نهند وبالائى آسمان روند كه مثنوي نردبان معراج حقائق است" (ما كتبت هذا المثنوي كي يجعله الناس عقود أعناقهم بل كي يضعوه تحت أقدامهم ويعرجوا بمساعدته إلى السماء لأنه بمنزلة سلم لحقائق المعراج. وكان إقبال متأثرا جدا بتعاليم الشيخ جلال الدين الرومي فجعله مرشدا له في رحلته هذه ممتثلا لأمره ذلك. (للتفصيل راجع: د: السيد محمد عبد الله، مطالعه أدبي كي تاريخ مين إقبال كا مقام، ماه نو، إقبال نمبر 1977م ضمن كتاب "عكس جاويد" ) محمد إقبال، جاويد نامه، ص:18. زنده رود: لقب الرومي إقبال بـ "زنده رود" على فلك العطارد، ومعنى زنده رود: النهر الحي، يقال إن نهرا بعينه بهذا الإسم يوجد في بلدة أصفهان بإيران، والميزة التي تميزها عن الأنهار الأخري هى أنه لا يحصل ماءه إلا من عيونه الذاتية ولا يحصل إلى بحر بل ينقسم إلى قنوات صغيرة ويسقي الأرض وينتهي فاستعار إقبال هذا اللقب لنفسه متاثرا بهذه الميزة (نقلا عن الأستاذ الدكتور أكرم شاه رئيس قسم "إقباليات" بجامعة بنجاب في حوارله) بينما قال الآخرون إن هذا الرأي لا يمت إلى الموضوع بصلة (للتفصيل راجع: د محمد رياض جاويد نامه تحقيق وتوضيح، لاهور) زروان: ملك السماء والأرض بناء على روايات ديانة زرتشت، وله وجهان أحدهما المظلم والثاني المضيء وهو يهتم بأمور الزمان والمكان. هذا إشارة إلى الحديث القدسي المبارك: "لي مع الله وقت لا يسعني فيه نبي مرسل ولاملك مقرب" جهان دوست: المراد به "وشوامتر" الذي كان صديق الملك رام جندر وأستاذه، وكان نابعة عصره. طواسين: جمع طس من حروف القرآن المقطعة التي لا يعلم كنهها إلا الله وأرادبها إقبال هناك الأسرار والرموز. كَوتم بدهـ: إسمه سدهارتا، وعصره أيضا مختلف فيه، يقال إنه كان سبع مائة أو ستمائة سنة قبل المسيح، كان أيضا نبيا ويقال أنه مراد بـ "ذي الكفل" الذي ذكره القرآن في هذه الآية المباركة: ﴿وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين﴾ يوجد متبعوه في بلخ وكشمير وبهار وهند ويابان وغيرها. زن رقاصه (المرأة الراقصة): هي تلك المرأة التي سعت إلى إغواء كَوتم بدهـ بجسدها ولكنها فشلت، وأخيرا تابت على يده. أهرمن: نائب إبليس في ديانة زرتشت. طالسطائي (م: 1910م): هو Leo Nikolyenich Tolstoy، فلسفي روس والروائي الشهير (للتفصيل راجع: ظهير أحمد صديقي، عكس جاويد منظوم ترجمه مع مقدمه وحواشي، لاهور، 1993م). إقبال، جاويد نامه: ص 55—56. جمال الدين الأفغاني (م:1897م): أحد دعاة الوحدة الإسلامية الذي بذل جهودا مضنئة لإيقاظ الأمة الإسلامية، ولد سنة 1838م، دفن أولا في استنبول ونقل جسده بعدئذ إلى كابل (إفغانستان) سنة 1944م. (للمزيد من التفصيل راجع: محمد رياض: جاويد نامه تحقيق وتوضيح، لاهور، 1988م، ص:52). سعيد حليم باشا (1921م): هو حفيد محمد علي باشا ورئيس حركة "إصلاح الدين" التركية، تولي منصب وزارة الخارجية سنة 1911م ورئاسة الوزراء منذ سنة 1913م وحتى 1916م، قتل في الروم (للمزيد من التفصيل راجع: د.سيد عبد الله، متعلقات خطبات إقبال، إقبال اكادمي باكستان، 1977، ص 106). إقبال: جاويد نامه: 64. يشير إلى كارل ماركس الذي ولد سنة 1818م في المانيا وحصل على الدكتوراة في الفلسفة، وكان متأثرا جدا ب " هيكل" ، وهو الذي أحيا الاشتراكية من جديد على الأسس العلمية في القرن التاسع عشر ونظريته "الاشتراكية" مبنية على المساواة، (للمزيد من التفصيل راجع، ظهير أحمد صديقي، عكس جاويد، ص: 233) إقبال: جاويد نامه: 65. مصطفى كمال باشا (1930م): ولد سنة 1878م وعمل بالجيش سنة 1905م وعندما صحبت تركيا ألمانيا ضد الانجليز في الحرب العالمية الأولي قاتل قتالا شديدا تحت قيادة الملك أنور باشا، ولكنها انهزمت فقسمتها الافواج الاتحادية فيما بينها إلا أنه فاز في تحرر مناطقه من أيدي الانجليز، فأعلن بحكومته كما أنه جعل التركية الجديدة علمانية وغير الخط العربي بالخط اللاطيني. إقبال: جاويد نامه: 66. فرعون: كان لقب الملوك في عصر الفراعنة، والمراد به هناك الملك الذي يسمي بـرمسيس الثاني ومعاصر النبي موسى عليه الصلاة والسلام، والذي يوجد جسده في المتحف المصري بالقاهرة وهو المراد في هذه الأية: ﴿وجاوزنا ببني اسرائيل البحر فأتبعهم فرعون....من المسلمين﴾ لارد كجنر (1916م): ولد سنة 1850م ونال شهادة الدكتوراة نصب فيلد مارشل من قبل الإنجليز، غرق في البحر. المهدي السوداني: هو محمد أحمد بن عبد الله، ولد سنة 1843م، كان رجلا مجاهدا رفع علم الجهاد في مصر وسودان، وطبق الشريعة الإسلامية في الخرطوم ونواحيها. وفي سنة 1998م عند ما فتح لارد كجنر الخرطوم، أول عمل قام به هو حفر قبره وأخرج جسده منه وأغرقه في النهر. إقبال: جاويد نامه: 97—98. الحكيم المريخي: شخصية حكيمة اخترعها ذهن الشاعر. إقبال: جاويد نامه: 107. إقبال: كليات إقبال اردو، شيخ غلام علي ايند سنز، ط:3، لاهور. (ضرب كليم) ص 146. غالب (1869م): اسمه مرزا أسد الله خان غالب، وهو من أشهر شعراء اللغة الأردية وقد نظم شعرا في الفارسية كذلك، ولد سنة 1797م. قرة العين طاهرة: اسمها زرين تاج أم سلمة واشتهرت باسم قرة العين طاهرة، كانت من متبعي مذهب "بابي" انها قد فضلت السجن والقتل على أن تكون زوجة الملك ناصر الدين (1848م إلى 1896م). جعفر (1765م): المخادع الشهير الذي بسبب خداعه هزم لارد كلايف (Clive) سراج الدولة والي الميسور في الحرب بلاسي (Plassey) سنة 1757م، للمزيد من التفصيل راجع: محمد رياض، جاويد نامه تحقيق وتوضيح، ص:25). صادق الغادر الشهير، كان رئيس جيوش الملك تيبو، وبسبب غدره قتل الملك المذكور سنة 1899م (للمزيد من التفصيل راجع: نفس المرجع، ص:45). نطشي (1900م): هو فريدرك ويلهلم نيطشى الفلسفي الالماني الشهير الذي ولد سنة 1844م، (للتفصيل راجع: د. سيد عبد الله، متعلقات خطبات إقبال، ص 140–141). شرف النساء بيكم: كان والدها زكريا خان وجدها حاكما بنجاب، وهي دائما كانت تحمل المصحف والسيف معها وأوصت بدفنهما معها بعد وفاتها فدفنا بها. السيد علي الهمداني (784هـ/1385م): هذا الداعية العظيم يلقب بلقب "على الثاني وحواري كشمير" أيضا، ولد سنة 1314م/714هـ في همدان وحصل على العلوم الباطنية من خاله ثم ساح في البلاد الإسلامية، وفي سنة 774هـ جاء إلى كشمير مع أصحابه لتبليغ الإسلام، وفي سنة 784هـ/ 1385م قصد الذهاب إلى تركمانستان ولكن مات في الطريق. (للمزيد من التفصيل أنظروا: ظهير أحمد صديقي، عكس جاويد ص: 258). ملا طاهر غني الكاشميري (1072هـ/ 1661م): شاعر عصر شاهجهان ومعاصر كليم وصائب. برتري هري: شاعر اللغة السنسكرتية العظيم والمتمهر في الفلسفة والموسيقي والتصوير وعصره القرن الأول قبل المسيح تقريبا، كان ملك أجين، ولكن الملك بعد حين، فالبيت الشهير للشاعر إقبال: بهول كي بتي سى كت سكتا هى هيرى كا جكر مرد نادان بر كلام نرم ونازك بى اثر "من الممكن ثقب الماسة بزهرة ناعمة ولكن ليس من الممكن أن تؤثر الكلمة اللينة في قلب غبي أحمق" هو ترجمة قطعته الشعرية (للمزيد من التفصيل راجع: سيد صمد حسين الرضوي، إقبال اور بهرتري هري مجلة "اردو" 1977 العدد،:4. نادر شاه أفشار (م:1160هـ / 1747م): أحد الملوك الإيرانيين الذي نهب دهلي في 1151هـ/1738م، كما أنه سعى للتوحيد بين الشيعة (الروافض) وأهل السنة أيضا. (للمزيد من التفصيل راجع: دائره المعارف الإسلامية الأردية، جامعه بنجاب، لاهور، 22/15—26) أحمد شاه الأبدالي (1773م): مؤسس افغانستان، كان في جيش نادر شاه بعد قتله توج أحمد شاه على الأفغان وكان عمره آنذاك 24—25 سنة ففصل افغانستان من المناطق الأخري وأعلن بتحررها. وفي سنة 1761م اقتلع الأبدالي في معركة باني بت المرهته (مرهته) الذين كانوا رمزا لقوة الهنود المتزايدة يوما بعد يوم، ودفن بقندهار ( للمزيد من التفصيل راجع: محمد حيات الله خان، جهات أفغاني، لاهور، 1865م). سلطان تيبو(1799م): ملك ميسور، ولد سنة 1750م، كان متمهرا في فنون الحرب، وبذل قصارى جهده لتحريرشبه القارة من أيدي الإنجليز، قتل بسبب غدر رئيس جيوشه مير صادق.(للتفصيل راجع: محمود شاه بنغلوري، تاريخ سلطنت خدا داد 1934م. وسيد أمجد علي، سوانح حيدر علي سلطان، 1920) محمد إقبال، جاويد نامه، ص 137—138. أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، ص: 136) محمد إقبال، جاويد نامه، ص 18—19. عبيد بن الأبرص الأسدي (555م): قبيلته مضر، وهو من بني أسد، عمر طويلا حتى قتله المنذر وهو من أصحاب المعلقات ومن شعره: من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، ص 31) إقبال، جاويد نامه، ص 187. وهما آدم ومحمد عليهما السلام. أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، 185. "Islam and the Divine Comedy. H Sunderland لندن، 1926). د. محمد رياض، جاويد نامه تحقيق وتوضيح، ص: 31. إقبال، كليات إقبال اردو، شيخ غلام علي ايند سنز، ط" 3، لاهور (بال جبريل) ص: 156—157. يريد بها كتاب المعري الشهير: اللزوميات كامل كيلاني، على هامش الغفران، ص:6. أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، ص: 11—12. د. طه حسين، إقبال وأبو العلاء المعري مقال ضمن كتاب "إقبال العرب على دراسات إقبال" للدكتور ظهور أحمد اظهر، المكتبة العلمية، لاهور، 1977، ص: 37—38. سليم جشتي، شرح جاويد نامه، ص: 83. النابغة الجعدي: هو أبو ليلي حسان بن قيس من بني عامر بن صعصعة، شاعر مخضرم وكان في جاهليته مقل لبيد يتغني بمفاخر قومه وانتصاراتهم في حروبهم ويهجو خصومهم، أدرك الإسلام فوفد على النبي، وحسن إسلامه، وكانت وفاته في اصفهان سنة 65هـ في أو اخر خلافة مروان بن الحكم أو في مطلع خلافة عبد الملك، وقد كف بصره وزادت على مائة. أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، ص: 45، 55، 56). نفس المرجع، ص: 27). د. طه حسين، تجديد ذكري أبي العلاء، دار المعارف، مصر، صـ: 236— 238. المصادر والمراجع 1. أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، القاهرة، 1938. 2. أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، دارإحياء التراث العربي، بيروت، 1418/1997. 3. أحسن عبد الشكور، إقبال كي فارسي شاعري كا تنقيدي جائزه، إقبال أكادمي، لاهور، 1977م. 4. أحمد تيمور باشا، أبو العلاء المعري نسبه، شعره ومعتقده، قاهرة، 1359هـ. 5. أحمد ضياء الدين، إقبال كا فن اور فلسفه، بزم إقبال، لاهور، 2001م. 6. د. أحمد معوض، محمد إقبال حياته وآثاره، الهيئة المصرية العامة، مصر، 1980م. 7. أكبر علي الشيخ، إقبال كي شاعري اور بيغام، كمال ببلشرز، لاهور 1946م. 8. إقبال، جاويد نامه، مترجم رفيق خاور، لاهور، 1976م. 9. حميد احمد خان، إقبال كي شخصيت اور شاعري، بزم إقبال، لاهور، 1974م. 10. د. خليفه عبد الحكيم، فكر إقبال، بزم إقبال، لاهور، 1957م. 11. د. خواجه حميد يزداني، مطالب كلام إقبال فارسي، شيخ غلام علي ايند سنز، لاهور، 1999م. 12. صبغة الله بختياري، شرح جاويد نامه، لاهور، ل.ت. 13. صديق جاويد، فكر إقبال كا عمراني مطالعه، إقبال أكادمي، لاهور، 1996م. 14. د. طه حسين، ذكرى أبي العلاء، مكتبة الهلال، مصر، 1922م. 15. ظهير أحمد صديقي، عكس جاويد منظوم ترجمه مع مقدمة وحواشي، لاهور، 1993م. 16. د. عائشة عبد الرحمن بنت الشاطي، أبو العلاء المعري، المؤسسة المصرية العامة، مصر ل.ت. 17. عبد السلام الندوي، إقبال كامل، كامران ببلي كيشنز، 1988م. 18. عبد العزيز الميمني الراجكوتي، أبو العلاء وما إليه، قاهرة، 1328هـ. 19. عبيد الله قدسي، مناجات جاويد نامه، إقبال أكادمي، باكستان، 1985م. 20. د. عمر فروخ، حكيم المعرة، الطبعة الثانية، بيروت، 1948م. 21. لجنة من الأساتذة تحت إشراف الدكتور طه حسين: تعريف القدماء بأبي العلاء، القاهرة، 1384/ 1965م. 22. محمد رياض جاويد نامه تحقيق وتوضيع، لاهور، 1988م. 23. محمد سليم الجندي، الجامع في أخبار أبي العلاء المعري وآثاره، (جزءان) دمشق، 1372هـ /1962م. 24. محمد فرمان، إقبال اور تصوف، بزم إقبال، لاهور، 1985م. 25. نجيب الكيلاني، إقبال الشاعر الثائر، الدار العلمية، 1391هـ /1971م. 26. يوسف سليم جشتي، شرح جاويد نامه، عشرت ببلشنك هاؤس، لاهور 1956م. إقبال والقائد الأعظم وباكستان للدكتور حازم محمد أحمد محفوظ جمعت بين العلامة محمد إقبال والقائد الأعظم محمد على جناح –رحمة الله عليهما– علاقات وثقى بنيت على أساس من الدين الحنيف ووحدة الهدف، فكل منهما قاد مسيرة نضال أهل لا إله إلا الله فى شبه قارة جنوب آسيا ضد أعداء الدين من الهندوس والإنجليز. لقد رأى العلامة محمد إقبال فى القائد الأعظم محمد على جناح رمز طموح كل المسلمين فى شبه قارة جنوب آسيا والقائد الأوحد الذى يستطيع أن يقودهم لتحقيق هدفهم المنشود وهو تشييد وطن خاص للمسلمين كى يتمكنوا من إقامة شعائر دينهم الحنيف فى حرية تامة. يقول العلامة محمد إقبال فى رسالة باسم القائد الأعظم محمد على جناح مؤرخة فى الحادى والعشرين من شهر يونيو من عام 1937 للميلاد : "إننى على يقين تام من أن محمد على جناح سيقود الأمة المسلمة فى شبه قارة جنوب آسيا لتحقق هدفها المنشود وهو قيام باكستان". وأوصى وجوه القوم وأصحاب الفكر من المسلمين بأن يلتفوا حوله ويسيروا فى خطاه مؤازرين مؤيدين. ففى رسائل إقبال باسم القائد الأعظم محمد على جناح — وتبلغ خمس عشرة رسالة بدأها فى الثالث والعشرين من شهر مايو من عام 1936 للميلاد وحتى العاشر من شهر نوفمبر من عام 1937 للميلاد — عبر العلامة محمد إقبال فيها عن عظيم تقديره للقائد الأعظم محمد على جناح وحفزه لمواصلة النضال من أجل باكستان ودحر مزاعم قادة الهندوس والإنجليز يقول العلامة محمد إقبال فى رسالة كتبها فى الثامن والعشرين من شهر مايو عام 1937 للميلاد: " إن مظالم الهندوس تزداد ضد كل المسلمين، وإن جواهر لال نهرو من الملحدين الشيوعيين، ولو لم تحل مشكلة كل المسلمين فى شبه قارة جنوب آسيا لصار حالنا كحال شعبنا المناضل فى فلسطين" . وفى رسالة أخرى مؤرخة فى الحادى والعشرين من شهر يونيو عام 1937 للميلاد يقول: "قال غاندى – رئيس حزب المؤتمر الهندى – لا يمكن أن يكون للمسلمين وجود على الساحة السياسية فى شبه قارة جــنوب آسـيا... لذا أرى أنه لا يمكن أن يكون فى شبه قارة جنوب آسيا اتحاد بين المسلمين والهندوس فى دولة واحدة. ومن ثم فإن تقسيم شبه قارة جنوب آسيا هو الحل الأوحد". ورغب العلامة إقبال في نشر رسائله التى كتبها باسم القائد الأعظم محمد على جناح فى جميع الصحف غير أنه تريس، وعن سبب هذا يقول العلامة محمد إقبال فى رسالة إلى القائد الأعظم محمد على جناح مؤرخة فى الثامن والعشرين من شهر مايو عام 1937 للميلاد: "إننى أرغب فى نشر رسائلى التى أكتبها إليكم فى كل الصحف كى يطلع العالم أجمع على ما يوقعه الهندوس من مظالم شداد بالمسلمين، غير أننى أرى أن الوقت غير مناسب لأننى أخشى أن يؤثر هذا العمل على مسيرة قيام باكستان ". ومن المعلوم أن إقبالاً فى طليعة من قرروا قيام دولة باكستان فحدد معالمها ووضع اسمها. ولقد أعلن العلامة إقبال عن رأيه بعدما ظهر للمسلمين أن الهندوس يريدون بأكثريتهم أن يسحقوا المسلمين وأن يمحوا كل أثر لشخصيتهم وكيانهم. فكان العلامة محمد إقبال على علم بما يدور بأذهان الهندوس وبما يجول فى نفوسهم، ورأى أن المسلمين والهندوس لا يمكن أن يسيروا فى قافلة واحدة، وأن المشكلة لن تحل إلا بتقسيم شبه قارة جنوب آسيا، نظراً للاختلافات البينة بين المسلمين والهندوس... فقام فى المؤتمر السنوى للرابطة الإسلامية. فى ديسمبر من عام 1930 للميلاد بمدينة إله آباد – وهو المؤتمر الذى ترأسه العلامة محمد إقبال — وخطب خطبة عصماء أعلن فيها عن وجوب قيام وطن خاص للمسلمين فى شبه قارة جنوب آسيا وذلك فى الولايات التى يسكنها أغلبية من المسلمين وهى السند والبنجاب وبلوجشتان وأقليم الحدود وكشمير والبنغال. وظل العلامة محمد إقبال يواصل الجهاد من أجل إقامة باكستان، إلى أن رحل عن عالمنا فى الحادى والعشرين من شهر إبريل عام 1938 للميلاد، فنعاه القائد الأعظم محمد على جناح بقوله: "كان محمد إقبال صديقاً ومرشداً وفيلسوفاً لى، وفى أصعب المراحل التى مرت بالرابطة الإسلامية لم يتزلزل بل كان قوى الإيمان ثابتاً كالجبل. وإن ما بذله من أجل أمته المسلمة ووطنه، يجعله فى طليعة أكابر عظماء شبه قارة جنوب آسيا. وكان شاعراً لا يدانيه أحد، ولو حييت حتى رأيت للمسلمين دولة فى شبه قارة جنوب آسيا فخيرت بين الرياسة فى الدولة المسلمة وبين مؤلفات العلامة محمد إقبال لم أتردد قط فى اختيار الثانية. وإن وفاته لخسارة عظيمة لشبه قارة جنوب آسيا عامة وللمسلمين خاصة ". وبعد مرور عشر سنوات على إعلان العلامة محمد إقبال لرأيه الخاص بإقامة وطن مستقل للمسلمين، وفى الثلاثين من شهر مارس عـام 1940 للميلاد، تبنت الرابطة الإسلامية رأى العلامة محمد إقبال وذلك فى المؤتمر التاريخى الذى عقدته فى مدينة لاهور، فصدر قرار لاهور التاريخى الذى نادي بوجوب قيام وطن خاص للمسلمين فى شبه قارة جنوب آسيا . وأخذ القائد الأعظم محمد على جناح على عاتقه الجهاد من أجل قيام باكستان. وبعد سبع سنوات من الجهاد المتواصل ضد الهندوس والإنجليز أعلن فى الرابع عشر من شهر أغسطس عام 1947 للميلاد مولد جمهورية باكستان الإسلامية، تلك الدولة الوحيدة التى شُيدت على أساس من الدين الحنيف، فتحقق حلم العلامة محمد إقبال، وإن لم يقدر له أن يرى باكستان دولة ذات سيادة. ويروى التاريخ أن أكثر من خمسة ملايين من المسلمين سقطوا شهداء فى مسيرة النضال من أجل قيام باكستان، وعلى الأخص فى تلك المذابح التى أرتكبتها جحافل الهندوس عقب إعلان مولد جمهـورية باكستان الإسلامية. وكان هدفهم من تلك المذابح التى لم يشهد التاريخ الإنساني مثيلا لها، أن يقضوا على الدولة الوليدة، إلا أن عزيمة حاكمها العام الأول القائد الأعظم محمد على جناح حالت دون تحقيق هدفهم، وقاد الدولة الوليدة – التى تعد أكبر دولة إسلامية فى تلك الفترة – فى أصعب مرحلة إلى أن عبر بها بر الأمان، وصارت مرهوبة الجانب. ولبى القائد الأعظم محمد على جناح نداء ربه فى الحادى عشر من شهر سبتمبر من عام 1948 للميلاد بعد أن كرس حياته لخدمة وطنه فـى ظروف قاسية. إن ما حققته باكستان اليوم من قوة نووية إسلامية —هى الأولى فى عالمنا الإسلامى الكبير— يعود دون أدنى ريب إلى فضل العلامة محمد إقبال والقائد الأعظم محمد على جناح، وكل من ناصروهما فى مسيرة نضال شعبنا المسلم فى شبه قارة جنوب آسيا. والمأمول أن تحذو الدول الإسلامية حذو جمهورية باكستان الإسلامية من أجل مستقبل أفضل لأمتنا. لقد خلدت باكستان ذكرى العلامة محمد إقبال بأن جعلت منه الشاعر القومى لها. كما شيدت أكاديمية عظيمة تحمل اسمه تختص بدراسات إقبال باللغات العالمية الحية. وإلى جانب هذا شيدت كثير من الأقسام العلمية لدراسات إقبال فى أكبر جامعات باكستان. وتحتفل باكستان حكومة وشعباً بإحياء ذكراه فى التاسع من نوفمبر من كل عام ويسمى يوم إقبال. فيعد يوم ميلاده من الأعياد القومية فى جمهورية باكستان الإسلامية. وأجد من المناسب للمقام أن ألقى على سيادتكم النشيد الإسلامى الذى نظمه العلامة محمد إقبال وصاغه شعراً باللغة العربية الشيخ العلامة الصاوى على شعلان. الصـين لـنـا والعــرب لـنـا والهـنـد لـنـا والـكـل لـنـا أضحــى الإســلام لـنـا ديناً وجميـع الكــون لـنـا وطـناً تـوحــيد اللـه لـنــا نــور أعــددنا الـروح لــه سـكـنا الكــون يـزول ولا تـمـحــى فــى الـدّهـر صحائف سؤددنا بنــيت فـى الأرض معـابـدها والـبــيـت الأول كـعـبـتـنا هـــو أول بــيت نحفـظــه بحـيـاة الـروح ويحـفـظـنـا فـى ظــلّ الســيف تـربيّـنا وبـنـيـنا العــزّ لـدولـتـنـا عـلـم الإســلام عـلـى الأيّـا م شـعــار الـمـجـد لـدولتنا بهــلال النصــر يضــيء لنا ويمـثّـل خـنـجـر سطـوتـنا وأذان الـمسـلـم كـــان لـه فى الغـرب صـدى مـن هّمـتنا قـولـوا لـسـماء الكـون لقـد طـاولـنـا النجــم بـرفعـتـنا يا دهـر لـقـد جـربّـت علـى نـيـران الـشــدة عـزمتــنا طـوفـان الباطــل لـم يغـرق فــى الخــوف سفـينة قـوّتنا يـا ظـل حـدائـق أنـدلـــس أنســيت مغـانــي عـشـرتنا وعلـى أغـصـانـك أوكـــار عمــرت بطـلائـع نـشـأتـنا يـا دجلـة هـل سجـلـت علـى شـطـّـيك مـآثـر عـزتـنــا أمـواجـك تــروى للـدنـيــا وتـعــيد جـواهــر سـيرتنا يا أرض الـنـور مـن الحـرميـ ــن ويــا مــيلاد شـريعـتنا روض الإســـلام ودوحـتــه فـى أرضــك روّاهــا دمـنـا ومحـمـد كــان أمــير الركـ ـب يقـود الفــوز لـنـصرتنا ان اســم مـحـمـد الـهـادي روح الآمــال لـنـهـضـتـنا دوّت أنـشـــودة "إقــبــال" جـرســاً يحـدو فـيــه الزّما ليعـيـد قـوافـلـنـا الأولــى فــى المجــد ويـبـعـث أمتنا تحية للعلامة محمد إقبال، وتحية للقائد الأعظم محمد على جناح، وتحية لجمهورية باكستان الإسلامية. مشاريع سنة إقبال الإعداد: الأستاذ محمد سهيل عمر تعريب: محمد سميع مفتي التقرير التطبيقي 2002—2003 إن سنة 3—2002 اعتبرت سنة إقبال وذلك على مضي 125 سنة من ولادة الشاعر الفيلسوف الباكستاني، العلامة محمد إقبال. وأعلنت حكومة باكستان عنها بشكل رسمي بأنها "سنة إقبال" . على أمر من عند الأمانة الرئيسية التنفيذية خططت أكاديمية إقبال باكستان سلسلة المشاريع باستخدام جميع الوسائل المتوفرة لديها ومع التركيز على إستخدام تقنية المعلومات. فاعلن عن البرنامج المقترح في الصحافة الوطنية، وعلى الموقع الأليكتروني وكذلك من خلال البريد الأليكتروني. فدعي الناس بشكل عام بأن يقدموا مقترحاتهم في احتفال السنة. فساهم عدد كبير من الأشخاص والمؤسسات بمقترحاتهم. فأكاديمية إقبال باكستان أعلنت عن مقترحات لم يشر إليها أحد، وتم اختيارها وجهز لها ثم جعلت جزءا للبرنامج الكلي. خطة العمل المقترحة قدمت إلى مجلس الوزراء الفدرالي للموافقة خلال وزارة التراث. والمظهر المالي للخطة المقترحة كان حوالي 30 مليون روبية. وعلى أية حال، وافق القسم المالي على ميزانية 8 مليون روبية، فتسلمت أكاديمية إقبال ميزانية 4 مليون روبية في تموز/يوليو 2002. وأثناء فترة إثني عشر شهرا وذلك من تموز/ يوليو 2002 إلى حزيران/ يونيو 2003، أقيمت الأنشطة التالية للإحتفال بسنة إقبال. المؤتمرات والبحوث خلال هذه الفترة نظمت أكاديمية إقبال عدة حفلات ومؤتمرات، واستضافت الآخرين لها، وكذلك عاونت غيرها في نفس المجال داخل البلد وخارجها، وتتوجت في إقامة مؤتمر إقبال الدولي لـ2003 باسم "وجهات النظر على إقبال— أحد مسح عالمي في دراسات إقبال". (راجع الملحق رقم 1و2 للتفاصيل.) مؤتمر إقبال الدولي وجهات النظر على إقبال— مسح عالمي في دراسات إقبال سابقا كان المقترح أن ينعقد المؤتمر الدولي في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002. فبسبب الإنتخابات العامة في تشرين الأول/ أكتوبر وتشكيل الحكومة الجديدة فيما بعد، أجل المؤتمر إلى نيسان/ أبريل 2003. وتمت مناقشة أربعة أيام بلاهور في نيسان/أبريل من 21 إلى 24 سنة 2003. وقد جعل التدشين من قبل رئيس باكستان فبهذه المناسبة الكبيرة زامنت يوم إقبال الحادي والعشرون من نيسان/ أبريل. (راجع الملحق رقم 1 للتفصيلات). ركز المؤتمر على الطرق التي استقبل إقبال في عدة الساحات اللغوية والثقافية في العالم مستخدما المعيارات الواسعة التالية: حالة دراسات إقبال في ساحات متعددة؛ ساحات ثقافية لغوية بباكستان وببلدان أخرى. وذلك يعني مجالات التراجم والدراسات الأكاديمية والفلسفية لأفكار إقبال، وتفسيرها، وكذلك الدراسات المقارنة بالشخصيات الأدبية والفلسفية الماضية والمعاصرة وغيرهم. ويرافق ببيبلوغرافيا الأعمال على دراسات تمت في إقبال في الساحات الخاصة للدراسة. أهم علماء المنطقة أخصائيين في أفكار إقبال مع معلومات مختصرة عن حياتهم وأعمالهم. عرض الميول في دراسات إقبال في ساحة تركيزك، والفجوات الموجودة في طريقة دراسات إقبال وكذلك الإقتراحات للدراسات والمساحات الأخرى من البحث. وإن كان التركيز في المؤتمر على "مسح عالمي في دراسات إقبال" وكان هدفه الأوسع أن يساهم في فهم أفكار إقبال ونظرياته بالتعمق وتفهيمها وكذلك في طرق معرفة القضايا العالمية والمعاصرة. وهذا سوف يجلب مجموعة منتقاة من علماء أفكار إقبال في العالم على سوى (انظر الملحق رقم 2) مع الأخصاءيين الباكستانيين في أفكار إقبال ومع كل من هو مهتم بإقبال ودارسات إقبال في جهد كامل لتعريف أفكار إقبال وعرضها في خارج البلاد. وكذلك العمل على إعداد كتابات مع الشروح والتعديل والتنقيح للطباعة. بعثات باكستان وندوات يوم إقبال بعثات باكستان قامت بوظائف خاصة في البلدان التي أرسلت إليها بأسلوب ملائم وبالتضامن مع الجماعة المحلية للأخصائيين في أفكار إقبال والأخصائيين المغتربين. بعثة باكستان في ماليزيا قامت بموتمر خاص على علامة إقبال بالتعاون مع الجامعة الإسلامية الدولية بماليزيا وذلك بمساعدة أكاديمية إقبال باكستان. والإجراءات في التحظير. مؤتمرات على إقبال؛ حياته وفكره خلال هذه الفترة أقيمت عدد من المؤتمرات والندوات من قبل وكالات عديدة في المقر العام الإقليمي من كل ولايات باكستان. وكذلك أقامت الجامعات والكليات والمدارس والمؤتمرات أيضا على مستوياتهم الخاصة. مؤتمرات إقليمية– حكومات الأقاليم قامت حكومات الولايات كلها بمؤتمرات وندوات في المقرات العامة الإقليمة، وكذلك حكومة آزاد كشمير. مؤتمرات تعليمية – حكومات الأقاليم أقامت حكومات الولايات كلها وحكومة آزاد كشمير أيضا، ومن خلال الإدارات التعليمية والتربوية مؤتمرات وندوات على إقبال في مدارس وكليات الولايات. إدارة التعليم والتربية رتبت أيضا إمتحانات قصيرة على إقبال، ومنافسات في تغني شعر إقبال، والمساجلة في شعر إقبال، والمناقشات على مواضيع إقبال، ومسابقات الخطاب ومسابقات في كتابة المقال على إقبال في مدارس وكليات الإقليم. طوابع تذكارية وأصدرت إدارة البريد بحكومة باكستان طوابع بريدية تذكارية لسنة إقبال. واختارت أكاديمية إقبال صورا لعلامة إقبال واعدت موجز ترجمته. جوائز إقبال الوطنية الرئيسية / العالمية إن جوائز إقبال من قبل الرئيس وسيلة هامة في إقبال الناس على دراسة إقبال على مستوى أكبر وأعم، وذلك بمساندة الحكومة ورعايتها. وجائزة إقبال ليست جائزة مألوفة تقليدية فحسب وإنما هي محاولة لتسجيل الرسالة في مجتمع علماء إقبال الوطنيين والدوليين في المجتمع الذي هم يعيشون فيه ولم تصبح فيه رسالة إقبال الشاعرية حتى الآن إحدى الثروات الثمينة الغالية. فأكاديمية إقبال باكستان قد اعتنت بالقرار في إعطاء جوائز الرئيس هذه منذ 1981. خلال فترة من ستة أشهر قيمت أكاديمية إقبال باكستان واكملت طور أفضل الكتب لجائزة سنة إقبال 2000. واختارت لجنة الإختيار ذات مقدرة عالية الانتخاب النهائي لأفضل الكتب التي صنفت على علامة إقبال. ووزعت الجوائز في مناسبة المؤتمر الدولي بشأن علامة إقبال العظيمة والتي أقيمت في نيسان/أبريل هذه السنة. (والتفاصيل مطبوعة منفصلا) سلسلة على إقبال لقد أسقط القسم المالي أقتراح مسلسل على إقبال. لم يختص أي مال لهذا الغرض. وكبديل تم تحويل الاقتراح إلى لجنة إدارة أيوان إقبال لتخصيص الأموال لهذا الغرض. ولا يزال ينظر الرد. وقد تم إكمال مواد المراجعة للبحث والوثائق. كل المصادر المهمة والأصيلة على حياة إقبال قد مسحت، واختيرت المواد المتعلقة ورتبت طبقا لفترات حياة إقبال. والمواد كلها فحصت بشكل حذر ورتبت ثانية. فتضمنت الوثيقة الشاملة النهائية على مئات من الصفحات، واختيرت وأعدت هذه المواد بشكل منظم من المصادر الأساسية الموثوقة لسيرة إقبال. الحبكة والمسودة في التحظير. وستكون خطوة ذات شأن إذا تمت بداية هذا المشروع على أثر سنة إقبال. المعارض معرض (الصور، إقبال في السنوات، كتب/ جرائد/ أشرطة سمعية وبصرية / أقراص مدمجة / لوحات / آثار) قد أقيمت تسعة عشر معرضا خلال هذه الفترة. (راجع الملحق رقم" 3" للتفصيلات). المعارض التصويرية التربوية والمحاضرات التمهيدية التعريفية الجوالة على إقبال بحسب مستوى المدرسة والكلية. أقيم هذا المعرض خصيصيا بخلفية أن يعطى الوعي عن إقبال وحياته وفكره سويا بين طلاب المدرسة والكلية. وكان يشمل صورا وإقبال في سنوات ومعرض الكتب / والجرائد /وأشرطة السمعية والبصرية / وأقراص مدمجة /ولوحات / وآثار. وكذلك سلسلة المحاضرات التمهيدية والدورات على أفكار إقبال. وصمم المعرض الجوال، كخطوة رئيسية لنيل هذا الغرض. ودشن من قبل رئيس الوزراء في أيلول/ سبتمبر 2003. التبرعات نخبة تمثيلية من الكتب / والجرائد / والبروشورات / والأشرطة السمعية والبصرية / والأقراص المضغوطة قد قدمت إلى إدارات ومكتبات عامة وإدارت شقيقة وبعثات خارجية. وسائل الأعلام خلال هذه الفترة وبالتعاون مع أكاديمية إقبال باكستان، ما نشر الراديو والتلفزيون الباكستاني هو كالتالي: كرر الراديو والتلفزيون الباكستاني كلتاهما إذاعتيهما من كل القنوات أفضل برامج ما أنتجا عن إقبال في السنوات الخمسين الماضية. أنتجت أكاديمية إقبال باكستان وبالتعاون مع التلفزيون الباكستاني، مسلسل برنامج ذي اثنتي عشرة حلقة على علامة إقبال باسم "آئينهء إقبال" (مرآة إقبال) والذي أعطى تعريفا شاملا لأعمال إقبال. وقد أذيع خلال إذاعات تلفزيونية عدة مرات. على وصية من الأكاديمية قام التلفزيون الباكستاني بالمسابقة على إقبال على المستوى الوطني بعنوان "ذوق آكاهي" (ذوق التعلم). إن وكالة الإذاعة الباكستانية —وبالتعاون مع الأكاديمية— أقامت مسابقة على علامة إقبال وذلك إمتحان قصير راديوي للكأس التحدي الوطني من لاهور ومن المحطات الإقليمية الباكستانية الراديوية. (راجع الملحق رقم" 4" للتفصيلات). تكنولوجيا المعلومات موقع علامة إقبال (ويبسيت) يجري العمل في المرحلة الثانية في تطوير موقع علامة إقبال وتحسينه وتوسيعه بإضافة محتويات أخرى؛ كإضافة ملفات الصوت وكذلك المسح الضوئي (scan)، وفي إعداد نصوص كلام إقبال الأردي والفارسي وتحميلها في الموقع وكذلك في ترتيب المواد السمعية والبصرية بحيث أن يكون الموقع تفاعليا تماما حسب المقياس العالي الدولي. فتزامن التدشين الرسمي للموقع بزيارة الرئيس ومناسبة المؤتمر الدولي العظيم بشأن علامة إقبال والذي عقد في نيسان /أبريل 2003. وجدير بالذكر هنا أنه وضع عداد على الموقعwww.allamaiqbal.com ففي 10 من كانون الثاني/يناير، 2002 وفي 10 من نيسان/أبريل، 2003 كان عدد الضربات يصل إلى 48815 ضربة في سنة، والذي يعني بأنه زار الموقع يوميا حوالي 107 أشخاص. (راجع الملحق رقم 5 للتفصيلات). المسابقة الدولية لإنشاء الموقع (ويبسائيت) قد أعددت ترتيبات للقيام بمسابقة دولية لتطوير أفضل موقع للانترنيت على علامة إقبال، وعرضت جوائز وسيمة لعشرة من الفائزين الممتازين. فتزامن التدشين الرسمي للبرنامج وتوزيع الجوائز بزيارة الرئيس ومناسبة المؤتمر الدولي العظيم بشأن علامة إقبال والذي عقد في نيسان/أبريل 2003. وأعلنت عن المسابقة من خلال جميع وسائل الإعلام الجماهيرية ومواقع الإنترنيت في الأسبوع الأول للمارس 2003. والموعد النهائي لقبول المواد كان 7 نيسان/أبريل، 2003. وخلال هذه الفترة، وصلت استمارات التسجيل من قبل 515 مجموعة تشتمل على 1001 مشارك. وأرسلت منها 124 مجموعة مواقعها المجهزة (websites) قبل الموعد النهائي. وتم اختيار 80 من المواقع للمعرض في مرحلة التقييم الأولي. (راجع الملحق رقم 6 للتفصيلات) قاعدة البيانات الأولى كتابدار متعددة اللغات لتنظيم المكتبات أكملت الأكاديمية مشروع الجائزة هذه قاعدة البيانات التي لا يساعد في البحث حسب المستوى عالي وكذلك يعطي المساعدة في مكتبة لصالح العلماء والباحثين في العالم. وكذلك يعرض بعض الميزات الخاصة والتي لا توجد في البرامج الموجودة في السوق في نفس المجال. وتزامن التدشين الرسمي للبرنامج وتوزيع الجوائز بزيارة الرئيس ومناسبة المؤتمر الدولي العظيم بشأن علامة إقبال والذي عقد في نيسان/أبريل 2003. (راجع الملحق رقم7 للتفصيلات) إقبال مكتبة كونية تفتخر أكاديمية إقبال باكستان بأنها قدمت مكتبة إقبال الكونية الأولى ضمن المكتبات الكونية الأردية كجزء من مشاريع سنة إقبال. وتم ذلك من خلال البحث الشامل، والتأليف والعمل الصعب، فأصبحت الأكاديمية قادرة على أن تعرض هذه المكتبة الفريدة إلى عامة المستخدمين وللمهتمين في دراسة إقبال. (راجع الملحق رقم 8 للتفصيلات) مشاريع سمعية وبصرية تم إعداد 12 قرصا مدمجة بصرية خلال هذه الفترة. وهذه الاقراص تتضمن أفلام وثائقية، وقراءة شعر إقبال مع الموسيقى والغناء. (أنظر الملحق رقم 9 للتفصيلات) ألبوم إقبال وقد بدأ وتم أثناء هذه الفترة —وبعد عمل طويل على ألبوم إقبال— عمل تسجيل كل المادة الأساسية ومعالجة الصور. والمشروع الآن في خطوة النهائية وسيكمل في السنة القادمة. منشورات— كتب / بروشورات طباعة الكتب طبعة جديدة وإعداتها خلال فترة من إثنا عشر شهرا، نشرت أكاديمية إقبال عددا من الكتب الجديدة، وأعددت كذلك عدد من كتب لطباعات جديدة لبضعة من العناوين. (راجع للتفصيلات الملحق رقم 10) إقبال في اللغات الباكستانية وقد تم مسح شامل لتوفير أعمال إقبال في جميع اللغات الباكستانية. وأكمل في هذا الصدد جهدان؛ أحدهما إصدار الطبعات الحديثة للكتابات المترجمة وإعداد التراجم للكتب التي تتطلب ذلك أو كان في ترجمتها نقص. وبدئ العمل على الترجمة والتأليف في اللغات السندية، والوتشية، والبروهية والبوشتو. وترجمة بوشتو وصلت إلى مرحلة الإعداد النهائي. إقبال للأطفال العمل على إعداد مواد إقبال للأطفال تحت التنفيذ. ونرجو بأن تصدر خمسة كتب خلال فترة قصيرة. ولقد تم إعداد كتاب دارسي على علامة إقبال للصفوف المدرسية من 4 إلى 8 في خمسة أجزاء، وذلك بجهود مركز البحث التربوي. ودشن من قبل رئيس الوزراء في أيلول/ سبتمبر 2003. بمرافقة الأقراص المدمجة. وسوف يتم إعداد أجزاء أخرى للفصول من 8 إلى المرحلة بيكالوريس. الجرائد خلال الفترة الماضية أصدرت أكاديمية إقبال مجلاتها "إقباليات" / "إقبال ريفيو" ثلاث بالأردية وخمس بالإنكليزية. وقد نشرت أيضا واحدة باللغة الفارسية باسم إقباليات. ومجلتان باسم إقباليات بالعربية جاهزتان وستصدران قريبا إن شاء الله. مشاريع البحث إقبال في وثائق القائد الأعظم سوف يتم التنفيذ على هذا المشروع بشكل عاجل إن شاء الله. ولقد ظهرت بعض البحوث الهامة وسوف تقدم بعد قليل. الطبعة الحديثة المدموجة لبيوجرافيا إقبال "زنده رود" (الأردي) سوف يتم التنفيذ على هذا المشروع بشكل عاجل، وسوف يقدم قريبا إن شاء الله. تراجم سيرة إقبال "زنده رود" إلى العربية والإنجليزية، لقد تم بالأكاديمية الترجمة العربية لـسيرته "زنده رود" ، والتي راجعها بعض العلماء العرب. على أية حال، ما كان من الممكن أن يظهر بسبب قلة الأموال. وكذلك، العمل على الترجمة الإنكليزية لـسيرته "زنده رود" ، على الرغم من جهودنا والتوفر لدينا مترجم مؤهل جدا، ما تمكنا من أن نكمل بشكل عاجل، وذلك لعدم وجود الأموال اللازمة لهذا الغرض في ميزانية إحتفالات سنة إقبال. وهذه الوثيقة المهمة ليست متوفرة إلى الآن في أي لغة دولية ماعدا الفارسية. والآن بمساعدة إدارة إيوان إقبال وتبرعات من أصدقاء الأكاديمية بدأ العمل على الترجمة الإنكليزية. إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام كمهمة خاصة لدولي خلال سنة إقبال، ترجم كتاب إقبال "إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام" —القطعة النادرة الفلسفية— في سبع لغات عالمية رئيسية: العربية، والإسبانية، وكاتالونيان، والألمانية، والروسية، والبنغالية، وتشيتش. والتراجم الأسبانية وكاتالونيانة، والعربية، والتشيتشة والروسية قد خرجت مسبقا، حيث أن الترجمة الألمانية في عملية الطباعة في الأكاديمية. جمع أعمال إقبال النثرية وصلت تأليف تسعة أجزاء من الرسائل، والمقالات، سبيديس، والتصريحات ومتفرقات المرحلة النهائية للتحرير. العمل يتابع بشكل عاجل. جمع أعمال إقبال الشاعرية الانكليزية من الترجمة وصل جزءان من النص المؤلف إلى المرحلة النهائية للتحرير. والعمل يتابع بشكل عاجل. جمع أعمال إقبال الشاعرية الأردية تمت على أساس الترجمة الفارسية كلف عالمان ذووا السمعة الدولية هذا المشروع. وعمل الترجمة ماض في خطوة ثابتة. مشروع بيبلوغرافيا دراسات إقبال (كتابيات إقبال) 2001—1947 العمل على المشروع قد وصل المرحلة النهائية في القراءة لتصحيح الأخطاء، ومن المحتمل أن يقدم في نيسان / أبريل. قاموس إقبال للمرادفات إن أكاديمية إقبال باكستان، تقوم بالعمل على هذا المشروع وذلك بالتعاون مع قسم علم المكتبات، بجامعة بنجاب. فتم تصنيف الكلمات الدليلية وترتيبها. وسيتم العمل على إكمال هذا المشروع بشكل عاجل، إن شاء الله. كليات باقيات إقبال (الأردية) إن المشروع قد تم ووصل إلى مرحلة الطباعة. وسوف يقدم قريبا إن شاء الله. أرشيف إقبال / أوراق إقبال أرشيف إقبال والتي كانت في المرحلة الناشئة في مكتبة أكاديمية إقبال تطورت وأصبحت أرشيفا كاملا يحيط جميع المواد المتعلقة بحياة إقبال وأفكاره. برنامج الشباب كجزء لمشاريع سنة إقبال نظمت أكاديمية إقبال باكستان مسابقة التصوير على مستوى باكستان كلها بالأصناف التالية. 1. رسم لوحة صورة 2. رسم صور إقبال الموضوعية 3. الرسم الموضوعي—العام 4. الرسم الموضوعي لطلاب الكلية والجامعة 5. الرسم الموضوعي لطلاب المدارس الثانويية. أقيم برنامج توزيع الجوائز ومعرض في حفلة عظيمة الشأن. والذي دشن من قبل رئيس الوزراء في أيلول/سبتمبر 2003. (راجع الملحق رقم 11 للتفصيلات) فصول فارسية بالتوافق مع برامج سنة إقبال قد صممت أكاديمية إقبال باكستان أن تقدم برامج تعليمية لتدريس اللغة الفارسية حيث يمكن لأحد أن يكسب الاستعداد الأساسي في فهم اللغة الفارسية، والذي يمكن للإنسان معه تطوير بصيرته من كلام إقبال وأفكاره العالية. خلال هذا البرنامج يمكن للواحد أن يتعلم القواعد أو الحاجات اللغوية الأساسية للغة الفارسية من خلال اللغة الأردية وكذلك يفهم من خلاله التقاليد الأدبية والثقافية المبدعة في الشعر واللغة، وينور بصيرته من كلام إقبال وأفكاره وثم يصل إلى كنوز حكمته. فالبرنامج ينقسم في 4 وحدات قياسية يتدرج المشاركين خلال السلسلة كلها في سنة واحدة درجة درجة. تبدأ هذه الفصول في أول الـشباط /فبراير 2003. (راجع الملحق رقم 12 للتفصيلات) من محاضرة ألقيت في كلية دار العلوم بالقاهرة في 20 من جمادى الثانية 1370هـ الموافق 28/3/1951. ارمغان حجاز مثننوي مسافر بال جبريل بال جبريل أيضا بال جبريل مدينة في إيران، منها شمس الدين تبريزي، شيخ الرومي في التصوف. 1 سورة غافر، آية: 60 2 إقبال ترجمة عبد الوهاب عزام: ص204، القاهرة 1954 وهو من الأصدقاء المخلصين للعلامة محمد إقبال، وله عدة مؤلفات عن باكستان والقضايا الإسلامية والدولية منها: 1 مأساة كشمير المسلمة. 2 باكستان ماضيها وحاضرها. 3 تاريخ شبه القارة الهندية الباكستانية منذ أربعة آلاف سنة وإلى اليوم. 4 ترجم أحد كتب الهنادكة المقدسة، وهو كتاب العادات والطقوس، أو التشريع الهندوكي المعروف باسم "منو سمرتي"، وعلق عليه، وقارنه بأحكام الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية. • حائز على وسام النجم الباكستانى. • وله دور شامل في نضال وكفاح الشعوب ضد الاستعمار. روائع إقبال للعلامة أبي الحسن الندوي ص 29، وكذلك محمد إقبال سيرته وفلسفته للدكتور عبد الوهاب عزام ص 25. محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 30. روائع إقبال ص 29 ولكن الدكتور عزام ذكر تاريخ ولادته سنة 1873م (محمد إقبال ص 30). بينما ذكره محمد حسن أعظمي سنة 1876م (حقيقة باكستان ص 43). محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 31. روائع إقبال ص 30 – وكذلك انظر "قرآن اور إقبال" ص 21 وما بعدها. Scottish Mission School روائع إقبال ص 30 محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 32 محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 39 روائع إقبال ص 31 كان السير توماس آرنولد أستاذ اللغة العربية في جامعة لندن، ثم أستاذ الفلسفة في جامعة علي كره بالهند، ثم في كلية لاهور الحكومية. محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 40 Oriental College روائع إقبال ص 30— محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 44 Development of Metaphysics in Persia محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 49— روائع إقبال ص 31 روائع إقبال ص 31 محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 50 روائع إقبال ص 32 محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 55 روائع إقبال ص 32. محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 55 Reconstruction of Religious Thought in Islam محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 59 محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 60 المرجع السابق ص 62 نفس المرجع ص 62 حقيقة باكستان ص 44 روائع إقبال ص 17. محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 64 حقيقة باكستان ص 44— باكستان ماضيها وحاضرها ص 187 اقرأ ترجمة خطب إقبال في كتاب "فلستفة إقبال والثقافة الإسلامية في الهند وباكستان" طبعة القاهرة 1950م. مجلة الوعي ص 30 مقال دكتور إحسان حقي. حقيقة باكستان ص 68. الآية رقم 103 من سورة آل عمران مجلة منبر الاسلام عدد جمادى الأولى سنة 1384هـ (القاهرة) الآية 92 من سورة الأنبياء الآية 10 من سورة الحجرات الآية 103 من سورة آل عمران الآية 46 من سورة الأنفال انظر صحيح البخاري (باب الأدب 37) وصحيح مسلم (باب البر 66) ومسند أحمد بن حنبل 4/270 انظر صحيح البخاري (باب الصلاة 88 وباب الأدب 76 وباب المظالم 5) وصحيح مسلم (باب البر 65) وجامع الترمذي (باب البر 18) وسنن النسائي (باب الزكاة 67) ومسند أحمد بن حنبل 4/104—105 مجلة منبر الاسلام عدد جمادى الأولي 1384هـ القاهرة الآية 105 من سورة التوبة. محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 37 أنجمن حماية إسلام نالهء يتيمي محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 37 روائع إقبال ص 31 روائع إقبال ص 23 المرجع السابق ص 34 روائع إقبال ص 35 إعادة تشكل الفكر الديني في الإسلام روائع إقبال ص 36 محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 46 جريدة عكاظ في عدد الأربعاء 25 ربيع الثاني 1405 هـ حول محاضرة سماحة الشيخ الندوي ألقاها بنادي المدينة الأدبي عن دور إقبال في توجيه الأدب والشعر انظر حقيقة باكستان ص 65 وكذلك مقال الدكتور إحسان حقي في مجلة الوعي ص 30 منشور المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة بمناسبة الاحتفال بذكرى العلامة إقبال القاهرة سنة 1972 م روائع إقبال ص 11—12 المرجع السابق ص 24—25 محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 71 وكذلك انظر قرآن اور إقبال (القرآن وإقبال) بالأردية ص 19 محمد إقبال سيرته وفلسفته ص 72 انظر إقبال الشاعر الثائر ص 36—38 إقبال الشاعر الثائر ص 39—42 بانك درا للعلامة إقبال ص 178 من قصيدة الشكوى بالأردية إقبال كا فلسفة حيات وموت ص 35 من قصيدة أردية المرجع السابق ص 36 من قصيدة أردية إقبال كا فلسفهء حيات وموت ص 39 من قصيدة فارسية إقبال كا فلسفهء حيات وموت ص 45 من قصيدة فارسية المرجع السابق ص 47 من قصيدة أردية إقبال كا فلسفة حيات وموت ص 51 من قصيدة أردية إشارة إلى الآية "ألم نشرح لك صدرك" إقبال كا فلسفة حيات وموت ص 77 من قصيدة أردية أيضا ص 103 من قصيدة أردية إقبال كا فلسفة حيات وموت ص 75 من قصيدة أردية إقبال كا فلسفة حيات وموت ص 77 من قصيدة أردية أيضا ص 103 من قصيدة أردية إقبال كا فلسفة حيات وموت ص 97 من قصيدة أردية نفس المرجع ص 99 من قصيدة فارسية إقبال كا فلسفة حيات وموت ص 109 من قصيدة فارسية المرجع السابق ص 111 من قصيدة أردية أيضا ص 127 من قصيدة فارسية إقبال كا فلسفة حيات وموت ص 117 من قصيدة فارسية أيضا ص 131 من قصيدة أردية ترجمة الشيخ الصاوي شعلان المصري والأستاذ عبد البارئ أنجم الباكستاني من الفارسية إلى العربية بمناسبة الاحتفال بذكرى العلامة إقبال من طرف المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة سنة 1972 م لمحة عن حياة الأستاذ عزيز أحمد درّس الأستاذ عزيز أحمد في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن وكان أستاذا في الأدب الإنجليزي في الجامعة العثمانية في حيدر آباد الدكن. وبعد الاستقلال عمل مديرا للمطبوعات في الحكومة الباكستانية. ثم أصبح أستاذا في الدراسات الإسلامية في جامعة تورنتو في كندا. ألّف عدة كتب ملخص: "دراسات في الحضارة الإسلامية في المنطقة الهندية" (دار كلاندون للنشر، 1964م) وأصبح هذا الكتاب معروفا على نطاق واسع. وراجع على سبيل المثال: أكبر حسين قريشي: "مطالعة تلميحات وإشارات إقبال" طبعة أكادمية إقبال 1986م، باب تلميحات حديث ص 105، محمد حنيف شاهد: "أحاديث نبوي كلام إقبال مين" مجلة إقبال، بزم إقبال، لاهور، 1991م المجلد 38 العدد 1—2، ص: 13—50. حافظ منير خان: "إقبال اور حديث" (إيماء إلى أسرار الذات) مجلة إقبال، بزم إقبال لاهور، المجلد 47 العدد: 2 و 3 ينائر— يوليو 2000م ص: 139—158. مثلا يرجى الرجوع إلى: محمد فرمان: "إقبال اور منكرين حديث" كجرات 1963 م ص 1—60. عمران نذر حسين: "إقبال اور زمان آخر" (بالإنجليزية)، مؤتمر العلامة إقبال الثالث، جامعة بنجاب بلاهور. 1998م. الطاف حسين آهنكر: "إقبال اور حديث— قانونى تناظر" (أي إقبال والحديث النبوي في المنظور القانوني بالإنجليزية)، إقبال ريويو، أكادمية إقبال، باكستان. المجلد 37، العدد: 3، اكتوبر 1996م ص 89—110 (خاصة ص 102—105). وللدراسات المفصلة راجع محمد سهيل عمر: محاضرات إقبال في المنظور الجديد، أكادمية إقبال باكستان، لاهور، 1996م. A Sprenger; "Ueber das Traditionswesen beiden Arabern", Zeitschift des Dcentschen Mondentandische gesellschaft (ZDMG) vol . 10, 11856), pp 1-17 A Sprenger; "On the origin and Progress of writing down Historical Facts among the Musulmans" Journal of the Asiatic Society of Bengal, 25 (1856), pp,303-329, 375-381. M.Noldeke: Geschichte des Korans.1860 Alfred von Kremer: Kulturgeschichte des Orlients unter den Chalifen, 2 vols., 1875 - 1877 والعبارة بكاملها كما يلي: The Hadith. The second great source of Muhammadan Law is the traditions of the Holy prophet. These have been the subject of great discussion both in ancient and modern times. Among their modern critics Professor Goldziher has subjected them to a searching examination in the light of modern canons of historical criticism, and arrives at the conclusion that they are, on the whole, untrustworthy. Another European writer, after examining the Muslim methods of determining the genuineness of a tradition, and pointing out the theoretical possibilities of error, arrives at the following conclusion: 'It must be said in conclusion that the preceding considerations represent only theoretical possibilites and that the question whether and how far these possibilities have become actualities is largely a matter of how far the actual circumstances offered inducements for making use of the possibilities. Doubtless, the latter, relatively speaking, were few and affected only a small proportion of the entire sunnah. It may therefore be said that ... for the most part the collections of sunnah considered by the Moslems as canonical are genuine records of the rise and early growth of Islam' (Mohammedan Theories of Finance). For our present purposes, however, we must distinguish traditions of a purely legal import from those which are of a non-legal character. With regard to the former, there arises a very important question as to how far they embody the pre-Islamic usages of Arabia which were in some cases left intact, and in others modified by the Prophet. It is difficult to make this discovery, for our early writers do not always refer to pre-Islamic usages. Nor is it possible to discover that usages, left intact by express or tacit approval of the Prophet, were intended to be universal in their application. (The Reconstruction of Religious Thought in Islam, Allama Muhammad Iqbal, Iqbal Academy Pakistan, Lahore,1989,pp 135 وتعريبها: الحديث: المصدر الثاني العظيم للفقه المحمدي هي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت موضع نقاش في القديم والحديث وقد جعلها الأستاذ (جولت تسيهر) موضوع بحث وفحص في ضوء المبادئ المعاصرة من النقد التاريخي وقد وصل إلى نتائج تقول بأن الحديث النبوي كمجموع، غير موثوق به، والكاتب الغربي الآخر، بعد تفحصه للطريقة الإسلامية المتبعة في معرفة الحديث الصحيح، مع الإشارة إلى إمكان الخطأ النظري، قد وصل إلى ما يأتي من النتيجة: يجب أن نقول كنتيجة نهائية، بأن ما مر بنا من النقاش يمثل الإمكان النظري فقط ولكن السؤال يبقى: كيف، وهل يمكن أن يصبح هذا الإمكان النظري حقيقة عملية، ولا شك بأن الأخير، إذا تحدثنا مقارنين، كان قليل الوجود وأثر في قدر ضئيل من السنة! ويمكن لنا القول إذن بأن معظم مجامع السنة إنما هي سجلات صحيحة، كما اعتبرها المسلمون، لتقدم الإسلام وتوسعته في البداية (المبادئ الإسلامية الاقتصادية). ولهدفنا الحاضر، على كل حال، يجب أن نميز بين الأحاديث التي هي أساس التشريع والتي هي ليست من هذا النوع، فأما عن النوع الأول، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى هو يشمل ما كان يعمل به في العرب قبل الإسلام وقد أقرته الشريعة الإسلامية كما كان ومن ذلك ما غيره الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إلا إن هذا الاكتشاف أو التمييز صعب جدا وذلك لأن الكتاب الأوائل لا ينصون على ما كان معمولا به في العرب قبل الإسلام كما أنه من الصعب أن نكتشف ذلك الآن وهل ما أقره الشارع كان الغرض منه هو العمل العمومي (تجديد الفكر الديني في الإسلام للعلامة محمد إقبال (بالإنجليزية) أكادمية إقبال— باكستان، لاهور 1989م ص 135). إن كتاب "الدراسات المحمدية" للأستاذ (جولت تسيهر) كان في جزئين، وقد نشر المجلدان كلاهما من Halle في ألمانيا في 1889م و1890م على الترتيب وقد جاء نقد الحديث في المجلد الثاني وراجع لترجمته الإنجليزية سي آر بار برينز ايس ايم سترن: الدراسات الإسلامية (بالإنكليزية) في مجلدين من لندن سنة 1967م وللعبارة المذكورة راجع 2/18. 1. وإلا فقد كان يرى خلاف ذلك ونستطيع أن نقدر ذلك من رسالته الخطية التي تم العثور عليها قبل بضع سنين، وهي إلى محمد عبد الله العمادي وقال فيها ما نصه: 2. "وقد جعلت الشيخ صدر الدين أستاذ العربية بكلية لاهور الحكومية يوافق بالقيام بترجمة أردية لما نقده (جولت تسيهر) للحديث النبوي فلو كنت هاهنا لساعدتنا في الرد على نقده وسوف أقدم للشيخ ما يوجد عندي من المعلومات (كليات مكايتب إقبال المجلد الأول ص 1617 للأستاذ مظفر حسين برني، الأكادمية الأردية دلي 1993م) 3. For a useful summary of the views about the origins of prophetic Sunna, see David S.Powers, Studies in Quran and Hadith: The Formation of the Law of Inheritance (Berkeley University of California Press, 1986), 2 ff. See also Harald Motzki, “The Musannaf of 'Add al-Razzaq al-Sanani as a Source of Authentic Ahadith of the First Century A.H.Journal of Near Eastern Studies, 50(1991):l f. 4. Notable of these studies are those by M. M. Azami, Studies in Early Hadith Literature (Beirut: al-Maktab al-Islami, 1968); M. M. Azmi, On Schacht's Origins of Muhammadan Jurisprudence (New York: John Wiley,1985); Nabia Abbott, Studies in Arabic Literary Papyri, ii (Chicago: University of Chicago press,1967), 5-83; Fuat Sezgin, Geschichen Schrifttums, I (Leiden: E.J.Brill, 1967). 53-84 and generally: 5. Wael B. Hallaq, A History of Islamic Legal Theories. An Introduction to Sunni Usul al-Fiqh, Cambridge University Press, 1997, pp.2-3. طبع هذا المقال أول ما طبع في مجلة "نويد الصبح" بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 90 (ديوان بانك درا الأردي: ص 133) المزمل 73: 14 بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 268 (ديوان بال جبريل الأردي: ص 127) الفرقان 25:48 بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 23 (ديوان بانك درا الأردي: ص 27) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 174 (ديوان بانك درا الأردي: ص 256) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 175 (ديوان بانك درا الأردي: ص 258) ديوان بال جبريل الأردي: ص 114 بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 350 (ديوان ضرب كليم الأردي: ص 127) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 186 (ديوان بانك درا الأردي: ص 295) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 122 (ديوان بانك درا الأردي: ص 183) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 258 (ديوان بال جبريل الأردي: ص 114) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 19 (ديوان بانك درا الأردي: ص 36) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 263 (ديوان بال جبريل الأردي: ص 124) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 286 (ديوان بال جبريل الأردي: ص 166) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 211 (ديوان بال جبريل الأردي: ص 39) بدائع إقبال في شعره الأردي: ص 158 (ديوان بانك درا الأردي: ص 242) للتفصيل انظر: أحمد سعيد (بروفيسر)، إقبال اور قائد أعظم، ط2، إقبال اكادمى باكستان، لاهور، 1989 م، ص 53: 61. للتفصيل انظر: راجا رشيد محمود، إقبال – قائد اعظم اور باكستان، ط1، نذير سنز ببلشرز، لاهور، 1987م، ص 113: 122. إقبال کے خطوط جناح کے نام، ترجمه وترتيب: محمد جهانكير عالم، يونيورسل بوكس، اردو بازار، لاهور، 1994م، ص 52. قام الأديب غلام رسول خان نيابة عن العلامة محمد إقبال بكتابة ثلاث رسائل أخرى بأسم القائد الأعظم محمد على جناح، مؤرخه فى 8 من نوفمبر من عام 1937 م و17 من فبراير من عام 1938 م و 7 من مارس للعام 1938 م.للتفصيل انظر: إقبال کے خطوط جناح کے نام، ترجمه وترتيب: محمد جهانكير عالم، يونيورسل بوكس، اردو بازار، لاهور، 1994م، ص 67: 77. للتفصيل انظر: إقبال کے خطوط جناح کے نام، ترجمه وترتيب: محمد جهانكير عالم، يونيورسل بوكس، اردو بازار، لاهور، 1994م، ص 48: 51. إقبال کے خطوط جناح کے نام، ترجمه وترتيب: محمد جهانكير عالم، يونيورسل بوكس، اردو بازار، لاهور، 1994م، ص 52، 53. إقبال کے خطوط جناح کے نام، ترجمه وترتيب: محمد جهانكير عالم، يونيورسل بوكس، اردو بازار، لاهور، 1994م، ص 51. محمد حسن الأعظمى، حقائق عن باكستان، ط1، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، بدون تاريخ طبع، ص 33. تكون حزب الرابطة الإسلامية فى عام 1906 للميلاد. محمد حسن الأعظمى، حقائق عن باكستان، ص 37، 38. للتفصيل انظر: عبد الحميد (دكتور )، إقبال بحيثيت مفكر باكستان، ط2، إقبال اكادمى باكستان، لاهور، 1988م، ص 135: 154. آغا اشرف، إقبال اور باكستان، ط1، نزير سنز ببلشرز، لاهور، 1988م، ص 77، 78. حازم محفوظ (دكتور)، العلامة محمد إقبال فى مصر الأزهر، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1418 هـ — 1998م، ص 11. وللتفصيل انظر: أحمد سعيد (بروفيسر)، اقبال اور قائدِ أعظم، ط2، إقبال اكادمى باكستان، لاهور، 1989م، ص 61، 62. إحسان حقى (دكتور)، باكستان ماضيها وحاضرها.، ط1، دار النفائس، بيروت، 1393 هـ — 1973م، ص 145، 146. راجا رشيد محمود، إقبال – قائد اعظم اور باكستان، ط1، نذير سنز ببلشرز، لاهور، 1987م، ص 107. راجا رشيد محمود، إقبال – قائد اعظم اور باكستان، ط1، نذير سنز ببلشرز، لاهور، 1987م، ص 101: 106. جيلانى كامران ( بروفيسر )، قائدِ اعظم اور آزادى كـى تحريك، ط2، مجلس ترقى أدب، لاهور، 1990م، ص 90: 139. ستانلى ولبرت، محمد على جناح مؤسس الباكستان، ترجمة: سهيل ذكـار (دكتور)، ط1، دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1408 هـ — 1988 م، ص 458. حسن محمد جوهر ومحمد مرسى أبو الليل، باكستان، ط1، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1965 م، ص 64. زار كاتب هذه السطور أكاديمية إقبال بمدينة لاهور عدة مرات، وشاهد بها المكتبة الضخمة التى تضم آلاف من الكتب المؤلفة عن العلامة محمد إقبال باللغات العالمية الحية. نذكر منها قسم الإقباليات فى الكلية الشرقية من جامعة بنجاب بمدينة لاهور، الذى زاره كاتب هذه السطور، والتقى فيه بعديد من الأساتذة. محمد حسن الأعظمى والصاوى على شعلان، الأعلام الخمسة للشعر الإسلامى (العطار ورومـى والسعدى وحالى وإقبال)، حققه: مصطفى غالب (دكتور)، ط1، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1402 هـ — 1982م، ص 55، 56. 2 3 إقباليات (العدد الرابع 2003) العوامل التي كونت شخصية محمد إقبال أسرار العشق المبدع في كتابات محمد إقبال 120 207 العلامة محمد إقبال كما عرفته تأثير الأدب العربي في شعر إقبال سيرة الشاعر الإسلامي محمد إقبال نظرية الباكستان عند إقبال مقدمة لنقد منهج جوزف شاخت في دراسة الحديث نقد منهج جوزف شاخت في دراسة الحديث 208 شعر إقبال وأثر الأدب العربي فيه العروج الساوي بين إقبال والمعري إقبال والقائد الأعظم وباكستان مشاريع سنة إقبال